دعا بان كي مون الأمين العام لهيئة الأمم المتّحدة نهاية الأسبوع الماضي الحكومة المالية إلى ضرورة التعجيل بإجراء انتخابات حرّة في مالي تحضيرا للبدء في عملية نشر قوات عسكرية دولية في المنطقة. وشدّد كي مون من جانب آخر على ضرورة التمسّك بالخيار السلمي، مشكّكا في قدرة القوات الأجنبية على إنهاء الأزمة في شمال البلاد الذي تسيطر عليه جماعات مسلّحة منذ مارس الماضي، وهو ما قد يؤجّل تنفيذ قرار المجلس إلى حين استنفاد كافّة الحلول السلمية التي دعت إليها دول الجوار وعلى رأسها الجزائر. يبدو أن الأزمة في الشمال المالي تسير تدريجيا نحو تغليب الخيار العسكري الذي دافعت عنه المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا مدعومة بفرنسا وتبنّاه مجلس الأمن الدولي مؤخّرا بإجماع أعضائه، وسط تحذيرات دولية من تبعات الحرب على مالي وخطورتها على منطقة الساحل عامّة، لا سيّما دول الجوار التي أبدت دعمها للخيار السلمي المبني على الحوار بين جميع الأطراف المتنازعة للخروج بحلّ سياسي يضع حدّا للانزلاق الأمني القائم في الشمال، والذي دعت إليه دول الجوار على غرار الجزائر وموريتانيا. وبالرغم من قرار مجلس الأمن القَبول بالتدخّل العسكري كحلّ للأزمة المالية، إلاّ أن الجهود الدولية والمحلّية لتغليب الحلّ السياسي السلمي تواصلت بعد أيّام من تصويت المجلس على نص القرار الفرنسي الذي يقضي بنشر قوة أجنبية على الأراضي المالية لفترة أوّلية قدّرت بسنة بهدف إنهاء الانقسام وطرد الجماعات المسلّحة المسيطرة على الشمال منذ شهر مارس الفارط. وفي هذا الصدد، دعا الأمين العام لهيئة الأمم المتّحدة بان كي مون في بيان له عقب المحادثات التي جمعته بوزير خارجية مالي تيمان كوليبالي نهاية الأسبوع إلى ضرورة تركيز الجهود للتوصّل إلى حلّ سياسي ينهي الأزمة في الشمال، معربا عن شكوكه حول قدرة القوات الدولية على تحقيق ذلك. في نفس الوقت دعا الأمين العام حكومة مالي الانتقالية إلى تنظيم انتخابات حرّة في أقرب فرصة تمهيدا للتحضيرات لتدخّل قوة دولية، وأكّد بيان الهيئة الذي جاء عقب مشاورات حول المعاناة المتزايدة لشعب مالي أن (الأمين العام استغلّ فرصة اجتماعه مع وزير الخارجية ليطلب من كافّة الفرقاء في مالي وضع بسرعة خارطة طريق وتطبيقها لتنظيم انتخابات حرّة ونزيهة وشفّافة في أقرب فرصة). وفي ذات السياق أكّد كي مون (تصميمه على ترسيخ تعاونه مع سلطات مالي والشركاء الدوليين لتطبيق القرار الدولي رقم 2085، الذي يشدّد على أهمّية الحوار السياسي ومواصلة المفاوضات والسماح بنشر قوة افريقية في هذا البلد). ومن جانب آخر، عبّر الأمين العام للأمم المتّحدة عن قلق دول الغرب بشأن تدخّل العسكريين في عمل الحكومة في مالي عقب قيادتهم لانقلاب أدّى إلى حال من الفوضى في البلاد وسيطرة المتمرّدين والجماعات المسلّحة على المنطقة الشمالية. يذكر أن مجلس الأمن تبنّى مؤخّرا نص قرار فرنسي يقضي بمنح قوة دولية تفويضا لمدّة عام تستخدم خلاله كلّ التدابير اللاّزمة لمساعدة الحكومة في استعادة شمال البلاد، غير أن المجلس شدّد على أن القوة العسكرية يجب أن تكون مواكبة بجهود سلمية تتمثّل في إجراء انتخابات نزيهة في مالي وفتح باب الحوار بين الحكومة المالية والمعارضين في الشمال. من جانبها، أعلنت كلّ من الحركة الوطنية لتحرير أزواد وجماعة أنصار الدين النّاشطتان في الشمال في بيان مشترك وزّع على الصحافة خلال مؤتمر صحفي عقد في الجزائر نهاية الأسبوع الماضي التزامهما بوقف الأعمال الحربية والتفاوض مع السلطات المالية، وأكّد بيان الحركتين أن ممثّلي جماعة أنصار الدين وحركة تحرير أزواد قد اتّفقوا على (الامتناع عن أيّ عمل قد يؤدّي إلى مواجهات أو أيّ من أشكال الأعمال الحربية في المناطق التي يسيطرون عليها في شمال مالي وبذل ما في وسعهم للوفاء بهذا الالتزام)، كما اتّفقتا على (تنسيق مواقفهما وتحرّكهما في إطار أيّ مبادرة تهدف إلى السعي لحلّ سلمي ودائم مع السلطات الانتقالية المالية)، إلى جانب الالتزام (بتوفير الأمن في المناطق التي تخضع لسيطرتهما عبر تشكيل قوات أمنية تتألّف من عناصر الحركتين). وأضاف البيان المشترك الذي أصدر عقب إقرار مجلس الأمن التدخّل العسكري على الأراضي المالية أن الحركتين التزمتا ب (التحرّك في شكل يسمح بالإفراج عن أيّ شخص معتقل أو محتجز في المنطقة المعنية). وفي ردّه على سؤال حول السبل التي قد تساعد في تحرير الأشخاص المحتجزين، قال ممثّل أنصار الدين إن (الرّهائن ليسوا لدينا، يمكننا فقط المساعدة في الإفراج عنهم عبر الاتّصالات والعلاقات الموجودة بين الأشخاص). يذكر أن ما يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا تحتجز عشرة أوروبيين، من بينهم سبعة فرنسيين إضافة إلى ثلاثة رهائن جزائريين على الأقل. ومن جهة أخرى ندّدت الحركتان بتبنّي مجلس الأمن لنص القرار الفرنسي الذي يقضي بنشر قوة دولية على الأراضي المالية، وقال ممثّل أنصار الدين في هذا الصدد: (ندين هذا القرار، لقد ندّدنا دائما بالتدخّل العسكري وقلنا إنه ليس حلاّ)، مضيفا في ذات السياق: (نحن متفائلون جدّا ونطلب مواكبة الجزائر والمجتمع الدولي سعيا إلى حلّ سلمي لأزمة مالي).