ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وفيه بُعث وفيه عرِّج به إلى السماء وفيه هاجر وفيه مات، ولهذا كان ليوم مولده صلى الله عليه وسلم مزية خاصة لدى المؤمنين، الذين يرون أن الاحتفال به وإدخال السرور على الناس فيه من أهم مظاهر الفرحة بمولده الكريم. ومع اختلاف الرؤى ما بين القديم والحديث، إلا أن الجميع اتفق على أن الاحتفاء بميلاد سيد الخلق هو من الضروريات التي تعيد للأذهان السنة النبوية العطرة، خاصة في عصر التكنولوجيا الحديثة المبهرجة، بشرط الابتعاد عن الحرمات والبدع. وبطبيعة الحال، نجد الوجه المعارض المتمثل في (السلفية( يخرج علينا بوصف ذلك الاحتفال أنه (شرك بالله تعالى)، مطالبين بإلغاء الاحتفال بالمولد النبوى، للحفاظ على المجتمع الإسلامي من الشرك. بداية الاحتفال كان الفاطميون أول من احتفل بالموالد لآل البيت، وأول من أدخل الحلوى والعرائس المصنوعة منها في الاحتفال، ثم توقف الاحتفال بالمولد النبوي سنة 488 ه وكذلك الموالد كلها، واستمر الأمر كذلك حتى ولى الوزارة المأمونُ البطائحي، فأصدر مرسوما بإطلاق الصدقات في 13 من ربيع الأول سنة 517 ه وتولى توزيعها (سناء الملك). ولما جاءت الدولة الأيوبية أبطلت كل ما كان من آثار الفاطميين، ولكن الأسر كانت تقيم حفلات خاصة بمناسبة المولد النبوي، ثم صارت رسمية فى مفتتح القرن السابع فى مدينة (إربل) على يد أميرها (مظفر الدين أبى سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن تبكتكين)، وهو سُنِّي اهتم بالمولد وقدم الأموال الطائلة كل عام للتجهيز والاحتفال، وتميز المولد آنذاك بصبغة دينية خالية من تماثيل الحلوى. أما سلاطين الخلافة العثمانية فكانوا يحتفلون به في أحد الجوامع الكبيرة بحسب اختيار السلطان، فلمّا تولى السلطان عبد الحميد الثاني الخلافة قصر الاحتفال على الجامع الحميدي. فكان الاحتفال رسميا بالملابس الرسمية التشريفية، وعلى صدورهم الأوسمة، ثم يقفون في صفوف انتظارًا للسلطان ليأتي راكبًا جوادًا بسرج من الذهب الخالص، وحوله موكب فخم، وقد رُفعت فيه الأعلام، ويسير هذا الموكب بين صفين من جنود الجيش العثماني وخلفهما جماهير الناس، ثم يدخلون الجامع ويبدأون الاحتفال بقراءة القرآن، وثم سرد قصة مولد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم بقراءة كتاب (دلائل الخيرات في الصلاة على النبي) صلى الله عليه وسلم، ثم حلقات الذكر والإنشاد. إنكار البدع واستحسان الاحتفال ولانتشار البدع في الموالد أنكرها العلماء، حتى أنكروا أصل إقامة المولد، ومنهم الفقيه المالكي تاج الدين عمر بن علي اللخمي الإِسكندري المعروف بالفاكهاني، فكتب في ذلك رسالته (المورد في الكلام على المولد). ثم قال الشيخ محمد الفاضل بن عاشور: وقد أتى القرن التاسع والناس بين مجيز ومانع، واستحسنه السيوطي وابن حجر العسقلاني، وابن حجر الهيتمي، مع إنكارهم لما لصق به من البدع، ورأيهم مستمد من آية (وذكِّرهم بأيام الله) إبراهيم: 5. أخرج النسائي وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند، والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر الأيام بنعم الله وآلائه، وولادة النبي صلى الله عليه وسلم نعمة كبرى. وفي صحيح مسلم عن أبي قتادة الأنصاري قال: وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الإثنين فقال (ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت أو أُنزل علي فيه) روى عن جابر وابن عباس، فالرسول صلى الله عليه وسلم نص على أن يوم ولادته له مزية على بقية الأيام، وللمؤمن أن يطمع في تعظيم أجره بموافقته ليوم فيه بركة، وتفضيل العمل بمصادفته لأوقات الامتنان الإِلهي معلوم قطعا من الشريعة، ولذا يكون الاحتفال بذلك اليوم، وشكر الله على نعمته علينا بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وهدايتنا لشريعته مما تقره الأصول، لكن بشرط ألا يُتخذ له رسم مخصوص، بل ينشر المسلم البِشر فيما حوله، ويتقرب إلى الله بما شرَّعه، ويعرِّف الناس بما فيه من فضل، ولا يخرج بذلك إلى ما هو محرم شرعا. ويقول الشيخ عطية صقر (يجوز الاحتفال بموالد الأولياء، حبًّا لهم واقتداء بسيرهم، مع البعد عن كل المحرمات مثل الاختلاط المريب بين الرجال والنساء، وانتهاز الفرص لمزاولة أعمال غير مشروعة من أكل أو شرب أو مسابقة أو لهو، ومن عدم احترام بيوت اللّه ومن بدع زيارة القبور والتوسل بها، ومن كل ما لا يتفق مع الدين ويتنافى مع الآداب، فإذا غلبت هذه المخالفات، كان من الخير منع الاحتفالات درءًا للمفسدة كما تدل عليه أصول