لا تزال التطورات المتسارعة للأوضاع في مالي تصنع الحدث وتشد اهتمام المجتمع الدولي الذي يبدو أنه قد اتفق أخيرا على صيغة موحدة لإنهاء الأزمة المالية ووضع حد لسيطرة الجماعات المسلحة على شمال البلاد، لاسيما تلك الدول التي كانت تسعى لتغليب الحل السلمي ومنطق الحوار بين أطراف النزاع وعلى رأسها الجزائر التي ظهرت مؤخرا بموقف مغاير تماما بإعلان تأييدها لنشر قوات دولية في مالي رغم الخطر الأكيد الذي تشكله هذه الخطوة على أراضينا بالنظر إلى الشريط الحدودي بين البلدين والذي يفوق الألف كيلومترا. ومن الواضح أن التدخل العسكري في مالي قد أربك الجزائر، وأخلط حساباتها، حيث صاحبت التطورات السريعة التي شهدتها الأزمة المالية مؤخرا تطورات في المواقف الدولية التي عكست وجها مناقضا تماما لذلك الذي كانت تظهر به بعض الدول كالجزائروالولاياتالمتحدةالأمريكية، في وقت واصلت فيه دول أخرى جهودها للتعجيل بتنفيذ التدخل العسكري على مالي الذي قد يعود بتبعات خطيرة على منطقة الساحل بأكملها حسبما أوضح الكثير من الخبراء والمختصين. اهتمام دولي ومواقف متناقضة يبدو أن التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة المالية قد أثرت بطريقة واضحة على مواقف بعض الدول التي كانت إلى وقت قريب تدعو إلى تغليب الحل السلمي وفي مقدمتها الجزائر التي أعربت في العديد من المناسبات عن رفضها لأي تدخل أجنبي على الأراضي المالية، مشددة على ضرورة تغليب الحوار بين الأطراف المتنازعة للخروج بحل سياسي للأزمة، غير أن هذا الموقف شهد مؤخرا تغيرا جذريا بعد إعلان الجزائر لتأييدها للائحة مجلس الأمن التي حملت رقم 2085 التي تسمح بنشر قوات عسكرية دولية على الأراضي المالية لفترة أولية قدرت بسنة من أجل استعادة استقرار مالي وإنهاء سيطرة الجماعات المسلحة على شمال البلاد، وأعربت الجزائر بهذا الصدد في بيان مشترك مع إسبانيا انبثق عن الدورة الخامسة للاجتماع رفيع المستوى الذي عقد بالجزائر نهاية الأسبوع الماضي عن انشغالها بحالة عدم الاستقرار التي تعيشها مالي لاسيما المنطقة الشمالية والتي تهدد استقرار منطقة الساحل بأكملها، وجددت الجزائر في ذات السياق قناعتها بأن حل الأزمة في مالي يكمن في إعادة إحلال السلامة الترابية والوحدة الوطنية والسيادة والنظام الدستوري بهذا البلد، مشددة على ضرورة أن ترتكز الحلول المقترحة للأزمة على ثلاث ركائز أساسية تتمثل في الجوانب السياسية والإنسانية والأمنية. ومن جانب آخر أعلنت الجزائر دعمها للائحتين 2071 و2085 اللتين أصدرهما مجلس الأمن الدولي في وقت سابق حيث تمنح اللائحة 2071 المنظمات الإقليمية الإفريقية وهيئة الأممالمتحدة مهلة 45 يوما لتقديم مخطط للتدخل يهدف إلى استعادة شمال البلاد، بينما سمحت اللائحة 2085 بنشر قوة دولية على الأراضي المالية لفترة أولية قدرت بسنة، وهو ما كانت ترفضه الجزائر حتى وقت قريب، وأكدت الجزائر أن اللائحتين تحددان ملامح حل شامل للأزمة في مالي من خلال تحديد التهديدات المتمثلة في الإرهاب والجريمة المنظمة، كما أدان البيان المشترك اختطاف الرهائن وإطلاق سراح الإرهابيين المسجونين الذين يعتبرون تهديدا للأمن والسلم والتنمية والحرية والحق في الحياة وأمن الأشخاص. من جانبها أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية التي كانت تشكك في جدوى العمليات العسكرية في مالي وقدرة الأفارقة على قيادتها، داعية إلى وجوب تغليب الحل السياسي لإنهاء الأزمة أنها تدرس إمكانية دعم التدخل الأجنبي في مالي ماليا، حيث كشف مسؤول دبلوماسي أمريكي في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية (فرانس بريس) أن بلاده تفكر في دعم فرنسا في العملية العسكرية في مالي خصوصا بطائرات بدون طيار، مؤكدا أن البيت الأبيض (يشاطر (باريس) هدف) مكافحة ما يعرف بالإرهاب وقال بهذا الصدد أن (الجيش الأمريكي يدرس إمكانية تزويد القوات الفرنسية في مالي بمعلومات استخباراتية وتموين في الجو وأشكال أخرى من الدعم)، مشيرا إلى أن العسكريين الأمريكيين يدرسون أشكالا عديدة من الدعم بما في ذلك (دعم لوجستي وتكثيف تقاسم المعلومات وهذا يتطلب طائرات أمريكية بدون طيار للمراقبة)، وأوضح الدبلوماسي الذي رفض ذكر اسمه أن مسؤولين رسميين فرنسيين في باريس ونظراءهم من الولاياتالمتحدة ودول حليفة يجرون محادثات مكثفة بشأن خطة عمل في مالي، مذكرا بأن