نفذ (مسؤولو) بيجو هذه السياسة وأصبحوا يعملون جاهدين من أجل أن يعرقلوا حركة الأمير، وأن يحاولوا بينه وبين القبائل التي كانت تمده بالمال والرجال. وبسبب هذا الدرس نهض المارشال بيجو من مدينة الجزائر في جيش كثيف إلى مليانة ثم رجع إلى الجزائر بالجيش نفسه ليظهر للأمير قوته بجيوشه ورجع إلى مليانة وترك عددا كبيرا من القتلى والجرحى، أما الذخائر التي أتى بها من الجزائر فمنعهما المسلحون ولندع الكلام إلى المؤرخ (روا) الكاتب الفرنسي الذي سبق له أن ألف المؤلفات الكثيرة عن المعارك المتعددة التي دارت رحاها في الجزائر وقال: هذه أول وقعة وقعت للمارشال بيجو في ولايته على الجزائر ورئاسته على الجنود الفرنسية، ولأول تفويضه في أمر الحرب مع الأمير عبد القادر، ثم قال: لما هجم الأمير بالقسم الكبير من جيشه الذي كان معه على المارشال انبهر عقله ولم يسعه إلا الفرار فساقته جيوش المسلمين والفرق النظامية قهرا عنه إلى مليانة تاركا قتلاه ومن معه من الأثقال، وهذه الواقعة نكلت بالجنود الفرنسيين أشد النكال وأوقعتهم في ورطة الوبال وكانت خسائرهم جسيمة ونوائبهم عظيمة: وبالرغم من الخلافات التي بلغت أشدها بين بيجو والأمير فإن الأمير لم يتزعزع بل واصل الكفاح بحزم وعزم. وفي الوقت الذي تأزمت الأمور فيه بين الأمير وبيجو بعث الأسقف (دوبيش) كتابا إلى خليفة الأمير بمليانة السيد محمد بن علال في الحضور عنده ليتوسط له في الاجتماع مع الأمير فأجابه الخليفة أن الأمير في نواحي الصحراء على مسافة أيام متعددة منا وإن كنت تكتفي بملاقاتي نيابة عن الأمير فأنا مستعد لقبول زيارتك، فأجاب الأسقف لذلك وحضر عند الخليفة واحتفل به كما يجب، وعندما عزم الأسقف على الرجوع إلى الجزائر قدم إليه الخليفة فرسين من جياد خيله هدية على عادة أمراء العرب مع ضيوفهم الكبار قدرا وشهرة وكان عنده من أثرى الفرنسيين نحو خمسمائة أسير فأحضرهم بين يدي الأسقف بسلاحهم وألبستهم ثم قال له: إنه لم يتيسر اجتماعكم بالأمير وكنت أنا من جملة أتباعه وخدمه فعلى حسب استطاعتي، أقوم ببعض ما يجب إجراؤه مع أمثالكم وهؤلاء الأسرى من عساكركم بسلاحهم وأمتعتهم قد سمحنا بإطلاقهم تكرمة لكم، فخذهم معكم ولو ساعدكم القدر وكنتم اجتمعتم بالأمير لكنتم شاهدتم من إكرامه ما تستغلون أمامه أعمال الملوك العظام ففرح الأسقف بذك فرحا شديدا ورجع بالأسرى إلى الجزائر وكان يوم دخوله إليها يوما شهودا كان بيجو قد عزم على مواصلة القتال إلى النهاية وإخضاع المقاومة العربية كانت بنية الأمير متجهة إلى ناحية أخرى السلم والصلح. بدأ عملياته الحربية في أفريل سنة 1841 بأن احتل مليانة ومستغانم وهاجم مدينة معكسر... تاريخ حجوط صفحات من تاريخ حجوط في الميدانين البطولي والثقافي عملا بالقول المشهور ما لا يدرك كله، لا يترك جله. مقاومة الاحتلال الفرنسي، حيث لم يخل كتاب من كتب تاريخ الاحتلال المذكور، من ذكر المواقف البطولية التي قام بها سكان المنطقة، والقسم الثاني في المحاضرة التي ألقاها الأستاذ المهدي البوعبدلي المؤرخ الجزائري. تعريض فيها إلى ترجمة عالمين من أعلام البلاد، استوطنا