يرى خبراء اقتصاديون أن البترول الذي تتّكئ عليه الجزائر وتعتمد في اقتصادها ومشاريعها على عائداته يشكّل خطرا حقيقيا على مستقبل الجزائر، لكونه يدفع بالقائمين على شؤون اقتصادها إلى عدم التفكير في بدائل اقتصادية قوية تسمح للبلاد ب (البقاء واقفة) عند تنفد الثروة النّفطية من باطن أرض الجزائر. يصنّف بعض الخبراء ثروة البترول التي تمتلكها الجزائر في خانة (النعمة النقمة)، فهو من جهة يتيح لبلادنا التواجد في وضع مالي مريح للغاية ويسمح بإنجاز مشاريع كبرى ورصد ميزانيات ضخمة للتضامن الاجتماعي، لكنه من جهة اخرى يرهن مستقبل الأجيال القادمة، لكونه عامل أساسي في هشاشة الاقتصادي الوطني الذي يعتمد أساسا على تصدير النّفط. وفي هذا السياق، رأى خبير في الاقتصاد أن التبعية للمحروقات ستؤثّر بشكل سلبي على الاقتصاد الجزائري خلال العشريتين المقبلتين. وأوضح السيّد رفيق بوكلية خلال ندوة نشطها سهرة أمس السبت بوهران تحت عنوان (تحديات الاقتصاد الجزائري: رؤية استشرافية في آفاق 2030)، والتي قدّمها مع الخبير السيّد يوسف بن عبد اللّه أنه (يتعيّن ألا يركّز الحرص على الفعالية على سعر البرميل لكن على بنية سير الاقتصاد الوطني)، وأشار إلى أن التبعية للمحروقات (تعدّ مصدر عدم استقرار اقتصاد البلاد)، مستندا إلى نتائج الدراسة التي أعدّها على أساس أسعار للنفط مناسبة تقدّر ب 100 دولار للبرميل. كما تطرّق السيّد بوكلية إلى الميزان التجاري للبلاد متوقّعا أن الواردات الضرورية للنمو ستتضاعف أربع مرّات (في أفضل الأحوال)، وأن الصادرات (لا تواكب نفس المنطق) كونها تستند على النّفط والغاز، وأنها (لا تتبع النشاط الاقتصادي لكن وتيرة الاستخراج). ويرى المحاضر أنه بمجرّد أن تعرف الموارد الطبيعية (حالة تشبع) فإن الصادرات ستعرف (ركودا)، ممّا يفسّر (عمق الصعوبات التي ستواجهها الجزائر في السنوات القادمة مع فرضية نمو صادرات المحروقات بنسبة 2 بالمائة)، وأضاف أنه بإمكان الصادرات خارج المحروقات أن تنمو أيضا، لكن مستواها يبقى ضعيفا للغاية و(غير كاف لتغيير الميزان التجاري). وانطلاقا من تطوّر هذه العناصر الثلاثة (الواردات والصادرات الإجمالية والصادرات خارج المحروقات) -يضيف السيّد بوكلية- فإن رصيد الميزان التجاري سيكون سلبيا في 2014 أو 2015، أي أن (الواردات ستفوق الصادرات ولن يكون ذلك نتيجة لأزمة خارجية سلبية كما كان الحال في 1986 عندما ظهرت أزمة ميزان المدفوعات لأن سعر البرميل انخفض دون 10 دولارات، ممّا تسبّب في انهيار الرصيد التجاري). وأوصى الخبير ب (إنعاش ديناميكية الصادرات خارج المحروقات من نسبة 1 بالمائة الحالية إلى 15 بالمائة من إجمالي الصادرات للسنوات القادمة)، وشدّد على هذا الجانب لتوقع أن (استمرار الرّصيد السلبي لن يسمح بتمويل الاقتصاد) وفي هذه االحالة (حتى احتياطي الصرف سيشكّل موردا مؤقّتا فقط باعتبار أنه سينخفض أيضا في حال تفوّق الواردات على الصادرات) -كما أضاف السيّد بوكلية. وحسب شروحات السيّد رفيق بوكلية فإن نفاد احتياطي الصرف سيؤدّي بعدها الى إجبارية اللّجوء إلى الاقتراض الخارجي الذي سيصل مبلغه إلى 280 مليار دولار في أفاق 2030). وأكّد المتدخّل في توصياته على التركيز بوجه خاص على تعزيز سياسات التشغيل والابتكار والإنتاجية. وحسب هذا الخبير الذي هو أيضا أستاذ بجامعة وهران (لابد من بذل المزيد من الجهود من قبل القطاع الخاص لتوفير بدائل للاستثمار العام)، مشيرا في هذا السياق إلى أن (85 بالمائة من الاستثمارات حاليا مصدرها القطاع العام). وسلّط المتدخّل الضوء على الدور الهام للدولة معتبرا على سبيل المثال أنه (من دون آليات دعم التشغيل ستكون نسبة البطالة أعلى بنحو 17 بالمائة بدلا من نسبة 10 بالمائة الحالية). ودعا هذا الخبير الاقتصادي أيضا إلى (تنفيذ آليات التحفيز) الكفيلة بإشراك القطاع الخاص في الديناميكية الاجتماعية والأداء المرغوب فيه. ومن جانبه، أكّد السيّد محمد بهلول الخبير في الاقتصاد أن أداء مؤسسة ما، سواء كانت عمومية أو خاصّة (يتطلّب الجمع بين أربع سمات) وهي (القدرة على صنع استراتيجية التنظيم المستقلّ والحساب الاقتصادي فرص وتوقعات الاستثمار في المستقبل والقدرة على صنع نظم التنظيم التميز والابتكار والقدرة على التشغيل خلق العمل والأجور ).