القوات المسلحة الأمريكية تملك قواعد جوية في إيطاليا وإسبانيا يمكن استخدامها في تموين الطائرات الفرنسية عند الحاجة. فرنسا تطالب بتعجيل تنفيذ القرار 2085 وواصلت فرنسا من جهتها جهودها للتعجيل بنشر قوة دولية على الأراضي المالية، مؤكدة أن إرسالها لقوة عسكرية خاصة ليلة الخميس كان استجابة لطلب مالي كما أن قرارها يستند إلى المادة 51 من ميثاق حقوق الإنسان الذي ينص على (الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس، فرديا أو جماعيا، في حال تعرض عضو في الأممالمتحدة لاعتداء مسلح) وفي هذه الحالة هي غير ملزمة بالحصول على إذن من مجلس الأمن، إلا أنها تحيطه علما بتحركها، وطالبت فرنسا في رسالة وجهتها إلى مجلس الأمن الدولي بالإسراع في (تنفيذ القرار 2085) الذي يسمح بنشر قوة دولية في مالي، مضيفة أنها (تحيط علما) المجلس بأن (القوات المسلحة الفرنسية قدمت ردا على طلب قدمته مالي وبالتشاور مع شركائنا، خصوصا في المنطقة، دعمها إلى الوحدات المالية لمكافحة العناصر الإرهابية)، وأضافت الرسالة التي سلمها السفير الفرنسي في الأممالمتحدة جيرار ارو إلى نظيره الباكستاني مسعود خان الذي يرأس مجلس الأمن الدولي في جانفي الجاري أن هذه العملية (ستستمر الوقت اللازم) لها، موضحة أن (مالي تواجه عناصر إرهابية قدموا من الشمال ويهددون اليوم وحدة وسلامة أراضي هذه الدولة ووجودها وسلامة سكانها)، وقال آرو بهذا الصدد إنه (يغتنم هذه الفرصة للتأكيد على أن تطور الوضع يبرر الإسراع في تنفيذ قرار مجلس الأمن الذي يوافق على عملية عسكرية بقيادة إفريقية في مالي)، وأكدت رسالة باريس أن العملية العسكرية الفرنسية (تندرج في إطار الشرعية الدولية وستستمر الوقت اللازم) لإنجازها. الوضع يزداد تأزما والجماعات المسلحة تتوعد من جهتها حذرت بعض الجماعات المسلحة التي تسيطر على شمال مالي من مغبة التدخل العسكري على مالي، مؤكدة أن هذا سيعود بالضرر على كافة الدول المشاركة، وفي هذا الإطار توعدت حركة أنصار الدين المشاركين في التدخل العسكري على مالي وفي مقدمتهم فرنسا، كما استنكر ما يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي العمليات العسكرية التي شنتها فرنسا في المنطقة منذ ليلة الخميس الماضي، مهدداً السلطات الفرنسية في حال الاستمرار في التدخل في الشؤون الداخلية لمالي، وظهر المدعو عبد الله الشنقيطي الذي يقال أنه الناطق الرسمي باسم إمارة الصحراء التابعة لما يعرف بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في تسجيل مصور أشارت إليه وكالة الأنباء الموريتانية (صحراء ميديا) قال خلاله أن (تدخل الفرنسيين ظهر بكل جلال ووضوح)، مؤكدا أنه (تدخل صليبي) يسعى إلى وأد (المشروع الإسلامي في مالي) -على حد قوله-، وأضاف مخاطبا فرنسا (الأمر ما يزال بأيديكم فعليكم أن تكفوا عنا شركم وأن تحكموا على أيدي سفهائكم وإلا فإنكم تحفرون قبور أبنائكم بأيديكم وتلقون بهم إلى الجحيم) وطالب الشنقيطي من جانب آخر الشعوب الإسلامية في كل من موريتانيا ومالي والنيجر وليبيا وتونس والجزائر وغيرها بضرورة (مناصرة) الماليين. طبول الحرب تقرع ودول الجوار تدق ناقوس الخطر. وكان مجموعة من الخبراء والمختصين قد حذروا في عدة مناسبات من تبعات التدخل العسكري على الأراضي المالية على دول الجوار لاسيما الجزائر التي تشترك مع مالي في شريط حدودي يفوق الألف مترا، وأشار الخبراء إلى خطر انتشار الأسلحة وتهريب المخدرات والجريمة، ونبهت وكالة الأنباء التابعة لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في وقت سابق إلى خطورة التدخل العسكري في مالي مؤكدة أنه قد ينعكس سلبا على المنطقة بتنقل 700.000 شخص وانتشار الميليشيات وتفاقم ما يعرف بالهجمات الإرهابية في بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، كما يشمل نزوح 700.000 شخص حوالي 300.000 مرحل داخلي مقابل 199.000 مرحلا في الوقت الحالي، إلى جانب 407.000 لاجئا مقابل 157.000 حاليا، هذا إضافة إلى أعداد القتلى والجرحى الذين ستخلفهم الحرب، أما عن نتائج الحرب على الصعيد الإنساني فتتمثل في النزوح الجماعي والعنف العرقي وبعث ما يعرف بالخلايا الإرهابية المتواجدة في جنوب مالي وفي المنطقة عامة، هذا إلى جانب هدم البنية التحتية وتقلص الخدمات القاعدية في الشمال وفي الجنوب وتذبذب الأسعار وتنامي اللاأمن وسوء التغذية.