عمل الإسلام على وضع الأسس النظرية لتحقيق الأمن، فحث على الانتفاع بما خلق الله لعباده من الطيبات بغية التعرف على نعم الله وعطاياه، والتي من أظهرها أنواع الطعام المختلفة، قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، وقال أيضاً: (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ)، كما جاءت الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بتخصيص ذكر الأطعمة كاللحوم والتمر والعسل واللبن وتبيان أهميتها، وأنواع شتى من الحبوب والفواكه والخضراوات للفت الأنظار إلى فائدتها الصحية والغذائية، والإقبال على إنتاجها. كما حذَّر من حرمان النفس من التمتع بطيبات ما أحل لهم من الرزق، فقال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، وفي الربط بين التقوى وعدم التعدي والأكل من رزق الله دليل واضح على ضرورة التقيد بمنهج الله في أوامره واجتناب نواهيه، فيما يتعلق بالحصول على الغذاء وتناوله، والتأكيد على تحري الحلال وتجنب الحرام، لما لذلك من تأثير كبير على حياة الإنسان وسلوكه ومعاشه. الزكاة الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة التي لا تقوم إلا بها وعليها، وإذا كان لكل ركن خاصية يتميزها، فإن خاصية الزكاة تتجلى في بُعدها الاقتصادي والاجتماعي، فهي تندرج في إطار العلاقة الأفقية التي تجمع بين العباد في مختلف شؤونهم الحياتية والمادية، ولا تنحصر فقط كباقي العبادات الأخرى ضمن العلاقة القوية التي تعنى بشؤون العباد اتجاه خالقهم. وللزكاة دورُها المهم في النواحي الاقتصادية والاجتماعية وفي حفظ الأمن الغذائي، فهي تمثل أهم الأدوات المالية لمعالجة مشكلة الفقر والاحتياج، وتأمين الغذاء للفقراء والمساكين. اقتصاد السوق إذا كانت تشريعات الإسلام تتدخل في تنظيم عملية الحرث والغرس والزراعة، فإن نتاج ذلك سيعرض في الأسواق، وتتحكم فيه ظروف العرض والطلب وظروف جلب المنتجات الغذائية إلى الأسواق الداخلية، وقد ظهرت نظريات اقتصادية تنادي بالحرية الاقتصادية، وأن التاجر حر في أن يمنع السلعة، بل هو المتحكم في ثمن السلعة، فهذه النظرية وإن احترمها الإسلام إلا أن تعاليمه خاطبت في المسلم ضميره وإيمانه، ودعت الدولة إلى التدخل لحماية الأسواق من التلاعب بغذاء الناس، فتدخل الدولة ضروري في المجتمع لوضع تشريعات تنظم النشاط الاقتصادي لتحقيق الاستقرار والتوازن، فكان من حقها بل من واجبها أن تسأل الفرد عن وجه نشاطه وتوجيه النشاط الفردي بما يتفق ومصلحة المجتمع، فضلا عن المصلحة الفردية. التسعير عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال: قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلَا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ. إلا أن عدداً من التابعين كسعيد بن المسيب وربيعة بن عبد الرحمان ويحيى بن سعيد الأنصاري أفتوا بجواز التسعير، كما نقله أبو الوليد الباجي عنهم في شرح الموطأ، فالذي استند إليه هؤلاء هو المصلحة ودفع الضرر عن الناس وبذلك علل أبو الوليد الباجي هذا الجواز بقوله: يَجِبُ النَّظَرِ فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَالْمَنْعُ مِنْ إغْلَاءِ السِّعْرِ عَلَيْهِمْ وَالْإِفْسَادِ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ يُجْبَرُ النَّاسُ عَلَى الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْبَيْعِ بِغَيْرِ السِّعْرِ الَّذِي يَحُدُّهُ الْإِمَامُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ لِلْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ، وَلَا يَمْنَعُ الْبَائِعَ رِبْحًا، وَلَا يَسُوغُ لَهُ مِنْهُ مَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ. القدرة الشرائية الدفاع عن المستهلك وحمايته من المضاربات المخلة باستقرار السوق مقصد معتبر في الدين، لذلك سن الإسلام جملة من التشريعات تحمي السوق