لقد فرض الله سبحانه،صيام شهر رمضان عباده لتهذيب النفوس واكتمال صفات الإنسانية،فالامتناع عن المفطرات من الطعام والمشرب وغيرهما،يمرن النفس على خلاف هواه، ومن المعروف أن كل إنسان يعبر عن دينه من خلال معاملاته وحسن خلقه مع الناس، فكلما كان المسلم جيد المعاملة حسن الخلق،عطوفا رحيما،علت مرتبة إيمانه فالرسول صلى الله عليه وسلم أتى مكملا لمكارم الأخلاق، لما لها من أثر في العلاقات الاجتماعية .وقد كان رسول الله نموذجًا رائعًا للرحمة، قال الله تعالى: ''وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ'' [الأنبياء: 107]، وقال تعالى:''فَبِمَا رَحمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ'' [آل عمران: 159]. وقد لازمته الرحمة حتى في أعصب الساعات؛ وذلك لأن القلوب الكبيرة قلَّما تستجيشها دوافع القسوة، فهي إلى الرحمة أدنى . إن الرحمة كمال في الطبيعة تجعل المرء يرقّ لآلام الخَلْقِ، ويسعى لإزالتها، وهي في أفقها العالمي وامتدادها المطلق صفة للمولى تباركت وتعالى، فهو ''الرحمن الرحيم''وهي سمة بارزة في شريعة الإسلام، وخلق رفيع من محاسن الدين، ومقصد من مقاصد بعثة سيد المرسلين إلى العالمين وبالرحمة تتجلى معادن الناس، فما يرى في الأرض من تود، وتعاطف، وبر إنما هو أثر من رحمة الله التي أودع جزءًا منها في قلوب الخلائق، فأرق الناس أفئدةً أوفرهم نصيبًا من هذه الرحمة، وأقدرهم على التعامل الحسن .ومن النادر أن تجد مسلما يسقط عن شهر رمضان المعظم صفات الرحمة والتكافل والتآخي،لكن الواقع السلوكي يفتقد سلامة الاعتقاد لدى الكثيرين . فالتجارة وأخلاقيات التعامل التجاري، بين مختلف الأديان والشرائع ومع مختلف الملل والمذاهب مثلا تمثل جزءاً كبيراً من العلاقات الاجتماعية،أخلاقيات ، يلتزم بها التاجر المسلم كالعلم بأخلاق التجارة، ومحاسبة النفس، ومراقبة الله تعالى واصطحاب النية الصالحة أثناء التعامل التجاري والالتزام بأخلاق التعامل المالي وإنفاق المال بكيفية سليمة، و الصدق أولى تلك الأخلاقيات وأساسها .وبالنظر إلى الأخلاق الإنسانية في الغرب والأخلاق الإسلامية، تتبين أن التعامل التجاري مبني على منهج ذي طابع واقعي وإنساني عالمي يجسد توازن بين مصلحة الفرد والمجتمع وبذلك يمكن القول أن الإسلام يعتبر أن المال وسيلة وليس غاية وملكيته والإنسان مستخلف فيها لا يحق له الاستئثار بمنافعه، قال الكاتب الفرنسي ''جاك اوستروي'' في كتابه الإسلام والتنمية الاقتصادية : { الإسلام نظام الحياة التطبيقية والأخلاق المثالية الرفيعة معاً...} .عن عقبةَ بنِ عامرٍ قال، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''يا عقبةُ بنَ عامرٍ! صِل مَن قَطَعَك، وأَعطِ مَن حَرَمَك، واعف عمن ظَلَمَك وقد أورد الإمام ابنُ كثيرٍ هذا الحديثَ في سياق تفسِيرهِ لقولِ اللهِ -تعالى:'' خذِ العفوَ وأمر بِالْمعروفِ وأعرض عَنِ الْجَاهِلِينَ '' -الأعراف:199- إن التقابل في المعنى والمبنى بين .لكن أين تجارنا من مكارم الأخلاق وأين هم من أخلاقيات مهامهم...؟ فالداخل إلى السوق في رمضان أو عشية العيد يلاحظ أن المواطن، والأجنبي، المقيم، والسائح، يعانون جميعا من جشع التجار المستغلين لحاجة الناس، الفاقدين مشاعر الإنسانية والرحمة، الطامعين بالثراء الفاحش عن طريق تحين الفرص واستغلال المناسبات والنكبات في عمليات تشبه النجش الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم- أو هي من ذلك النجش، من التغرير بالبعض و بيانات كاذبة، لرفع الأسعار والاحتكار والغش في الميزان وخلط الجيد بالرديء، لان بعضهم فقد الضمير الإنساني والآخر في صورة المرائي.وأكل أموال الناس بالباطل ويلحقون الأذى بالفرد والمجتمع ونظامه. وهم يعلمون أن الله عز وجل ذم الغش وأهله في القرآن ووعدهم بالويل، فال تعالى: ''وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ''. المطففين: (1-3). إننا في حاجة ماسة إلى عرض هذا الوعيد على قلوب هؤلاء لتحيا به وتلين، فتراقب الله عز وجل في أعمالها، قبل أن يراقبها البشر.