قال الله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ) البقرة 143 لقد جاءت الشريعة المحمدية خاتمة الشرائع بعد نضج في التفكير البشري ومسيرة طويلة من تاريخ النبوات لأقوام متعددة وفي كل قوم تجربة ومع كل نبي وقائع وأيام فأراد الله تبارك وتعالى أن تكون هذه الرسالة المحمدية خلاصة النبوات وجامعة لتجارب الأنبياء والرسالات لا تشق على الناس في تطبيقها وتيسِّر لهم سبل العيش في أحكامها وتكاليفها وتدفع بالبشرية على الدوام إلى الرقيِّ وبناء الحياة فكانت سمتُها اليسر وطابعها الرفق بالإنسان فرداً أو جماعة، تحيط به بهذا الرفق والتيسير مهما أمتد به الزمان أو تباعد به المكان، فقد جاء في الكتاب العزيز (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) البقرة185. ومن يقارن بين أحكامها وعقائدها وأخلاقها وآدابها يجد أنها تمتاز بالوسطية والاعتدال فلا هي تقبل التشدد والغلو، ولا ترضى التفلت والتسيب ومن يسلك هذه المعاني هي الأمة الوسط التي تنبذ الخلل والانحراف إلى التضييق على الناس ولو كان في العبادة والأعمال النافعة أو في التحلل من التكاليف والمسؤوليات بل طلبت أن يلتزم الإنسان الطريق الوسط (ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج). والدين كله في كلياته وجزئياته يسير على هذا النسق الوسط السمح (وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج 78. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا) أخرجه البخاري، ولما أطال بعض الصحابة وهو يؤم الناس قال له: (إن منكم منفرين فأيكم أم الناس فليوجز فإن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة) أخرجه مسلم. لقد نزلت هذه الآية الكريمة في وقت توجه المسلمين إلى الكعبة واتخاذها قبلة دون بيت المقدس الذي توجهوا إليه مدة من الزمان استمر في المدينة نحواً من ثمانية عشر شهراً وأراده الله تعالى لهذه الشريعة الوسطية وأن تكون متميزة في هذه الوسطية والاعتدال فأمر بالتوجه إلى الكعبة فتحركت عصابات للطعن فيهم وخاضت ألسنة بالقيل والقال في عملهم وعبادتهم التي كانت من قبل وتنزلت الآياتُ القرآنية لتؤكد للمسلمين ولجميع الناس أن الإسلام دين الوسط والاعتدال، وأن أتباعه هم الأمة الوسط وأن الذين يتبعون الخير حيثما كان ويجتنبون الشر في كل زمان ومكان وان الذين ماتوا وقد عملوا بأمر الله طاعة وعبادة فلن يضيع عملُهم وصلاتهم، إن الوسطية منهج في العقائد والعبادات والمعاملات والسلوك والأخلاق، فمن فرَّط خسر وندم ومن أفرط تعب ومل وسئم وأنهم وسط البشرية كما أن دينهم وسط الأديان، وقال عليه الصلاة والسلام (إن هذا الدين يسر ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه فسددوا وقاربوا وابشروا) أخرجه البخاري.