التشريع، وإذا زادت الإِيجابيات والمنافع المشروعة فلا مانع من إقامة هذه الاحتفالات مع التوعية والمراقبة لمنع السلبيات أو الحد منها بقدر المستطاع). عذاب أبي لهب يقول الزرقاني في شرح المواهب للقسطلاني: إن ابن الجزري الإمام في (القراءات) علَّق على خبر أبي لهب الذي رواه البخاري وغيره عندما فرح بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعتق (ثويبة) جاريته لتبشيرها له، فخفف الله عقابَه وهو في جهنم فقال: إذا كان هذا الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة المولد فما حال المسلم الموحِّد من أمته حين يُسرُّ بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته؟ وفي ذلك ينشد الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر: إذا كان هذا كافرا جاء ذمه .. وتبَّت يداه في الجحيم مخلدا أتى أنه في يوم الإثنين دائما .. يُخفف عنه للسرور بأحمدا فما الظن بالعبد الذي كان عمره .. بأحمد مسرورا ومات موحِّدا؟ شرك بالله تعالى وعلى النقيض، زعم عضو السلفية الجهادية بمصر الشيخ (مرجان سالم الجوهري) إن الاحتفال بالمولد النبوى الشريف (شرك بالله تعالى؟!)، وشريعة الإسلام تخالفه، وأضاف (هو بدعة أدخلها الفاطميون إلى مصر، وهم مجموعة من الشيعة (الاثني عشرية) المجرمين) على حدّ تعبيره. وأضاف أن الإسلام لم يكن يعرف شيئاً اسمه الاحتفال بالمولد النبوي، وكلها (أمور ابتدعها أعداء الدين الإسلامى، والرسول الكريم نفسه أمرنا بألا نحتفل إلا بعيدين فقط الفطر والأضحى). وأمرت السلفية الجهادية بتحطيم جميع الأشكال المجسمة، التي اُبتدعت للاحتفال بالمولد النبوى، من عرائس وأحصنة، لافتاً إلى أن مثل هذه الأشكال إذا وجدت بالمنازل تمنع دخول الملائكة، ويحسب أصحاب تلك المنازل من (الكفرة!)، و(يخرجون من ملة الإسلام ويجب استتابتهم) على حد زعمها. الحلوى والعرائس ونقل عن السلف (أما عادات الأكل (حلوى المولد) فهي مما يدخل تحت قوله تعالى (كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله) البقرة: 172). وحول العرائس المصنوعة من الحلوى، فيرى الغالبية أنها ليست حراما كما أكدت ذلك فتوى لأمانة دار الإفتاء بقولها (يجوز شراء هذه الحلوى وأكلها ولا حرج في ذلك فالاحتفال بالمولد النبوي والاحتفاء به بشراء الحلوى والتوسعة على الأهل وذكر سيرته العطرة، ومجالس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وما إلى ذلك من مظاهر مندوبة ومباحة جائز شرعا). أما شراء العرائس المنتشرة للأطفال بغرض اللهو كما هو حاصل في بعض الدول الإسلامية، فيقول أحد أئمة دولة السودان (لا حرج عليك في شراء العرائس ليلهو بها الأطفال سواء أكانت على شكل إنسان أو حيوان، لأن الرخصة ثابتة في جواز ذلك، لحديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تلعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لها صواحب يلعبن معها. رواه مسلم، وروى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عند عائشة رضي الله عنها فرساً وله جناحان من رقاع فقال لها: ما هذا؟ قالت: فرس. قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان. فقال: فرس له جناحان! قالت: أما سمعتَ أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟ قالت: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. يقول الشيخ عطية صقر (ورأيى أنه لا بأس بذلك فى هذا العصر الذى كاد الشباب ينسى فيه دينه وأمجاده، فى غمرة الاحتفالات الأخرى التى كادت تطغى على المناسبات الدينية، على أن يكون ذلك بالتفقه في السيرة، والقيام بأعمال تخلِّد ذكرى المولد، كبناء مسجد أو معهد أو أي عمل خيري يربط من يشاهده برسول اللّه صلى الله عليه وسلم وسيرته. * في صحيح مسلم عن أبى قتادة الأنصاري قال: وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الإثنين فقال (ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت أو أُنزل عليّ فيهّ روى عن جابر وابن عباس، فالرسول صلى الله عليه وسلم نص على أن يوم ولادته له مزية على بقية الأيام، وللمؤمن أن يطمع في تعظيم أجره بموافقته ليوم فيه بركة، وتفضيل العمل بمصادفته لأوقات الامتنان الإِلهي معلوم قطعا من الشريعة، ولذا يكون الاحتفال بذلك اليوم، وشكر الله على نعمته علينا بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وهدايتنا لشريعته مما تقره الأصول، لكن بشرط ألا يُتخذ له رسم مخصوص، بل ينشر المسلم البِشر فيما حوله، ويتقرب إلى الله بما شرَّعه، ويعرِّف الناس بما فيه من فضل، ولا يخرج بذلك إلى ما هو محرم شرعا.