من التدخل المفتعل في الأسعار وتدفع عن المستهلك خطر الغلاء المعيشي وتحقق له توازنه المالي، فنهى الإسلام عن تلقي الركبان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ. أي تَلَقِّي مَنْ يَجْلِبُ السِّلَعَ فَيَبْتَاعُ مِنْهُمْ قَبْلَ وُرُودِ أَسْوَاقِهَا، وَمَوَاضِعِ بَيْعِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ التَّلَقِّي فِيمَا بَعُدَ عَنْ مَوْضِعِ الْبَيْعِ أَوْ قَرُبَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا فِيهِ مُضِرَّةٌ عَامَّةٌ عَلَى النَّاسِ لِأَنَّ مَنْ تَلَقَّاهَا أَوْ اشْتَرَاهَا غَلاهَا عَلَى النَّاسِ وَانْفَرَدَ بِبَيْعِهَا، فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِيَصِلَ بَائِعُوهَا بِهَا إِلَى الْبَلَدِ فَيَبِيعُونَهَا فِي أَسْوَاقِهَا فَيَصِلُ كُلُّ أَحَدٍ إِلَى شِرَائِهَا وَالنَّيْلِ مِنْ رُخْصِهَا. ونهي عن النجش، قَالَ مَالِك: وَالنَّجْشُ أَنْ تُعْطِيَهُ بِسِلْعَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا وَلَيْسَ فِي نَفْسِكَ اشْتِرَاؤُهَا فَيَقْتَدِي بِكَ غَيْرُكَ، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّجْشِ، وسبب النهي واضح حماية الأفراد من التلاعب بالأسعار وغلاء المعيشة. جودة الغذاء دعت أحكام الشريعة إلى ضرورة الحفاظ على سلامة الغذاء وجودته ومنع غشه والتغرير به، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر ذات يوم على عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: (مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟) قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: (أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي). منع الاحتكار جاءت التعاليم الدينية تدل صراحة على حرمة الاحتكار، والمسلم لا يجوز له أن يكون من المحتكرين المستغلين، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن (مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ، ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ) وعَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: (إِنَّ الْمُحْتَكِرَ مَلْعُونٌ، وَالجَالِبَ مَرْزُوقٌ). والاحتكار هو حبس السلع عن البيع، فبائع الطعام يدخر الطعام ونحوه ينتظر به غلاء الأسعار، وذلك للمصلحة الفردية والأنانية المفرطة، والاحتكار من شأنه التضييق على الناس في حاجاتهم الضرورية، ولهذا فإن تحريم الاحتكار يؤدي إلى سيولة في الموارد داخلة الأسواق، مما يؤدي إلى كثرة العرض وقلة الطلب، فتنخفض أسعار المواد الغذائية، مما يساعد جميع فئات المجتمع على الشراء، ويسهم في تحقيق الأمن الغذائي. البُعد التضامني من مقاصد الإسلام تعويد المسلم على الاقتصاد في الاستهلاك بترك الإسراف والتبذير وسلوك مسلك الاعتدال والتوسط في الإنفاق، وعدم تتبع شهوات البطن إلى حد التخمة، رويت أحاديث كثيرة عن النبي عليه السلام تحث على الاعتدال في الاستهلاك منها قوله صلى الله عليه وسلم: (مَا مَلأَ آدَمِىٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) فلا يجوز لمسلم أن يستأثر نفسه على غيره عند الحاجة، بل يقتضي إيمانه بالله تعالى أن لا يترك غيره جائعاً وهو شبعان، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ بِالْمُؤْمِنِ الَّذِي يَبِيتُ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ). * عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال: قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلَا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ. إلا أن عدداً من التابعين كسعيد بن المسيب وربيعة بن عبد الرحمان ويحيى بن سعيد الأنصاري أفتوا بجواز التسعير، كما نقله أبو الوليد الباجي عنهم في شرح الموطأ، فالذي استند إليه هؤلاء هو المصلحة ودفع الضرر عن الناس.