بقلم: دان بوينز* الربيع العربي أبعد ما يكون عن الانتهاء، فالنزاع الطويل الأمد في سورية لايزال يقضي على حياة الأبرياء، في حين يركز المجتمع الدولي، المنكب على الجغرافيا السياسية، على الشغب في جميع أنحاء العالم الإسلامي عقب صدور الفيلم الأميركي المسيء للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى مقتل السفير الأميركي كريس ستيفنز في ليبيا. كما لاتزال تونس ومصر تواجهان مشكلات اقتصادية بعد الثورة، في وقت تشكلت فيه سلسلة من الحكومات الإسلامية المنتخبة ديمقراطياً في البلدان الثائرة حديثاً في جميع أنحاء المنطقة. أما النشطاء والمحللون فيخشون من أن الحريات التي ناضلوا من أجلها وفازوا بها خلال (الربيع العربي) باتت عرضة للانحسار الآن مرة أخرى، وأصبح الأمل الوحيد، كما يقولون، هو استمرار دعم المجتمع الدولي للطريق الطويل وصولاً إلى الحرية. وتعبر عن هذا الرأي الناشطة التونسية نبيلة حمزة، رئيسة (مؤسسة المستقبل) غير الهادفة إلى الربح، في تصريح أدلت به من مقر الاتحاد الأوروبي، في إطار نداء إلى الحكومات الأوروبية للانخراط الطويل الأمد في عملية الانتقال العربي إلى الديمقراطية ، قائلة: (في ضوء ما نشهده من نكسات في الوقت الراهن، فإننا بحاجة إلى دعمكم المستمر). وكان تقرير صدر أخيراً عن منظمة (فريدوم هاوس)، التي تتخذ من الولاياتالمتحدة مقراً لها، كشف أن دولة تونس فقط شهدت تحسناً في مستويات الحكم الرشيد بشكل عام، بينما تراجعت البحرين، ولم تظهر مصر سوى تحسن طفيف. وتستند هذه الخلاصة إلى خمسة معايير، هي: المساءلة، وصوت الجمهور، والحريات المدنية، وسيادة القانون، ومكافحة الفساد والشفافية. وفي المناقشة العامة للأمم المتحدة، حث رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، المنظمة الأممية على عدم التغاضي عن مثل هذه النكسات، داعين إلى مزيد من الدعم للشعوب التي تسعى الى بناء حكم ديمقراطي. وقال فان رومبوي للجمعية العامة إن تحقيق تغيير دائم يستغرق وقتاً طويلاً. وخلال حلقة نقاش بعنوان (الربيع العربي والثورات وتأثير الدومينو)، نظمت في مكتب بروكسل لممثلية الدولة الألمانية في الاتحاد الأوروبي، سلط العديد من الخبراء الضوء على آخر التطورات في المنطقة، ومناقشة دور محدد للاتحاد الأوروبي في تعزيز الديمقراطية في المنطقة العربية. وأطلق البروفيسور تود لاندمان، مدير معهد للديمقراطية وحل النزاعات في جامعة إسكس، نداءً من أجل توفير الدعم المستمر الخارجي للديمقراطية، حتى لو لم تقتنع الجهات المانحة نفسها بنتائج الانتخابات. أما الكسندر غراف لامبسدورف، عضو البرلمان الأوروبي ورئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات في ليبيا، فقد أبدى أسفه على الكثير من العوائق البيروقراطية الموجودة في الاتحاد الأوروبي بشأن عملية تخصيص المساعدات. ورددت نبيلة حمزة هذه المشاعر، وأضافت أن (الاتحاد الأوروبي يتوقع منا توظيف الخبراء كي يقوموا بحل ألغاز وثائق المعونات الرسمية، بينما نحن نخوض ثورة.) وتعرب نبيلة