في الذكرى الرابعة لرحيل الشاعر الفلسطيني محمود درويش احتفل عشاق شعره بهذه المناسبة، فبعضهم دوَّن مقالات جديدة حول الشاعر مع أنه كتب في السابق عشرات المقالات عنه إلى درجة الملل، وبعضهم الآخر أقام احتفالات أو أمسيات. وبدوره، أخبرنا الفنان مارسيل خليفة أنه سيعيد توزيع أغنياته القديمة التي كتبها درويش ومن بينها (ريتا) و(في البال أغنية). أما المجلات فثلاث منها احتفت بالشاعر الراحل كل على طريقتها. احتفى العدد الثالث من دورية (بيت الشعر) التي تصدر عن بيت الشعر _ أبوظبي بالذكرى الرابعة لرحيل الشاعر محمود درويش (13 مارس 1941 _ 9 أوت 2008). في هذه المناسبة، نشرت المجلة ملفاً كاملاً حول التجربة الدرويشية بعنوان (أثر الغائب)، احتل قرابة 50 صفحة. تنوعت مواد العدد بين الحوار والنقد والشعر والخط والترجمة، بالإضافة إلى الزوايا الثابتة، وجاء في كلمة المشرف العام على المجلة الشاعر حبيب الصايغ: (هذا الصباح سأضع ذاكرتي أمامي لا ورائي، سأكتب المعنى عميقاً وبإشارات تتناثر في القلوب كشظايا الحروب). احتوى ملف درويش على حوار خاص مع الناقد صبحي حديدي الذي ارتبط بعلاقة صداقة مع الشاعر الراحل، توقف خلاله عند جوانب عدة من شخصية درويش الإنسانية والشعرية، وكشف عن وثائق خاصة تتعلق بتقنيات الكتابة لدى درويش. وتضمن العدد حواراً خاصاً أجرته رنا زيد مع المؤلف الموسيقي والمغني مرسيل خليفة الذي ارتبط اسمه باسم درويش طيلة ثلاثة عقود من عمله الموسيقي. ويتنوع الملف، ليضم مقالات حول علاقة درويش بالمدن، تحديداً بيروت وعمّان، وتستعيد (بيت الشعر) أيضاً علاقة درويش بالإمارات بدءاً من زيارته الأولى لأبوظبي عام 1974 وحتى زيارته الأخيرة عام 2007، والعلاقة التي ربطته بالإماراتيين المثقفين ورجال دولة. في قطر صدر العدد الجديد من مجلة (الدوحة) متضمناً كتاب (ورد أكثر) وهو عبارة عن (مختارات شعرية ونثرية) لمحمود درويش (اختيار الناقد فيصل دراج وتقديمه)، تهديه المجلة لقرّائها في شهر رحيل درويش ويضمّ مختارات ترصد تطوّره الفني منذ البدايات إلى ديوانه الأخير وعلاقته بتجربته الوطنية والإبداعية معًا. حدّد هذا القصد اختيار القصائد من دون النظر إلى طولها أو قصرها، وفي أحيان قليلة اختيار أجزاء لأجل هدف وحيد: الوقوف على إبداع درويش في وجوهه المختلفة. وفي العدد الجديد من مجلة (الكرمل الجديد) مقتطفات من مقابلة متلفزة خاصة أجراها في رام الله السياسي والإعلامي الفلسطيني نبيل عمرو مع محمود درويش في أواخر عام 2003. شارك في المقابلة إلياس خوري ومرسيل خليفة من بيروت، وممدوح عدوان من دمشق، وغسان زقطان وحسن خضر من رام الله. تكلم الشاعر في كل شيء، وتحدث الآخرون في كل شيء أيضاً، وتلت الحوار مقالة للشاعر الفلسطيني الذي يعيش في القاهرة مريد البرغوثي عن محمود درويش بعنوان (هو أجملنا وأولنا)، وقد نشرت نسخة منها في جريدة (الغارديان) البريطانية. يلاحظ من خلال متابعة الاهتمام بذكرى درويش مدى الأثر الذي تركه هذا الشاعر في غيابه، كأن الثقافة العربية لم تخرج من شرنقة الرمز والأيقونة، والدوران في فلك نص درويش. ربما مرد هذا الاهتمام إلى الحاجة إلى درويش آخر يعطي للشعر حضوره ولغته وصوره، وربما هي الحاجة إلى شاعر يواكب التطورات التي تحصل في العالم العربي من خلال القصيدة. كان درويش الأكثر قرباً من الأحداث في قصائده، وأقرانه من الشعراء، خصوصاً جماعة قصيدة نثر، يبدو أنهم يغرقون في (شبر مي) في مرحلة الأزمات. فالأحداث في سورية أظهرت مدى الاضطراب والتوتر في مواقف عدد كبير من كبار الشعراء العرب. لم يكن درويش نموذجاً مثالياً في مواقفه، لكنه على الأقل كان يقول رأيه بلا تردد ولا (لف ودوران) ومن دون الادعاء بأنه لا ينحاز كما يفعل (بطريرك قصيدة النثر في لبنان) الذي ينحاز ثم ينظر ل(النأي بالنفس)، ومن دون التحجج بأن التظاهرات تخرج من المساجد كما يفعل (بطريرك قصيدة النثر في سورية)... الأرجح أن الشعر يحتاج إلى ربيع أيضاً يتجاوز مرحلة درويش ونصه وأنسي الحاج وقصيدته وأدونيس وتنبؤاته وغيرهم، لكن الربيع لا يكون ضد الأشخاص أو معهم، بقدر ما يتجلى في إنتاج نصوص جديدة تستحق الاهتمام، من دون الإغراق في الكتابة عن درويش وغيره صباحاً ومساءً، كأنه الزعيم الشعري الأوحد على شاكلة قائد الأمة الأوحد.