لعل الكثيرين لا يتخيلون أن تايلاند يمكن أن تكون وجهة مثالية للسفر في شهر رمضان بسبب سمعتها السياحية، إلا أن شهر رمضان في تايلاند يحمل الكثير من المفاجآت المحببة التي يمكن مشاهدتها خلال زيارة الأحياء والمطاعم العربية والإسلامية سواء في العاصمة “بانكوك” أو “بتايا” وسواها من المدن التايلاندية الشهيرة، حيث يكتسب رمضان التايلاندي مذاقا ونكهة قل أن يوجد لها مثيل. هذا ليس بالأمر العجيب، فالمسلمون في تايلاند يشكلون ثلث المجتمع التايلاندي، ولكن أي مواطن تايلاندي من أية ديانة أخرى سيشعر بنفسه في شهر رمضان، بأن عدد المسلمين يتضاعف كل يوم، بسبب مظاهر الاحتفال الأخاذة بهذا الشهر، فمع غرابة صفة الصيام وخصوصيات شهر رمضان على المجتمع البوذي إلا أن ملامح هذا الشهر باتت شهيرة عند غير المسلمين وغيرهم على حد سواء، حتى إن الكثيرين من البوذيين باتوا يستطيعون النطق بكلمة رمضان مع صعوبتها على لسانهم، وفي كل مدينة وكل قرية لا بد أن يفتتح مسجد جديد في شهر رمضان، حتى لو كان صغيرًا ومتواضع البناء، إذ تسعى كل قرية ومدينة طوال العام إلى جمع الأموال حسب إمكانيات كل أسرة لبناء المسجد الجديد الذي يفتتح في شهر رمضان، ويحرص معظم الأشخاص على العمل بأنفسهم في بناء هذه المساجد أيًّا كان نوع العمل. مائدة رمضانية مدهشة موائد المسلمين في تايلاند هي نفسها في الدول الإسلامية التي تعجُّ بصنوف الأطعمة والحلويات، لكن اللافت للنظر في عادات المسلمين في هذا الشهر أن البيت لا يصنع أنواعاً متعددة من الأطعمة، بل يصنع صنفا واحدا بكميات كبيرة، ويوزع هذا الصنف على الجيران والأقارب القاطنين في الحي، بحيث يتم رد الطبق بصنف صنعه البيت الآخر، وهكذا حتى يتجمع في المائدة ربما أكثر من عشرة أصناف من عشرة بيوت تعاونت على صنع تلك الأطعمة بدون أن يجهد البيت الواحد في صنع كل تلك الأصناف بمفرده، وهذا السلوك أدهش الكثير من المسلمين الذين زاروا تايلاند وتمنوا أن تطبق هذه الطريقة العجيبة والمريحة في بلدانهم التي قدموا منها. أما أعمال الخير في تايلاند تشابه إلى حد بعيد ما في الدول الإسلامية، وبخاصة موائد الإفطار التي تعتبر سمة المجتمع المسلم في تايلاند، فلا يوجد مسلم إلا ويقيم مائدة إفطار يومية أمام المسجد يقبل عليها أهل الحي من الرجال، ومن حل عليهم ضيف من أبناء السبيل، وغالبا ما يبدأ الإفطار بالتمر المستورد من مصر والسعودية ويباع بأسعار باهظة، إضافة إلى اللبن وبعض العصائر وبعض الأطعمة الخفيفة، ثم يؤدي المسلمون الصلاة في المسجد ويعودون من بعد ذلك إلا إتمام إفطارهم. وبصورة عامة عند حلول شهر رمضان تضاء جميع مساجد تايلاند بالأنوار وتوضع عليها مختلف الزينات الجميلة، ويبلغ عدد المساجد في هذه الدولة 1830 مسجداً، ومن العادات الشائعة عند مسلمي تايلاند أنه إذا حان وقت الإفطار قُرعت الطبول الكبيرة، ويسمى الذي يقوم بالضرب عليها شخص يسمى (البلال) نسبة إلى الصحابي الجليل (بلال بن رباح الحبشي) مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يشربون شرابًا مكونًا من السكر وجوز الهند، وأشهر الأكلات عند مسلمي هذه البلاد طعام يسمى (سوب)، ويصلي المسلمون التايلانديون صلاة التراويح، حيث يقرأ فيها الإمام يوميًا من سورة الضحى إلى سورة الناس. “التومينة” على الطريقة التايلاندية من المظاهر الدينية في رمضان كل عام، وفق موقع “إسلام أون لاين”، أن الذين يحفظون القرآن بأكمله من عام لعام يُحمَلون على الأكتاف في مظاهرات فرحة، ويُطاف بهم في الشوارع كقدوة لبقية المسلمين وتشجيع الشباب على حفظ القرآن، وهي طريقة تشبه مسيرة “التومينة” الاحتفالية التي يقيمها الإماراتيون والخليجيون لأطفالهم الذين يختمون القرآن، ولكنها هنا تقام وفق الطريقة التايلاندية بالحمل على الأكتاف، وعموما عندما يبدأ شهر شعبان يتقدم المسلمون الذين حفظوا القرآن الكريم لمجلس حفظ القرآن الذي ينعقد طوال شهر شعبان، لاختبار حفظة القرآن، وعندما يبدأ شهر رمضان تعلن أسماء الذين حفظوا القرآن الكريم، وتتردد أسماؤهم على كل الألسنة، ويسمح لهم بتلاوة القرآن في المساجد. ذبيحة من كل أسرة مسلمة الشعب التايلاندي معروفٌ بالبساطة والكرم، وفي اليوم الأول من شهر رمضان لا بد وأن تذبح كل أسرة تايلاندية مسلمة ذبيحة احتفالاً بشهر رمضان، والأسر الفقيرة تكتفي بذبح أحد الطيور، والمهم أن الذبح في اليوم الأول للصوم عادة تايلاندية تحرص عليها كل أسرة مسلمة منذ سنوات طويلة، وقُبيل موعد الإفطار تخرج السيدات من المنازل في جماعات ويجلسن أمام أحد المنازل ويتناولن الإفطار جماعة وكذلك بالنسبة للرجال، ولا يأكل الرجل من الطعام الذي طهته زوجته، وإنما يأكله شخص آخر كمظهر للحب والعشرة، فلا يأكل أحد من طعام بيته وإنما من طعام مسلم آخر، ويحرص المسلمون في تايلاند على تناول الفواكه بكثرة في شهر رمضان، فالمجتمع لا يعرف الحلويات الشرقية المعروفة في رمضان، وإنما تمثل الفواكه كل شيء لمعظم الأسر المسلمة في شهر الصيام. ومن عادات المسلمين في تايلاند الحرص على قضاء شهر رمضان في مجتمعهم، فعندما يأتي رمضان يعود المسافرون والعاملون خارج تايلاند وعادة الطلاب أيضاً يقضون شهر رمضان مع أسرهم أو حتى أيام منه، ويعرف المجتمع التايلاندي “الكعك” المصنوع من الأرز واللبن، ويفضلون تناوله في السَّحور بصفة خاصة. كما تحرص الأسر التي لها أقارب في مدن بعيدة أو أبناء تزوجوا وعاشوا بعيداً عن أسرهم على التزاور طوال شهر رمضان، فالنظر للمساحة الهائلة لتايلاند، تذهب الأسر لقضاء بعض الأيام عند الأقارب، وفي الأوقات التي تسبق موعد السحور يخرج الشباب والأطفال للشوارع وأمام المنازل يحملون الفواكه ويأكلونها، كما يحملون الفوانيس التي تصنع من لحاء بعض الأشجار وتضاء بالزيت، وهي أشبه بالمشاعل حتى موعد السحور حين تفرغ الشوارع من الناس.