التجارة ''المناسباتية''.. ظاهرة تعود مجددا إلى أسواقنا ومحلاتنا مع كل موعد رمضاني، حيث يفوح عبق هذه المناسبة من خلال مشاهد الحلويات التقليدية والعجائن المتنوعة التي تشكل صفقة رابحة للتجار في الأسواق المنظمة وغير المنظمة على حد سواء، لاسيما بالنسبة لبعض المتقاعدين والشباب البطالين. في الوقت الذي تصنع هذه المهن الرمضانية التي تلبي الحاجيات الاستهلاكية لكثير من الأسر الجزائرية، نوعاً من المتعة والأجواء الاحتفالية خلال شهر الصيام. الملفت للانتباه في هذا الشهر الفضيل هو أن العديد من الباعة الفوضويين وحتى التجار الشرعيين غيروا نشاطهم التجاري وفق ما تتطلبه التقاليد الموروثة.. وتتميزُ أغلبُ هذه المهن بطابعها البسيط والمؤقت وتكلفتها القليلة، في حين أنها تدر ربحاً يعتبر جيداً نسبياً، مما يدفع بالعديد من الشباب البطالين والمتقاعدين وحتى بعض الأطفال الذين تزامنت عطلتهم الصيفية مع رمضان في العاصمة، إلى التفرغ لممارسة هذه المهن الموسمية التي تنعش التجارة في رمضان نظرا لكثرة الإقبال. العجائن تجارة لا تبور في رمضان عند مدخل سوق ''كلوزال'' بالعاصمة يقف أحد الشباب البطالين، حوّل نشاطه من بائع متجول لسلع متنوعة إلى بائع ''الشربات'' (عصير ليمون) وهو معتاد على هذه النقلة كل سنة، وحسب قوله فإن هذا المشروب الشعبي التقليدي يلقى إقبالا كبيرا من طرف المستهلكين، خاصة في العاصمة حيث يقل عدد باعة هذا المشروب، ما يشكل فرصة سانحة للربح. ليس بعيدا عن هذا الشاب نصبت إحدى الفتيات طاولة لبيع ''المطلوع'' أو خبز الدار ب 30 دج للخبزة الواحدة، وفي هذا الشأن قالت ''أمارس هذا النشاط في شهر رمضان لأنه يلقى إقبالا معتبرا من طرف المارة، زبائني ينتمون إلى شرائح اجتماعية مختلفة، وتشكل النساء العاملات نسبة معتبرة منهم، وهذه فرصة مواتية لأساعد عائلتي من خلال جني بعض المصروف''. وللباعة الفوضويين في سوق ساحة الشهداء نصيبهم من التغيير، إذ غزت العجائن ذات النكهة التقليدية المكان ''الديول''(رقائق العجينة)، ''القطايف''، ''الرشتة''، ''البغرير'' و''لبراج'' تجذب المارة في كافة أنحاء هذا السوق الشعبي فبيع العجائن المختلفة تعد من أهم هذه المهن وأكثرها انتشاراً في العاصمة، والتي يكثر عليها الطلب العائلي خلال شهر رمضان خاصةً وأن ''البوراك'' و''المطلوع'' من الأكلات التي لا تفارق مائدة الإفطار الرمضانية الجزائرية، مما جعل بيعها تجارةً لا تبور في هذا الشهر. وينتصب أغلبُ باعتها الموسميين في الشوارع الفرعية والأزقة، أو بجوار أسواق الخضار والأسماك حيث يضعون فوق طاولاتهم الخشبية كميات معتبرة، ويحاولون جذب الزبائن بعباراتهم الرنانة، فكل واحد منهم يحاول أن يقنع المارة بأن سلعته هي الأجود، ومما سهل انتشار هذه التجارة بصفة جد ملحوظة هو أن إنجازها في البيت سهل نسبياً بالنسبة للنسوة اللواتي اعتدن على العجن، لكنه يتطلب بعض الوقت. ويعترف شاب مراهق وجدناه بصدد نصب معروضاته المتمثلة في ''الديول'' بأن مهنته الرمضانية هذه توفر له دخلاً لا بأس به، لأن سلعته جد مطلوبة، لكنه ما يلبث أن يعود إلى الفراغ في سائر الأيام الأخرى. وأمثال هذا الشاب كثيرون يجدون في شهر رمضان مناسبة لممارسة مهنة مؤقتة أو لمضاعفة أرباحهم التي تكون بسيطة في سائر الأيام الأخرى، ويقول أحد هؤلاء الشباب ''العجائن المختلفة التي أبيعها تلقى إقبالا أكبر في رمضان، لاسيما من طرف النسوة العاملات''.. نفس الانطباع جاء على لسان بائع آخر أشار إلى أنه قصد السوق لمساعدة صديقه المتقاعد الذي يزاول مهنة بيع بعض أصناف العجائن التقليدية على مدار السنة، والذي يكثر عليه الإقبال في هذا الموسم. وإضافة إلى بعض المتقاعدين والشباب البطال، فإن أصحاب المطاعم خاصة محلات الأكل الخفيف حوّلوا نشاطهم التجاري خلال رمضان، فتخصصوا في بيع الحلويات مثل ''الزلابية'' و''قلب اللوز'' وكذا في إنتاج أنواع متعددة من الخبز تكاد تكون خاصة فقط بشهر الصيام، مثل خبز الريف، الشعير والخبز بالزيتون أو بالجبن وغيرها من الأنواع التي تباع بأسعار مرتفعة مقارنة بالخبز العادي، إلا أنها تلقى إقبالاً كبيراً من قبل الصائمين الذين تغريهم أشكاله المبتكرة وروائحه الذكية. الحلويات التقليدية تلقى الإقبال ولعل أكثر ما يميز هذا الشهر الكريم من ناحية أخرى هو محلات الحلويات التقليدية التي تستقطب المستهلك العاصمي بألوانها وأشكالها وأذواقها المتنوعة، وتقر بائعة بإحدى محلات الحلويات بسوق ساحة الشهداء أن فئات اجتماعية عدة تقبل على شراء الحلويات التقليدية، والتي تتصدرها ''البقلاوة'' و''الدزيريات''، ولكن هذا لا ينفي أن الحلويات الشرقية مطلوبة من طرف الكثيرين ممن يستمتعون بذوقها في السهرة، فالكل تغريهم روائحها الزكية، لاسيما بعض العجائز، وفي المقابل فضل بعض الشباب مهنة بيع التوابل والمايونيز والفواكه المجففة، تماشياً مع روح الشهر الكريم، وتلبية للحاجات الاستهلاكية الرمضانية الخاصة للأسر الجزائرية. وككل رمضان يخرج بعض البطالين من دائرة الفراغ وتتمكن بعض العائلات من جني دخل يساعدها في توفير كسوة العيد ومستلزمات الدخول المدرسي، فيما ترتفع عائدات بعض الباعة المتجولين. لكن ظاهرة البيع الموسمي الذي طال بعض الصغار أيضا، ممن يبيعون بدورهم بعض المواد الاستهلاكية التي يكثر عليها الطلب في رمضان على غرار الحمص، خمائر الحلويات والفلفل الحار، مؤشر على غلاء المعيشة في المجتمع الجزائري وعدم قدرة الأسر على مجابهة مصاريف هذا الشهر الذي يعقبه الدخول المدرسي. وعلى صعيد آخر يمكن القول إن بعض مهن رمضان تحضر فيها لمسات الماضي، كونها تعكس صور الطبخ الأصيل.