انعكست بركة الشهر الفضيل ورحمته على الكل بما فيهم الباعة الفوضويون أو الموسميون الذين وجدوا في رمضان الفرصة السانحة التي أخرجتهم ولو قليلا من قوقعة البطالة بعد امتهانهم بعض المهن الموسمية، ذلك ما جسده انتشار تلك الطاولات العارضة لمختلف المستلزمات ذات الاستهلاك الواسع في رمضان كالديول، الحشائش بشتى أنواعها، المطلوع، الفلان... فكانت فرصتهم للخروج من البطالة بعد أن توزعوا على مستوى الأسواق الشعبية المنتشرة عبر العاصمة ويرى الكثير منهم أن استغلال الشهر في العمل والاسترزاق خير من تمضيته في النوم والعراكات، ومع بلوغ العشر الأواخر يتخوف الكثيرون من مغادرته كون أن ذلك سيرجعهم إلى سابق عهدهم بتذوق تلك البطالة الخانقة. اقتربنا من بعض هؤلاء الباعة الذين اختلفت أعمارهم وتعددت شرائحهم فمنهم أطفال ومراهقون وشبان وحتى شيوخ اختاروا كلهم ممارسة تلك التجارة المتجزئة عبر الأسواق ومن ثمة توفير بعض الأغراض للزبائن والاسترزاق منها فرمضان يعود عليهم بالبركة والخير الوفير، ومغادرته تسكن الرعب والخوف قي قلوبهم كونهم سيعودون إلى سابق عهدهم. قال الشاب مصطفى وجدت في رمضان الفرصة التي أبعدتني عن البطالة والفراغ الخانقين بعد أن اهتديت إلى نصب تلك الطاولة التي عرضت فيها الديول وكذا البيض والحشائش، وقال انه اكتسب زبائن كثيرين منذ بداية الشهر بالنظر إلى حسن الخدمات التي يقدمها، وقال انه ألفهم وألفوه ويفكر مليا في الاستمرار في تلك الحرفة، إلا أن ما يؤرقه هو مطاردات الشرطة التي تكون بين الفينة والأخرى، ويتساءل مستنكرا: إلى أين نذهب؟ هل نسرق أو نموت جوعا؟! وقال انه على الرغم من ذلك قاوم كل الظروف وكانت تلك الطاولة مصدر استرزاقه وأطفاله طيلة الشهر الفضيل. الشيخ محمد هو الآخر اختار ممارسة التجارة في رمضان بعد أن عرض الفلان والمطلوع واكتسب هو الآخر زبائن في لمح البصر، فالكمية تنفذ بمجرد عرضها بالنظر إلى النكهة الطيبة للخبز الذي يعرضه وقال انه ينتهز فرصة الشهر المعظم من كل سنة من اجل الاسترزاق بممارسة تلك التجارة ليعيل أسرته لاسيما وانه متقاعد وأجرته محدودة، ولولا تلك التجارة لما استطاع تحقيق الاكتفاء وضبط الميزانية الكبيرة التي يتطلبها شهر رمضان المعظم فهو من جهة يوفر لزبائنه الدائمين تلك المواد واسعة الاستهلاك في رمضان على غرار المطلوع ومن جهة أخرى يسترزق بمداخيل ذلك البيع، وقال انه مع العد التنازلي لرمضان سوف يتوقف حتما عن مزاولة تلك التجارة فهو يلتزم بها فقط في رمضان من كل سنة. وما يحز في نفسه كثير هو مفارقة الزبائن الذين ألفهم وألفوه على مستوى السوق. فرمضان كانت بركته ورحمته واسعتين على الكل لاسيما الباعة الفوضويين أو بالأحرى الموسميين الذين يظل شهر رمضان المعظم فألا حسنا عليهم بفعل ما يذرونه من أرباح خلال كامل أيامه.