(وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نضِيدٌ) الآية 10 سورة ق. ذكر الطبري - رحمه الله - ما مختصره: (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ): طوالا، والباسق هو الطويل، (لهَا طَلْعٌ نضِيدٌ): متراكب بعضه على بعض. وفي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: النخيل الباسقات أي: الطوال التي يطول نفعها وترتفع إلى السماء حتى تبلغ مبلغاً لا يبلغه كثير من الأشجار فتخرج من الطلع النضيد في قنانها ما هو رزق للعباد قوتاً وادماً وفاكهة يأكلون منه ويدخرون هم ومواشيهم، وفي تفسير الجلالين: (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ) طولاً حال مقدرة. (لهَا طَلْعٌ نضِيدٌ) متراكب بعضه فوق بعض. أشارت هذه الأية الكريمة إلى النخل الباسقات، وهو نوع خاص من النخل يتميز بطول ساقه (جذعه) حتى ليتجاوز الثلاثين مترا في الارتفاع، علما بأن هناك من أنواع النخل القصير ما لا يتجاوز ارتفاع جذعه المترين، وبذلك تتضح الحكمة من الإشارة إلى النخل الطوال في هذه الآية الكريمة، ومن اتباع الوصف باسقات بقول الحق: (لها طلع نضيد). وفي ذلك إشارة إلى القدرة الإلهية المبدعة التي تتجلي في خلق النخلة الباسقة، بهذا الطول الفاره وإعطائها من القدرات البينة الظاهرة والخفية المستترة، ما جعل من النخل مضرب المثل في القرآن الكريم الذي ذكره في عشرين موضعا وفضله دوما على غيره من أنواع الزروع والفاكهة وجعله في مقابلة غيره من أنواع النباتات، فمن القدرات الظاهرة للنخل ثباته في الأرض، وارتفاعه فوق سطحها ومقاومته للرياح وتحمله للحرارة الشديدة والجفاف وقوته وتعميره ووفرة إنتاجيته تحت أقسى الظروف وتعدد أشجاره وثماره شكلا ولونا وطعما وحجما وفائدة، وتعدد الفوائد المرجوة من كل جزء من أجزاء شجرته المباركة. ومن القدرات المستترة للنخلة تلك القدرات الفائقة التي وهبها الله إياها لتعينها على القيام بكافة وظائفها الحياتية، وفي مقدمتها القدرة على الاستفادة بماء الأرض وعناصرها ومركباتها المختلفة والاختيار منها حسب حاجاتها، ورفع العصارة الغذائية إلى قمتها وأوراقها وأزهارها وثمارها وإلى مختلف أجزائها مهما تسامقت تلك القمة وتباعدت تلك الأوراق والأزهار والثمار. والعائلة النخيلية تضمُّ حوالي المائتي جنس وأكثر من أربعة آلاف نوع من الأشجار والشجيرات والمتسلقات التي تنتشر أساسا في كل من المناطق الاستوائية والمعتدلة، كما يكثر بعض أنواعها كنخيل البلح في البيئات الصحراوية القاحلة، حيث تصل درجة حرارة الجو إلى ما فوق الخمسين درجة مئوية، ودرجة حرارة سطح الأرض إلى تسعين درجة مئوية، وتندر الأمطار، ومن هنا كانت أهمية التهيئة الربانية للنخيل خاصة نخيل البلح للاستفادة بأقل كمية من الماء. وجه الإعجاز العلمي في الآية الكريمة: 1 . معروف أن الكون كله بما فيه من إنسان ونبات وحيوان في حالة اتزان وهذا يحدث مع النخيل الباسقات شديدة الطول فلولا هذا الاتزان الديناميكي الذي أودعه الله سبحانه وتعالى في هذا النوع من النخيل لسقط على الأرض مع الرياح العاتية شديدة السرعة في الصحراء التي قد تصل إلى 90 - 120 كم في الساعة، حيث تعمل النخلة كنوع من أنواع الروافع حيث يوجد بها قوة متمثلة في جزع النخلة ومقاومة في الوريقات (السعف) وهي مطوية بصورة مائلة على محورها وعلى محور الورقة (السعفة). ومحور ارتكاز متمثل في مجموع جذري وتَدي متميزاً هذا النوع تكوين الجذور العرضية بسرعة وانتشارها خاصة في التربة الرملية وهذا الشكل يعطي النخلة قوة تثبيت عالية في التربة. 2 . التربة الرملية نفسها لون حبيباتها أصفر وهو لونٌ فاتح يعكس إشاعة الشمس فلا تخزن التربة مزيدا من الحرارة وذلك يخفف من قسوة حرارة الصحراء على النخيل، أضف إلى ذلك أن حبيبات التربة الرملية كبيرة ومتباعدة فيسهل انزلاق جذور النخيل لمسافات بعيدة للبحث عن الماء وامتصاصه.