بقلم: الدكتور محمد لطفي ما الذي يحدث في مصر؟ ما السبب وراء كل ما نشاهده أمامنا؟ هل هو خلاف فكري؟ أم هو صراع على السلطة؟ أم هو اختلاف في الرؤية السياسية والاقتصادية لحل المشكلات؟ للأسف... ليس كل ما سبق، فلو حاولنا النظر بهدوء وتحدثنا بصراحة حول ما تعانيه مصر طوال الأشهر الستة الأخيرة منذ انتخاب رئيس الجمهورية لوجدنا أن السبب وراء كل ما يحدث هو الحب والكره مع الكثير من العناد بين الطرفين، فهناك فريق يحب وفريق يكره، وكما نعلم فالحب والكره شعوران عاطفيان لا يخضعان للعقل ولا المنطق. وعندما تصل الأمور إلى هذه الدرجة تزداد صعوبة ومشقة، فمن يحب لا يتخلى أبدا عمن يحبه، ومن يكره يصر على كراهيته ورفضه، والانقسام العاطفي الحادث الآن يزيد التباعد بين الطرفين وكما قال الشاعر: عين الرضا عن كل عيب كليلة وعين السخط تبدي النواقص ويبدو الفريقان متساويين، فمن يحب يتحجج بالأغلبية العددية في الشارع، ومن يكره تحصن بالصوت العالي الصاخب في الإعلام، وبين الاثنين يضيع المواطن البسيط الذي بدأ اليأس يدب في قلبه من الصراع البعيد عن العقل والمنطق. وإذا كان الحب غير مبرر وبلا عقل فهل يمكن تبرير الكره، وبعبارة أخرى هل هناك أسباب وراء هذا الكره المتزايد من أصحاب الصوت العالي للأغلبية العددية؟ أعتقد أن الكره الذي تحظى به جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة ومؤسسة الرئاسة يرجع إلى: أولا: الدعاية السلبية التي أحاطت بالإخوان طوال 6 عقود كاملة بدءاً من ثورة يوليو، واستهدافهم لزعيمها إلى عصر مبارك ووصفهم بالجماعة المحظورة، مما يوحي بأنها مرفوضة وسيئة. ثانيا: الانشقاقات المتوالية من جانب بعض رموز الجماعة مثل محمد حبيب والهلباوي وأبو الفتوح، ففضلاً عن تحول هؤلاء شخصيا، ووقوفهم في الجانب الآخر (مثل الموقف من الدستور) فهناك أيضا محبون وأنصار لهؤلاء يتتبعون خطاهم ويسيرون وراءهم فيرفضون الإخوان ويكرهونهم. ثالثا: الجمع بين الإخوان والسلفيين والجماعات الإسلامية في سلة واحدة (التيار الإسلامي) رغماً عن الفوارق الكبيرة جدا بينهم إلا أن هذا الجمع بينهم جعل من يرفض فريقا منهم يرفض الكل. رابعا: سوء الإخوان والرئيس وفشلهم في إدارة البلاد، وتحقيق أمنيات ومطالب المواطن البسيط طوال فترة الأشهر السابقة ووقوعهم في أخطاء كثيرة وقرارات متضاربة زادت من حجم الكره والرفض لهم من جانب من لا ينتمون فكريا إلى هذا الطرف أو ذاك. خامسا: فقدان النظرة الموضوعية تجاه الإخوان سواء كانوا أشخاصا أم كانت أفعالا خاصة من جانب الإخوة الأقباط، فبموضوعية شديدة وجود الإخوان في الحكم أكثر فائدة للأقباط... وقبل أن يتعجب البعض أضيف أن وجود الإخوان في الحكم سيجعلهم دائما داخليا وخارجياً تحت المجهر، فأي قرار أو رد فعل يجب أن يكون محسوباً جيداً وبدقة شديدة. (هل يتصور أحد أن النظام السابق هو المسؤول مثلا عن حادث كنيسة القديسين... هل كان يمكن حدوث ذلك أو السماح به مع وجود الإخوان؟!) كما أن رفض البعض للدستور كان رفضاً لمن وضع الدستور قبل رفض مواده. في المقابل هناك من يدافعون عن الإخوان فقط لأنهم إخوان وأنهم مسلمون!! وهذا يزيد من كره الآخرين لهم فكلما دافعت أنت وأعلنت حبهم رفضت أنا وكرهتهم، وهذا للأسف أصبح المنطق الجديد في السياسة المصرية. وفي النهاية هل هناك أمل في تغيير هذه النظرة؟ رغم صعوبة ذلك فإنه ليس مستحيلا، ويتوقف على عاملين الأول: أن تغير مؤسسة الرئاسة والإخوان سلوكهم وقراراتهم المتضاربة والثاني: أن يتخلى أصحاب الصوت العالي عن عنادهم وكرههم ويتنازلون عن مصالحهم الشخصية ويعلون مصلحة الوطن. فهل يمكن أن يتحقق ذلك؟ أم أنه لا يعدو أن يكون نبوءة من نبوءات العام الجديد وكل عام وأنتم بخير؟..