هذه المنطقة في القرن الحادي عشر الهجري. * إن مدينة حجوط الحالية، من المدن التي أحدثها الاستعمار إثر الاحتلال، وقد أطلق عليها اسم مارنقوا للقائد الفرنسي، كان اسم حجوط قبل الاحتلال، يطلق على قبيلة حجوط القبلية العتيدة التي تركت بصمات أصابعها في تاريخ مقاومة الاحتلال. ونغتنم هذه الفرصةس لتسهيل ما أمكن من تاريخها، والتعرف بموقعها، حتى يمكننا أن ننسى ما تبقى من تاريخ بلادنا لتستفيد منه الأجيال الصاعدة، إذ تاريخ البلاد يتكون من مجموع تاريخ مناطقها. ولهذا نذكر موقع قبيلة حجوط الذي كان يعرف: كان يعرف بوطن السبت يحد وطن السبت شمال البحر الأبيض المتوسط ومدينة القليعة. وشرقا وطن بني خليل ويحده جنوب جزءان من بلاد تيطري ومليانة ويحده غربا قبائل بني مناصر. ويحتوي وطن السبت هذا على جبال وسهول، فالجبال منها موزاية وسوماتة، أما السهول فتقاسمها قبيلة حجوط وقبائل بني مناد، وبني حلوان، وقبائل أولاد احميدان وبني علان والزناكرة. هذا وأن كثيرا من الضباط الفرنسيين الذين خاضوا غمار حرب الاحتلال سجلوا انطباعاتهم عن حجوط. حيث بهرتهم مواقفهم البطولية التي لم يكون يتوقعونها، ومن هؤلاء الضباط الذين اعتنوا بتاريخ هذه الناحية، العقيد الفرنسي، الذي وإن لم يشارك في حروب متيجة إلا أنه عندما كان مقيما بالبليدة كان يستقي أخبار هذه الحرب، وخصوصا حرب حجوط من الذين شاهدوها وخاضوا عمارها، ومن بينهم الزعيم إبراهيم بن خويلد الذي كان يجتمع به في البليدة بمقهى قرب حمام الترك، على كل حال فإن العقيد. وإن خصص في تأليفه المتعددة مراحل حرب متيجة وكتابته لا تخلو من فوائد، إلا أنه كان كثيرا ما يتساهل في مزج التاريخ الواقع بالافتراضات وبالأساطير، وأنني اعتمدت في هذه الدراسة كمصدر لهذا البحث الحقبة (كتاب الحوليات الجزائرية) والذي ضاع تأليفه في قالب مذكرات أي يوميات، جمع فيها ملخص تاريخ مراحل حرب الاحتلال. وقد ابتدأ هذا الكتاب تدوين تاريخه سنة 1848 وأنهاه سنة 1854. حاول الفرنسيون إثر احتلال عاصمة الجزائر مباشرة، الاحتفاظ بالعاصمة وعدم التوغل داخل البلاد والاستعانة بأعيان المسلمين يوظفونهم في وظائف يغدقون عليهم فيها مرتبات ضخمة، وقد كان الذي عين في منطقة متيجة الشيخ الحاج محي الدين بن سدي علي مبارك. الذي كان أفراد أسرته يتوارثون القيادة الروحية بكامل مدينة القليعة. إلا أن هذه التجربة أو المحاولة باءت بالفشل وسارت التمردات والانتفاضات تظهر في الجبال والسهول وكان العوبة منطلق هذه الانتفاضات بالنسبة إلى حجوط بعد قتل قائد وطن بني خليل المسامت بحجوط الذي كان في يدي الجيش الفرنسي، وحاول تحدي السكان فقتل بسوق بوفاريك، واعتبرها الجيش الفرنسي إهانة له، ولما تحقق أن القتلة من قبيلة حجوط أعلن عليهم الحرب، وكانت الملاقات بينهم بغابة الخرايسية عند ملتقى واد جر بواد بورومي، كان الجيش الفرنسي تحت قيادة الجنرال (Trobriand أطربرياند) وقد أعانته قبائل بني موسى وسكان وطن بني خليل ورغم تفوقه في العدد والعدة فقد هزم، وانسحب من المعركة ثم تحولت الحرب بينهما إلى حرب الكر والفر، ولما كانت