في البداية لا بد من إقرار حقيقة مهمة، ربما تكون قاعدة من قواعد التغيير عن طريق الثورة سواء أكانت سلمية أم عنيفة، وهي أن أي ثورة في العالم تتعرّض بعد نجاحها إلى العديد من الهزات والارتدادات، هذه الارتدادات قد تكون سببا في تقدم الثورة ومكتسباتها إلى الأمام، وقد تكون عكس ذلك، أي نكوصها إلى الوراء. ما يحدث في مصر المحروسة هذه الأيام يدخل في هذا الإطار، فأصدقاء الأمس يتصارعون اليوم، وسبب هذا الصراع كما يبدو هو من له الأحقية في إرث ثورة 25 يناير، وهذا الإرث من شأنه أن يعطي الغلبة والأولوية في تسيير شؤون البلاد كما يظن البعض. للأسف الشديد يخرج هذا الصراع من أروقة المجالس، حيث موائد الحوار، وطاولات النقاش إلى ساحات الشوارع والميادين. قد يكون الخلاف في الإيديولوجية والرؤى والتصوّرات هو من صعّد الموقف، وزاد في الشرخ، ووسع الانقسام، والخوف من الغد هو الذي أظهر الصراع إلى العلن، لأن الشيء المتفق عليه من كلا الفريقين المتصارعين هو الخوف على الثورة، والخوف هنا مشروع، ولكن أن يساهم ثوار الأمس في الثورة المضادة، وأن يكونوا جزءا من المؤامرة فهذا هو المحزن. فأنصار الرئيس محمد مرسي وجماعته يخافون من الفراغ الذي قد يستغله خفافيش الليل، وأمراء الظلام من أجل الإطاحة بالثورة وإنجازاتها إلى الآن، خاصة في ظل التقارير الواردة من أن طرفا قد تواطأ مع قوى خارجية للانقلاب على الشرعية، مما جعل الرئيس يستبق هذه المؤامرة حيث أصدر الإعلان الدستوري الذي يحصن بعض القرارات السيادية، كما يقول. أما الفريق الثاني، فالخوف من عودة الديكتاتورية، وسيطرة طرف على السلطة دون غيره، هو الذي دعاها إلى الخروج إلى الساحات، والتظاهر في الميادين ضد الإعلان الدستوري الذي يجعل من الرئيس نصف إله أو فرعونا جديدا، كما أن الرئيس اعتدى على السلطة القضائية بشكل غير مسبوق، فالأغلبية في المجالس لا تسوّغ أن تفرض رأيك، وأن تتمسك بقراراتك، بل لا بد من فتح أبواب الحوار، وإن كانت هناك من مؤامرة تُحاك خيوطها في الظلام ضد الثورة، وضد الرئيس، كما يقال، فالأولى كشف خيوطها للشعب، ومباشرة حوار حقيقي وصريح مع الطبقة السياسية المعارضة، بدل إصدار قرارات تعمّق الانقسام في المجتمع أكثر. كان الأجدر بالرئيس محمد مرسي أن يستفيد من أخطاء الرئيس السابق الذي كان هدفه هو تمكين نفسه من الحكم مدى الحياة، وذلك بصياغة دساتير على مقاسه الخاص، وكان ولاؤه للحزب (وهو عبارة عن جماعات مصالح) وللغرب، أكثر من ولائه للوطن وللشعب، وكان يريد توريث الحكم لابنه جمال، وبقية القصة معروفة حيث انتهى به الحال هو وأقطاب نظامه إلى السجن، كان الأجدر به قلت أن يُولي اهتمامه بالوضع المعيشي للشعب بأن يحسن غذاءه وشرابه، ويعمل على تحسين وسائل النقل التي تحصد في كل مرة أرواحا بريئة، كما يجب القيام بإصلاحات في مجال الصّحة والإسكان، ويدعم القطاع الفلاحي أكثر، وبهذا يلج الشعب المصري الجمهورية الجديدة براحة وطمأنينة، أما المسائل الأخرى مثل صياغة دستور جديد فيتركه إلى وقت آخر، حتى يأخذ حظا أوفر من النقاش والحوار مع كل الأطراف. إن الإسراع في إصدار دستور جديد دون التوافق، وذلك بتغليب رأي طرف على الأطراف الأخرى، وعدم مراعاة مكونات المجتمع المصري الذي يتلوّن بمختلف ألوان الطيف، من شأنه إثارة الشكوك، وتغذية الهواجس التي تقول بأن الرئيس محمد مرسي لا يختلف عن حسني مبارك، وأنه يحاول أن يُمكن حزبه وجماعة الإخوان من السيطرة على الحكم، ويصبح الأمل في غد أفضل، والديمقراطية الموعودة في شعارات ثورة 25 يناير مجرد سراب ليس إلا. السؤال الذي يطرح في الأخير، هل يكون الإسلاميون سببا في تقسيم بلد عربي آخر؟ فبعد تقسيم السودان إلى شطرين الشمالي والجنوبي بعد عدة سنوات من حكم العسكر تحت شعارات إسلامية، هل تكون مصر هي البلد التالي في عملية التقسيم، وخاصة في ظل الخطابات العنجهية التي يتفوه بها قادة الإخوان دون مراعاة التركيبة السكانية لمصر، فالعنصر المسيحي المتمثل في الأقباط (أكثر من 10 ملايين نسمة) لا يقبل الطرح الإخواني في احياء دولة الخلافة من جديد، لذلك لا بد على قادة الإخوان ألاّ ينجروا وراء العوام الذين يرفعون شعارات من قبيل (تطبيق الشريعة، وقيام الدولة الإسلامية، والإسلام هو الحل)، ويُحكموا العقل في مثل هذا الظرف الصعب، ويتعاملوا مع هذا الواقع بحكمة وعقلانية..؟