عادة ما ينتهز المواطنون قدوم شهر رمضان لكي يتخذون منه فرصة لتغيير طبائعهم، واستبدال تلك السيئة بأخرى حسنة، قد يكون ذلك التغيير نهائيا او قد يكون مؤقتا لا يدوم إلاّ الثلاثين سوما من الشهر. هو ما تفعله بعض الفتيات اللائي وما إن يحل رمضان حتى يلتزمن او يقبلن على العبادات والطاعات بكل شغف، ومن ذلك ارتداء الحجاب الشرعي الذي يساعدهن دون شك في الالتزام، و في الحفاظ على العبادات المختلفة، ومنها صلاة التراويح، حيث تجدهن يذهبن إلى المساجد لتأديتها وبعد صلاة العشاء، كما تجدهن لا يخرجن من بيوتهن إلاّ نادرا، إن لعمل او لدراسة او لتسوق، وأحيانا تنقلب الفتاة من النقيض إلى النقيض، ففيما تجدها فتاة مستهترة وطائشة، بل أحيانا منحلة في باقي أشهر السنة، فإنها في رمضان تتحول إلى شخص آخر، وتصبح فتاة متدينة ملتزمة، فتنزع ملابسها الفاضحة المستهترة وزينتها وتمكيُجها وتستبدل كل ذلك بلباس شرعي، وتصرفات موافقة للدين، وهو ما وقفنا عليه بعد لقائنا لبعض العينات التي احتار فيهن أهلهن وأقاربهن ومن يعرفهن، وانقسموا عادة في أمرهن إلى قسمين، فهناك من يرى أن الأمر مستحسن، وان الفتاة لا بد أن تشجع على الالتزام في رمضان، وان يدفع بها إلى أن تفعل كامل أيام السنة، وهناك آخرون يلقون اتهامات في حق هؤلاء الفتيات، بالقول أنهن يفعلن ذلك عن نفاق، وأنهن لا بد يخترن أما الالتزام الدائم أو الاستهتار وليس هناك شيء اسمه "التوبة المؤقتة في رمضان". سمية واحدة من تلك الفتيات، ارتدت الحجاب مع بداية رمضان، لكنها فعلت ذلك وهي تعلم أنها ستنتزعه مع نهاية الشهر، فهي في شهر رمضان كل سنة تفعل ذلك، تقول لنا: "ارتديت الحجاب في أول يوم من رمضان، وكل معارفي اعتقد انه قرار نهائي اتخذته، لكنني وللأسف لا املك الشجاعة بعد لأفعل، وإنما ارتديته لشعوري بضرورة الاقتراب من الله أكثر خلال شهر رمضان، وهو لباس سيساعدني حتما على الالتزام على الأقل في ثلاثين يوما، فانا لا أريد لرمضاني أن يمر علي كباقي أشهر السنة، بل لا بد أن أميزه واستقبله بهذا اللباس المحترم، ربما أن الله سيهديني وافعل ذلك طيلة أشهر السنة". وهو ما فعلته سلوى التي، ومع أنها لا تخرج كثيرا خلال شهر رمضان، إلاّ أنها مع ذلك أبت إلاّ أن ترتدي الحجاب، تقول:"في الصيف عادة ما البس السراويل الضيقة الأقمصة الشفافة وليس لدي من الألبسة غير أن لهذا فنا لا أريد أن افسد صيامي بالخروج بمثلها، وعرض جسدي على الناس جميعا خلال شهر رمضان فقررت أن البس الحجاب الشرعي، على الأقل في هذه الثلاثين يوما، لكنني سأعود إلى "اللوك" الذي اعتدت عليه بعد رمضان، او قد لا أعود، من يعلم قد أجد راحتي في ارتداء الحجاب". لكن رأي أولياء الأمر في هذا الشأن يختلف، حيث يقول لنا سمير، 28 سنة، عن أخته التي أرادت أن ترتدي الحجاب خلال شهر رمضان لكنه منعها بشدة، يقول:"أنني أحاول إقناعها كل يوم بضرورة ارتداء الحجاب، ولكن لا يكون ذلك لمدة ثلاثين يوما فقطن فهذه إهانة لهذا اللباس المقدس، بل لابد للمرأة التي تنوي أن تضعه أن يكون قرارُها نهائياً، فالأمر بمنتهى الجدية، وليس شيئا نفعله ثم نرجع عنه". غير أن الصالح، 59 سنة، والدٌ لبنتين، بدا أكثر تفاؤلا وهو يسمح لابنته صاحبة السابعة عشرة سنة بارتداء الحجاب وقد أخبرته أنها لن تفعل كذلك إلاّ في رمضان، ومع ذلك وافق وكان له رأي آخر، إذ يقول:"فعلا انه من المؤسف أن لا ترتدي ابنتي الحجاب طيلة أشهر السنة، وأنا الذي حاولت إقناعها مرات عدة، لكن ارتداءه خلال شهر رمضان قد يشجعها على أن تفعل ذلك، لذلك سمحت لها أن تختار ما تريده لنفسها، فهي في الأخير صاحبة القرار". قد يكون ارتداء الحجاب "المؤقت" فرصة لبعض الفتيات لكي يتبن، ويقررن العودة إلى ربهن، ويرتدين اللباس الشرعي بشكل دائم، لكن تبقى دائما التوبة النصوح في رمضان وفي غير رمضان، والقرار النهائي بالائتمار بأمر الله والانتهاء بما نهى عنه، تبقى خير رحل لتصفية الروح والجسد.