هذه المحاضرة كما سيق لنا ذكرها محدودة المجال ولم نزد نتبع واستعراض مراحل هذه الحرب، فإنني أقتصر على ملخص كتبه مؤلف الحوليات، ولأهميته أثبتت ملخصه بالعربية، ونصه الكامل بلغته الأصلية، قال صاحب الحوليات في الجزء الأول من الكتاب ص434 ما يلي: هكذا ابتدأت الحرب ضد حجوط حرب خسرنا فيها أكثر مما ربحناه، ثم قال: إن عدد جيش حجوط الذي حاربنا لا يجوز الخمسمائة فارسا، وقد قتل منا رجالنا وأنصارنا أكثر مما قتلناه منهم الخ. هذا نص كامل باللغة الفرنسية، نقلناه بدون تصربف. Ainsi commença la guerre contre Hadjout, guerre dans laquelle nous avons plus a perdue, qu_a gagner. Depuis cette époque cette tribu qui comptait au plus 500 cavaliers brava notre autorité, nous tuer plus de monde que nous lui tuant, et reprit constamment à nous et à nos alliés, le double de bétail, que nous expéditions lui faisaient perdre. Loin de diminuer elle augmenta chaque jour l_adjuction des mécontents d_autres tribus qui se rendirent sur son territoire. كانت هذه من حالة الوضع الحربي التي نشرها صاحب الحوليات الذي ينطلق عليه قوله سبحانه وتعالى (وشهد شاهد من أهلها) ثم طرأ تغيير جذري، كما ظهر في الأفق الأمير عبد القادر الذي بعدما أبرم معاهدة السلم مع الفرنسيين المشهورة بمعاهدة دوميشال بلغه أن الشيخ موسى الدرقاوي يدعو سكان متيجة والمدية إلى التمرد عليه. فجهز له الأمير جيشه وقصد قمع الثأر بن علي بن مبارك ومحمد بن عيسى البركاني، ولما وصل الأمير إلى المدية عند السيد محمد البركاني خليفة له، وكلف السيد علال بمحاربة موسى الدرقاوي الذي التجأ إلى جبل سوماتة وكانت المعركة بينهما بجبل سماتة هزم فيها موسى الدرقاوي شر هزيمة، ولم ينجو بمفرده متسللا إلا بمعجزة وقد وقعت أسرته ونسوته في الأسرى. إلا أن الأمير لشهامته ونبله لم يرض بالاحتفاظ بهن كرهائن بل أطلق سراحهن بمجرد انتهاء المعركة وعند رجوعه عن السيد علال خليفة على منطقة مليانة ولنختم هذا الفصل الذي هو القسم الأول من هذه المحاضرة الخاصة بالتاريخ البطولي لمنطقة حجوط. فنذكر أن الأمير عندما ذهب إلى المدية أثار ضجة في أوساط قادة الجيش الفرنسي الذين رأوا أنه فرق بنود المعاهدة التي حددت حدود منطقة تعودة بالنسبة للجهة الشرقية بواد الشلف إلى أن الوالي العام كان يرى حل المشكل بحكمة، فأرسل اليهودي (دوران) إلى الأمير طالبا منه أن يستقبل مدة إقامته بالمدية ضابطا ساميا ترسله إليه الحكومة الفرنسية المركزية فأجابه الأمير لطلبه، وكلف رؤساء حجوط بحمايته، فحينئذ تحقق الفرنسيون وبوغتوا بهذا الخبر ألدتهم سكان حجوط موالون للأمير وبالفعل كان الأمير له اتصال متين بالزعماء الدينين للمنطقة وهم سلالة سدي علي مبارك ...خليفته على منطقة مليانة، ومحمد البركاني رئيس قبيلة بني مناصر. ولا يفوتنا أن نلفت انتباه قرائنا الكرام أن يفكروا من الآن في إحياء ذكرى بعض أبطال الناحية وتخليد أسمائهم على الأقل وهم أبناء المنطقة، وإن ساعدنا الحظ فسنخصصهم بدراسة مستقلة.