تشهد معظم الحدائق العمومية وخاصة حدائق التسلية والحيوانات إقبالا منقطع النظير خلال هذه الأيام بعد الانتهاء من شهر الصيام، حيث اعتادت العديد من الأسر الجزائرية مع اقتراب موسم الصيف أن تشد رحالها نحو مقصد آخر بحثا عن جو لطيف ومنعش لقضاء عطلتها في راحة والابتعاد عن الحرارة المرتفعة، وأضحت المدن الساحلية خلال الفترة الأخيرة مقصد كل العائلات من أجل الاستمتاع بزرقة البحر، لكن وبما أن العديد منهم حرموا من التوجه إلى البحر خلال الأشهر القليلة الماضية نتيجة توسط شهر رمضان العطلة الصيفية مما أدى إلى خلط الأمور بالنسبة للكثير ممن اعتادوا على التخطيط ووضع برنامج صيفي خاص بفصل الاصطياف. إذ لا يختلف اثنان على أن العطلة السنوية في فصل الصيف قناعة يتقاسمها كل الجزائريين للترفيه عن أنفسهم بعد عام كامل من التعب والجد حتى يتمكنوا من استعادة نشاطهم وحيويتهم، ولكن الواقع المعاش أحيانا يفرض شروطه التي لا يتقبلها العقل البشري وفقا لرغباته وما يطمح إليه المواطن وما يمكنه تحقيقه بالنظر إلى المستوى المعيشي للعائلات البسيطة المحرومة من حقها في قضاء العطلة الصيفية بسبب تدني مستواها المعيشي ذات الدخل المحدود خاصة بالنسبة للعائلات التي لديها مجموعة معتبرة من الأطفال ويعيلها شخص واحد بدخل ضعيف لا يكفي لتلبية الضروريات اللازمة للحياة الكريمة، لذا فإن مشروع العطلة الصيفية تجده مستبعدا كل البعد من برنامجها الصيفي، هذا ما أكدته لنا إحدى السيدات التي التقيناها بالقرب من حديقة التسلية والألعاب التابعة لقصر المعارض التي كانت متوجهة إلى هناك رفقة أطفالها الأربعة، إذ اعتبرت نفسها ضمن العائلات التي لم يسعفها الحظ في الاستفادة من عطلة صيفية خارج ولاية الجزائر العاصمة أي إلى وجهات أخرى من الوطن بحثا عن الراحة والاستجمام وتغيير الجو بعد سنة كاملة من الكد والعمل والجهد والدراسة، نجد هذه العائلات تقضي كل وقتها بين الخروج في الصباح المبكر إلى السوق لاقتناء مستلزمات المطبخ والمكوث في البيت إلى غاية الساعة الرابعة زوالا فما فوق. وفي هذا الشأن وأثناء خرجتنا الاستطلاعية التي قادتنا إلى حديقة التسلية بقصر المعارض أثناء تواجدنا بالقرب من المحطة لاحظنا توافدا كبيرا للأطفال رفقة أوليائهم، أين امتلأت واجهات الترامواي بهم وبصراخهم، هؤلاء الذين جاءوا من كل مكان بغية تمضية ما تبقى من وقت عطلتهم في اللعب والمرح الذي حرموا منه نتيجة تزامن شهر الصيام بفصل الصيف، حيث ألزمهم المكوث بالمنزل دون إحداث أي تغيير، مغتنمين الفرصة في ذلك للترويح عن أنفسهم، فالسيد (عدلان) كان من بين الحاضرين رفقة أطفاله أين صرح لنا: (أنا أب لستة أطفال وراتبي يدفع في الكهرباء والغاز والماء خاصة أمام المصاريف المتزايدة أثناء شهر رمضان وعيد الفطر المبارك مما يؤدي إلى انتهاء الراتب قبل انتهاء الشهر أين أضطر إلى تكملة ما تبقى لنا من الأيام من خلال استدانة بعض المال ممن أعرفهم حتى أستطيع تسيير أموري، وأمام كل هذا فلا مجال للحديث عن عطلة الصيف خارج المنزل، لذا لم أجد البديل سوى حدائق التسلية والألعاب القريبة من منزلي كوني أقطن بضواحي برج الكيفان للترويح عن أبنائي قبل الدخول المدرسي الذي هو على الأبواب)، وفي نفس السياق صرحت لنا السيدة (سعاد) ربة بيت تقطن بضواحي العاصمة والتي لم يسعفها الحظ هذه السنة في مغادرة ولايتها لأنها مقبلة على تنظيم حفل زفاف ابنها تقول: (مثل هذه الأماكن تعتبر مقصدا للعائلات والأطفال في الفترة المسائية لاسيما أثناء فصل الصيف لاستنشاق الهواء النقي والتمتع بالجو المنعش، فأنا من هواة الطبيعة الممزوجة بالأشجار والاخضرار أين أقوم بالتوجه إلى هذا المكان كل مساء خاصة بعد انقضاء شهر رمضان المعظم أين تتعالى أصوات الأطفال الممزوجة بنسيم الجو ما يضفي نكهة مميزة). إذ يجد الزائر لهذه الحديقة كل ما يروق لأطفاله من ألعاب التسلية، إلى جانب توفر الأمن الذي يشكل هو الآخر عاملا مهما في جذب الزوار وتلك الأعداد الهائلة من الأطفال، حيث يتوزع أعوان الأمن على مختلف أرجاء الحديقة ومداخلها، هذه الأجواء من عوامل الأمن والمتعة التي تجتمع في حديقة التسلية بقصر المعارك أدت إلى إيجاد أجواء تفتقدها الكثير من الأماكن العمومية في الوقت الراهن، حيث أصبحت ملاذا للعائلات كمتنفس يمتص تعب وضغط الحياة اليومية وللهاربين من ضوضاء المدن إلى أحضان السكينة المحاطة بخضرة الأشجار ونسيم البحر المقابل للحديقة.