تختزل مدينة تيبازة العتيقة في طياتها (السياحة والآثار وسحر الطبيعة) يقول جمال، 22سنة، ابن المدينة، وهو بائع جرائد وصور وأشياء تذكارية. ويضيف أحد أصدقائه معلقا (لايمكنني مغادرتها لأنها جنة فوق الأرض.. انظر إلى الجبال والاخضرار الذي يلف جبل شنوة والبحر والآثار كل شيء موجود فنصف ساعة من الزمن فقط بإمكانك الوصول إلى العاصمة بعد تدشين الطريق السريع). بعد رحلة استطلاعية واستكشافية لأهم المعالم الأثرية والسياحية مثل المركب السياحي (7) إلى جانب الشواطئ الجميلة التي توقفنا عندها من بينها ثلاث جزر واد البلاع والشاطئ المركزي وغيرها، توقفنا عند أحد المطاعم الرئيسية بالمدينة لتناول وجبة الطعام، المطعم مختص في طهي الأسماك بكل أنواعه، قال صاحبه (إن معظم المطاعم تشتهر في طهي وشواء الأسماك وعلى الخصوص البايلا الإسباني الذي يعد مذاقها جد رائع وتقدم إلى زوار المدينة في شكل مميز). بعد رائحة دامت ساعة من الزمن ساقنا الفضول إلى اكتشاف نشاط الصيد البحري حيث وجدنا عشرات الصيادين يهيئون الشباك لليوم الموالي في رحلة صيد، وحسب عمي (رابح) 62 سنة أكد أن عشرات العائلات بالمدينة تقتات من هذه المهنة حيث يوجد مايقارب وفق ما أشار إليه استناد إلى الإحصائيات الرسمية 5 آلاف يبحرون في حوالي 600 قارب من مختلف الأنواع والأحجام، ولعل أبرز الموانئ يضيف محدثنا ميناء تبيازة، شرشال وقوراية.. نظرا لقدرة استيعابها لحركة السفن والقوارب التي توفر أسماكا طازجة مع فجر كل صباح حيث يتجاوز المعدل السنوي للأسماك حدود 20 ألف طن. تركنا المدينة في هدوئها نائمة على كنوز لاحصر لها تستنشق عبق التاريخ مستلطفة بنسمات البحر تحت درجة حرارة معتدلة عكس باقي الولايات الداخلية القريبة منها، حيث يتوجه أغلب سكان ولايات الوسط (كالبليدة والعاصمة، عين الدفلى إضافة إلى المدية مع نهاية عطلة الأسبوع وباقي العطل الموسمية صوب المدينة الأثرية والسياحية تيبازة التي تجمع بين جمال وسحر الطبيعة وكنوز أثرية لازالت قائمة لحد الآن تشد انتباه الزائر إلى حضارات متعاقية تعود إلى آلاف السنين، بنيت المدينة الرومانية كما يشير إليه الدليل السياحي وبعض المرشدين الذين وجدناهم في عين المكان (في تيباسا فوق ثلاثة تلال صغيرة متقابلة مطلة على البحر. وكانت البيوت السكنية في التلة الوسطى ولكن لم تبق لها آثار. وهناك آثار باقية لثلاث كنائس هي: البازيليكا الكبرى وبازيليكا إسكندر في التلة الغربية وبازيليكا القديسة سالسا في التلة الشرقية، ويشير الدليل السياحي الذي يسلم للزوار عند عتبة المدن الرومانية عن تاريخ المنطقة أن تيبازة كان يحيط بها سور عظيم، طوله كيلومترات عدة، ويحيط بهذه المدينة 37 مركز حراسة، حيث يتم حراستها على مدار الساعة، خوفا من أي غزو. ولكن الطبيعة كانت قاسية حيث دمرت هذا السور العظيم، وأكلت المدينة، وغرق تحت البحر جزء منها، ولم يتم البحث تحت المياه، لأن هذه العملية تحتاج للكثير من البعثات العلمية وتشير بعض الروايات إلى وجود تابوتين ملتصقين، كان يشتريهما الأغنياء لقبورهم الخاصة، حيث يكون قبرا الزوج والزوجة متلاصقين معاً، أملاً في أن تشاركه في رحلة الموت أيضاً. كما كانت هناك قبور عادية خاصة بالخدم تحيط بالقبر الكبير الخاص بعائلة الغني. ومن أغرب طقوس الدفن في هذه المدينة، أن يأخذ الميت معه زجاجة صغيرة، وآنية فخارية، تحتوي إحداهما على دموع، والأخرى على عطر. فتكون الأولى شاهدة على أيامه والثانية من أجل استعمالها في رحلة البعث، بنى المدينة العريقة الفنيقيون وهم الذين جلبوا معهم الزيتون وزرعوه فيها، كما أن أهل هذه المدينة كانت لديهم طقوس خاصة بالموت، حيث عُثر هناك على مقابر خاصة بالأغنياء، وأخرى خاصة برجال الدين، أما الأيتام فكانوا لا يدفنون، بل كانت تُرمى جثثهم للأسود الموجودة في مكان خاص بها في القلعة الحصينة، في كل زاوية من زوايا هذه المدينة تشتم رائحة التاريخ ينبعث ويكتشف الزائر ببساطة كيف كانت حياة الأمم السابقة باعتبار أن المدينة لازالت تحافظ على نسبة كبيرة من آثارها التي يقصدها الآلاف سنويا خلال موسم الصيف خصوصا الأجانب.