حمزة، من خلال (مؤسسة المستقبل) التي تشرف على إنفاق أكثر من 10 ملايين دولار من الدعم على أكثر من 166 مشروعاً يقودها المجتمع المدني، وتنتشر في 15 بلدا في المنطقة العربية، عن تفاؤلها بالتغيرات التي تجتاح العالم العربي. وترى حمزة أن الربيع العربي خلق مساحة لأن ينمو المجتمع المدني بوتيرة هائلة، فمصر وليبيا واليمن تشهد كلها عمليات إنشاء منظمات جديدة ينخرط فيها الرجال والنساء على حد سواء في القضايا المدنية. وقالت: (نحن نحارب من أجل حقوق الإنسان ومكافة الفساد وحرية وسائل الإعلام منذ أوئل خمسينيات القرن الماضي، ولكن الآن يمكننا أن نفعل ذلك دون أن نحاكم. وقد تم وضع قوانين جديدة حول حرية تكوين الجمعيات في تونس وتجري صياغتها في ليبيا ومصر، فالبيئة القانونية آخذة في التغيير). وقد أفرز الربيع العربي ظاهرة جديدة حسبما تؤكد حمزة قائلة: (نحن نرى الناشطين الشباب يعودون من الشتات إلى تونس، فأولئك الذين كانوا في المنفى يعودون الآن للمساعدة على إعادة بناء وإصلاح البلاد... هذا التجمع الثقافي بين السكان المحليين والتونسيين من الشتات يخلق دينامية رائعة، لاسيما فيما يتعلق بالمشاركة المدنية). وفي رأيها أنه لا ينبغي أن يعتبر انتخاب الحكومات الإسلامية انتكاسة للثورة (فالأهالي ينظرون إلى الإسلاميين على أنهم ضحايا وشهداء القمع، وهذا ما أعطاهم شرعية كقوة مضادة. هذا هو السبب في أنه تم انتخابهم بسهولة، لكن في تونس ومصر، فشلت محاولات الحركة الإسلامية في إدراج الشريعة الإسلامية في الدستور الجديد. بعد أسابيع من المناقشات، وتحت ضغط هائل من المجتمع المدني، صاغ الحزب الإسلامي في تونس دستوراً فيه الرجال والنساء على قدم المساواة). وشددت على أننا نشهد تغييراً داخل الإسلام السياسي. والآن على الإسلاميين وهم يديرون الدول أن يصبحوا أكثر واقعية، هناك ضغوط من داخل البلد، ولابد أن يجدوا حلولاً لقضايا مثل البطالة وتوزيع الثروة. ثم هناك ضغوط خارجية، والآن هم جزء من العالم الذي يحتاجون فيه إلى دعم من الدول الغربية من أجل البقاء وأن يقولوا لأتباعهم إن الإيمان وحده ليس هو الحل لكل احتياجاتهم. وحثت الاتحاد الأوروبي على زيادة دعمه للتحول الديمقراطي في المنطقة العربية بقولها: (لقد قدمت تعهدات عديدة وتم إنشاء العديد من البرامج لدعمنا)، في إشارة الى الدعم الأوروبي لبرنامج الشراكة، والإصلاح والنمو الشامل، والتي وعدت المفوضية الأوروبية بموجبه تقديم الدعم للتحول الديمقراطي، وبناء المؤسسات والنمو الاقتصادي في أعقاب الربيع العربي. وتختتم تصريحاتها قائلة (في النهاية، من مصلحة أوروبا الخاصة أن ينجح الربيع العربي... والأهم من ذلك، يتعين على الاتحاد الأوروبي إعادة تعريف أسس المساعدات) مشيرة إلى أن عملية الانتقال تحدث فعلاً، وينبغي على المجتمع الدولي أن يدعم هذه العملية، لا أن يدعم مشروع المدى القصير. (نحن بحاجة إلى الصبر الاستراتيجي من أجل إلقاء نظرة على الإنجاز الحقيقي للثورة). الجهات المانحة تريد نتائج فورية، لكن أي ثورة تحتاج إلى وقت.