كشفت مشاكل هيئة الإذاعة البريطانية عن الضعف في إدارة الإذاعة وأثارت ضجة حول رسوم الترخيص.. في الماضي، اتخذ مارك تومسون قرارًا جديرًا بالملاحظة في تنحيه عن منصب المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في سبتمبر، بعد ثماني سنوات على توليه هذا المنصب. واضطر سلفه إلى القيام بالخطوة نفسها في أعقاب خلاف في شأن التقرير الذي أفاد بأن الحكومة قد بالغت في مسألة الحرب في العراق. أما خلفه جورج أنتويستل فلم يستمر في منصبه أكثر من ثمانية أسابيع قبل أن يخسر وظيفته في 10 نوفمبر. جاء ذلك نتيجة تقرير في (برنامج نيوزنايت)، وهو عرض للمسائل الراهنة يظهر المقدم الراحل جيمي سافيل على أنه مرتكب حلقات اعتداء جنسي. ثم جاء تقرير أسوأ آخر، أشار بأصابع الاتهام إلى اللورد ماك ألبين، الذي سارع إلى رفع دعاوى للدفاع عن نفسه. تلت هذه الأحداث عمليات البحث وتبادل الاتهامات وسلسلة من التحقيقات في الأخطاء. وتنحى مديرون تنفيذيون آخرون عن مناصبهم، ما أعطى انطباعًا بسير سفينة ضخمة من دون دفة. وخلص تقرير عرض في قصة (نيوزنايت) الثانية أن تحقيقات التحرير الأساسية لم تستكمل. وأشار التقرير أيضًا إلى ضعف في سلسلة قيادة التحرير. فتم إعفاء كبار المسؤولين التنفيذيين، بمن فيهم رئيسة الأخبار في (بي بي سي")هيلين بودين ونائبها ستيف ميتشل من وظائفهم والتحقيق في بث قصة سافيل الأولى (الصحيحة) على الهواء. سباق محفوف بالمخاطر تواجه (بي بي سي) حاليًا مشاكل من الناحيتين العملية والعميقة. في الواقع، يجب أن يبدأ مجددًا السباق على منصب المدير العام المرموق والمحفوف بالمخاطر بشكل واضح. وعلى نطاق أوسع، مصداقية إحدى المؤسسات الوطنية الأكثر أهمية في بريطانيا هي على المحك. فتمثل (بي بي سي) نموذجًا يحتذى به لكثير من خدمات البث التي نشأت بعد الحرب وهي واحدة من صادرات البلاد المعروفة. في بعض الأحيان يسيء الصحافيون التصرف في كل مكان، ويحاولون إلقاء اللوم بسخرية على الآخرين. لكن فشل (بي بي سي) أمر مقلق بشكل خاص لأن الشركة تعتمد على التمويل العام لدعم القائمة الواسعة من القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية والمواقع الإلكترونية. تأييد الرأي العام للإذاعة مرتفع إلى حد ما، وليس أقله بفضل نقلها الكفؤ للألعاب الأولمبية. لكن استطلاعات الرأي التي أجرتها YouGov تظهر نسبة الأشخاص الذين أعلنوا أنهم يثقون بالصحافيين في أخبار (بي بي سي) قد انخفضت إلى 44 في المئة فقط من 81 في المئة قبل عشر سنوات. لطالما شهدنا مشاكل في إدارة (بي بي سي)، التي نشأت على أساس بنية مشتقة من الخدمة المدنية، مع درجات أجور ثابتة وتسلسلات هرمية متشددة. ووصفها جورج أورويل الذي عمل في المؤسسة خلال الحرب العالمية الثانية في رسالة بأنها (شيء في منتصف الطريق بين مدرسة للبنات ومستشفى للأمراض العقلية). فيمكن للإدارات الكبيرة مثل قسم الأخبار أن ترى شخصيات بارزة تغادر وشخصيات جديدة تظهر على الفور لاتخاذ أماكنهم. مع هذا العدد الكبير من المديرين، لم المخاطرة خارج المؤسسة؟ تعزز هذه العزلة مزاج الجماعة، لكنها أيضًا تعزز المعتقدات التقليدية التي لا جدال فيها بين كبار الموظفين في مجال التحرير وهي ظاهرة يهزأ بها مدير سابق في هيئة الإذاعة البريطانية. في الواقع، عززت معايير (الامتثال) في مجال التحرير الميل إلى إحالة القرارات إلى الجهات العليا، بدلاً من تحمل المسؤولية بشكل مباشر. إلا أن هذه الضمانات مزعجة في الظروف العادية وأثبتت أنها غير مجدية في ظل الأزمة الحقيقية. نائب المدير العام المسألة التي طرحت نفسها أمام نقص إلمام انتويستل بتقارير (نيوزنايت) هي أن وظيفة المدير العام يمكن ألا يتم حصرها بشخص واحد. ويتجادل بعض السياسيين الآن أنه يجب توزيعها بين الرئيس التنفيذي الذي يتحمل المسؤولية الاستراتيجية العامة ورئيس التحرير الذي يشرف على الأخبار. بدلاً من ذلك، يمكن استعادة دور نائب المدير العام. سيتمكن هذا الشخص من متابعة الأنشطة يوميًا ويحرص على تبليغ الرئيس الجديد بالمسائل التحريرية الجديدة. وينطوي كل من الحلّين على المخاطر، فقد يؤدي الأول إلى إنشاء مركز بديل للقوة في (بي بي سي): خلال أي أزمة أو جدال حول أولويات الإنفاق، قد يجتمع الكل حول الرئيس التنفيذي ورئيس تحرير. أما الخيار الثاني فيضيف طبقة أخرى من الإدارة. ظهرت شكوك أيضًا حول مجلس أمناء هيئة الإذاعة البريطانية، الجهة المعنية بالإدارة والتي من المفترض أن تمثل مصالح دافعي رسوم الترخيص. يبدو أن مزيج الأدوار التي تعتمده بين مشجع (بي بي سي) والمنظم بحكم الواقع غير مرضٍ على نحو متزايد. ديفيد ألستين مدير تنفيذي سابق في هيئة الإذاعة البريطانية تحول إلى معارض، يقول في هذا المجال إن (الحكم الفوضوي) والأخبار الأحادية وقسم المسائل الحالية ساعدت في إنتاج الكوارث الأخيرة. ويعتقد أيضًا أن سيطرة (بي بي سي) على حوالى 60 في المئة من البث الأخباري أمر غير صحي. فهيمنة المؤسسة على أخبار التلفزيون والراديو من المرجح أن تستمر. وشركات الخدمات التجارية مثل (بي سكاي بي) التي تدير (سكاي نيوز)، وITN التي تمد ITV والقناة 4، أقل اهتمامًا في تحدي (بي بي سي) في مجالات مثل جمع الأخبار الأجنبية، العملية المكلفة جدًا والتي لا تجذب المعلنين. وتتوقع الصناعة انخفاضًا في مراكز (بي بي سي) في الأعلى بدلاً من استعدادها لمزيد من المنافسة. في الواقع، عواقب خريف (بي بي سي) طويلة المدى يصعب التنبؤ بها. فالدفعة التالية من ميثاق تجديد المحادثات التي ستحدد رسوم الترخيص، والتي تبلغ حاليًا 231 دولار في السنة، من المرجح أن تنطوي على نظرة مشككة على حساب عمليات (بي بي سي) ومجموعاتها. ويجوز لفحص المزاج السياسي والعام أن يفتح المزيد من النقاش حول شرعية الضريبة التي تفرضها الدولة للمذيع الواحد. في الوقت نفسه، المنافسة آخذة في الازدياد. ف(بي سكاي بي) هي المزود المفضل لعشاق الرياضة ومحبي الدراما الأميركية. والتزمت ITV بسوق الدراما مع Abbey Downton. وتكافح (بي بي سي) للعثور على كوميديا ضاربة. يتمثل الخطر، بحسب مرشح لهذه المناصب العليا، في احتمال أن تجد المؤسسة أنه تم التفوق عليها في مجال البرمجة الإبداعية وشراء أوراق مماثلة من المنافسين، وتركها (للقيام بالمشاريع المكلفة). وتجنب هذا الأمر مهمة عظيمة لمدير (بي بي سي) الجديد مهما طال عهده.