من الأدلة الدالة على البعث والنشور بعد الموت ودخول القبور قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (فصلت: 39). وإن جفاف الزرع ويَبَس الشجر وانقطاع تغذيته من الأرض وحصاده وتحطمه يشبه حالة الموت في الأحياء، ثم إن سنة الله الكونية الدائمة الظاهرة المشاهدة في عملية انشقاق الحبوب في بطن الأرض ونباتها بعد ما سبق من حالها التي تشبه حالة الموت وعودتها إلى الحياة، وقد نبه الله في القرآن إلى هذا الشاهد الكوني الذي يقرب إلى تصور أصحاب هذا التوهم إمكان الحياة الأخرى وإنها تشبه عودة الحياة إلى الزرع والنبات بعد جفافها وما يشبه حالة الموات فيها قال الله تعالى: (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الحج: 5، 6). وقال في سورة الروم: (فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الروم: 50). وقال في سورة "ق" يقول الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) فجعل سبحانه وتعالى ما سبق دليلا على البعث لأنه شبيه به. وفي هذا التعبير عن إخراج النبات من الأرض بالإحياء وعن إحياء الموتى بالخروج تفخيم لشأن الإنبات وتهوين لأمر البعث، وتحقيق للمُماثلة بين إخراج النبات وإحياء الموتى، وكل ذلك للتوضيح بمنهاج القياس وتقريبه لأفهام الناس على أن البعث بعد الموت حق، وكذلك قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الأعراف: 57). ففي إحياء الأرض اليابسة بعد نزول المطر عليها دليل قاطع واضح على إحياء الموتى، فكما أحيا الأرض بعد موته يحي الأجساد ويعيد إليها أروحها يوم القيامة، فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين كما أخبرنا جل وعلا وهو أصدق قائل، وذلك أن الله يُنزل ماء من السماء بعد هلاك جميع البشرية، فتُمطر الأرض أربعين يوما فتنبت منه الأجساد في قبورهم كما ينبت الحب في الأرض