(اللّهم إنّا مستضعفون مقهورون فانصرنا.. اللّهم عليك بالبوذيين الماغ ومن ناصرهم.. اللّهم أهلك الظالمين وكلّ جبّار متكبّر.. اللّهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك).. بهذا الدعاء استقبل نحو 10 ملايين من أقلّية (الروهينغا) المسلمة معظمهم يعيش في إقليم الراخين بميانمار (بورما سابقا) صيام أوّل أيام شهر رمضان المبارك، رافعين أكفّ الضراعة أن ينتقم لهم من جماعة (الماغ) البوذية المتطرّفة، والتي تدعّمها الأنظمة البوذية الحاكمة في البلاد بعد ما ارتكبوه في حقّهم على مدار الأسابيع الماضية من قتل وتعذيب وتهجير وطرد وحرق حتى أبادوا قرى يقطنها مسلمون بكاملها في ظلّ صمت عالمي مريب. وفيما كان ينتظر مسلمو بورما من العالم أن يتحرّك لوقف المذابح التي يتعرّضون لها فوجئوا بالرئيس الأمريكي باراك أوباما يأمر قبل أيّام من حلول شهر رمضان الكريم بتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على بورما إقرارا بما قال إنه تقدّم أحرزته هذه البلاد في مجال الديمقراطية، ضاربا عرض الحائط باستغاثات وآهات الملايين من مسلمي بورما في ظلّ ما يتعرّضون له من حملة إبادة من قبل الطبقة الحاكمة التي تطالب بضرورة ترحيلهم وطردهم من البلاد للحفاظ على غالبيتهم البوذية. مسلمو بورما يستقبلون رمضان هذا العام فيما تغشاهم حالة من القلق وتنتابهم حالة من الحزن ليس فقط على أحبّائهم وإخوانهم وذويهم الذين قتلوا ولا على ديارهم الذي شرّدوا منها ولا بسبب أنهم يبيتون ليلتهم وهم لا يعرفون إن كان سيطلع عليهم النّهار أم لا، لكن كلّ ما يقلقهم أن يحافظوا على بقعة لطالم رفع فيها اسم اللّه على مدار قرون، داعين اللّه أن في الوقت نفسه أن يتقبّل صيامهم وقيامهم وأن يلهمهم الصبر على ما يلاقونه ويرحم ذويهم ممّن لقوا حتفهم على أيدي جماعة (الماغ) البوذية المتطرّفة. وفي ظلّ ما يتعرّض له مسلمو بورما من مذابح ورغم ما كانوا يواجهونه على مدار السنوات الماضية من تضييق عليهم في العبادة، فإنهم يحرصون قدر استطاعتهم على أن يحيوا شهر رمضان بتلاوة القرآن الكريم في المساجد نهارا وأداء صلاة التراويح في اللّيل، ليناموا بعد صلاة التراويح مباشرة، ثمّ يستيقظون في وقت السحور، وبعد الفجر يبدأون أعمالهم. وبينما كان يحرص مسلمو بورما على إعداد أطعمة معيّنة على مائدة الإفطار خلال الشهر الكريم، أشهرها (لوري فيرا) الذي كان يعدّ من الخبز والأرز بطريقة خاصّة، لا يعرف بعد إذا ما كانت جماعة (الماغ) البوذية المتطرّفة ستمهل المسلمين خلال شهر مضان المبارك لإعداد أطعمتهم الخاصّة وأداء عباداتهم وإحياء الشهر الكريم، أم سيواصلون مسلسل الإبادة والاضطهاد الذي أعادوا إحيائه الشهر الماضي بدعم من الأنظمة البوذية الحاكمة في البلاد تحت مزاعم واداعاءات لم تثبت صحّتها. وكان الهجوم الأخير على أقلية (الروهينغا) المسلمة قد بدأ في أعقاب إعلان الحكومة أنها ستمنح بطاقة (المواطنة) للعرقية الروهنغية المسلمة في إقليم (راخين)، (آراكان) سابقا، غربي البلاد، حيث رأت جماعة (الماغ) المتطرّفة أن هذا الإعلان بمثابة استفزاز لمطامعهم في إقليم (راخين) الذي لطالما حلموا بأن يكون إقليم خاص بهم لا يسكنه غيرهم، وهو ما أثار غضبهم لإدراكهم أن هذا سيؤثّر في حجم انتشار الإسلام بالمنطقة، فخطّطوا لإحداث الفوضى فهاجموا حافلة تقلّ 10 مسلمين وعذّبوهم وقتلوهم، ثمّ ادّعوا أنهم فعلوا ذلك ردّا على قيام ثلاث مسلمين باغتصاب فتاة بوذية وقتلها في ماي الماضي، ممّا أدّى إلى اندلاع أحداث عنف. وساندت الحكومة البوذيين، حيث اعتقلت 4 مسلمين بزعم الاشتباه في تورّطهم في قضية الفتاة، الأمر الذي شجّع البوذيين المتطرّفين على شنّ المزيد من الهجمات على مسلمي الإقليم أسفرت عن مقتل قرابة نحو أكثر من ألفي مسلم وتشريد أكثر من 90 ألفا آخرين، حسب ما كشفت عنه رئاسة الشؤون الدينية التركية في بيان رسمي، فضلا عن تدمير أكثر من 20 قرية و1600 منزل، ما أدّى إلى تنفيذ أكبر عملية فرار جماعي إلى دولة بنغلاديش المجاورة. وندّدت العديد من المنظمات والجهات الإسلامية بالمجازر البشعة التي ترتكب في حقّ المسلمين في بورما وطالبت بحمايتهم، ومن بين المندّدين الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومقره الدوحة، ومنظمة التعاون الإسلامي، ورابطة علماء فلسطين، وجبهة علماء الأزهر. وبدلا من أن توقف الحكومة مساندتها للماغ وتحمي المسلمين، صعد رئيس ميانمار ثين سين بنفسه من الحرب ضد مسلمي البلاد داعيا إلى تجميع أقلية الروهينغا المسلمة الذين لا تعترف بهم الدولة في معسكرات لاجئين أو طردهم من البلاد. وقال سين خلال لقاء مع المفوض الأعلى للأمم المتّحدة للاّجئين أنتونيو جيتيريس إنه (ليس ممكنا قبول الروهينجيا الذين دخلوا البلاد بطريقة غير قانونية وهم ليسوا من أثنيتنا)، واعتبر أن الحلّ الوحيد في هذا المجال هو إرسال الروهينيجيا إلى المفوّضية العليا للاجئين لوضعهم في معسكرات تحت مسئوليتها، في مؤشر على أن ما يحدث في البلاد ليس عنفا طائفيا، وإنما هو تطهير عرقي مدعوم من الدولة. وعمليات العنف والتطهير ضد أبناء أقلّية (الروهينغا) ليست وليدة اليوم، فقد تعرّض مسلمي ميانمار لمذبحة كبرى عام 1942 على يد البوذيين (الماغ) راح ضحّيتها أكثر من 100 ألف مسلم وشرّد مئات الآلاف، كما تعرّضوا للطرد الجماعي المتكرّر خارج البلاد بين أعوام 1962 و1991، حيث طرد قرابة 1.5 مليون مسلم إلى بنغلاديش، ولذا غالبا ما تحدث أعمال العنف اتجاه المسلمين في ولاية (راخين) الواقعة على الحدود مع بنغلاديش.