بقلم: عبد القادر حمداوي ولد الشهيد سي بلحسن بمدينة خميس مليانة بولاية عين الدفلى في 12/05/1925 من أسرة فلاحية، تربى وترعرع في عائلة مناضلة إلى أن بلغ سن الدراسة مما جعل والده يذهب به إلى مدرسة: كلوكلي حمدان. حيث قضى فيها سنوات وتحصل على الشهادة الابتدائية آنذاك وكان مهتما بالانخراط في صفوف الكشافة الإسلامية قبل أن ينخرط في الحركة الوطنية، وعند انخراطه أصبح مناضلا ممتازا نشطا في الميدان. وفي سنة 1950 انظم إلى صفوف المنظمة السرية. وتم اكتشافه بعد ما تابعه العدو في النشاطات التي قام بها في عين المكان. ألقي عليه القبض وزج به في السجن ببرج منايل، ثم نقل إلى البليدة ولما أطلق سراحه عادة مرة ثانية إلى ممارسة نشاطه النضالي وعندما اندلعت الثورة عام 1954 كان ينتظر عندما تحين له الفرصة للانضمام إلى جيش التحرير الوطني. وفي سنة 1955 التحق مباشرة بصفوف جيش التحرير الوطني في جبل زكار، حيث أظهر عبقريته في ميدان العمليات العسكرية والفدائية والتخريبية لمصالح العدو بالجهة. فشارك في العمليات التي عرفتها الناحية في السنوات الأولى من الثورة، ولقد أعجب به آنذاك سي امحمد بوقرة. نظرا لشجاعته وإقدامه وإخلاصه وتكوينه العسكري، حيث كان مقاتلا جريئا ومكافحا مقداما وخاصة بعدما لاحظ ذلك منه مسؤوله في عدة معارك خاضها مع إخوانه المجاهدين، وقد رقي إلى مسؤولية في 1956 ثم عين قائدا للمنطقة الرابعة في سنة 1957، واصل واجبه في الميدان بكل إخلاص وشجاعة. لقد تقلد عدة مسؤوليات عسكرية وبالتحديد الناحية الثانية والمنطقة الرابعة، الولاية الرابعة. ولعل الشيء الذي زاد من تكوين سي بلحسن سياسيا وتوسيع دائرة فكره النضالي هو تردده على مركز التموين بجبل بومعد مع احتكاكه بالمناضلين الصادقين العاملين في هذه المنطقة الرابعة المجاهدة. والذي كان يوصيهم بعدم الرضوخ والانصياع لسياسة طاغية فرنسية. ويصارح الخونة ممن يشتغل لدى إدارة العدو بأنهم سبب البلاء لاعتبارهم من مصاصي الدماء بما يأخذونه من الفقراء من رشاوي وما يفرضونه عليهم من ضرائب وغرائب، وعملهم على تفقير الأهالي. ولقد كان يكلف المناضلين وتراه يزاملهم ويحضر أحيانا في اجتماعاتهم، وكان مثلا أعلى في النضال السياسي والعسكري، ولقد قام بالعمل الضخم والجاد، وكان أيضا نموذجا للمناضلين والحازم المتميز بالشجاعة، عمل أيضا تحت إمارة قائد الولاية الرابعة سي امحمد بوقرة، وكان كثيرا ما يستدعى من طرفهم من أجل أن يستشيروه حول قضاياهم. وعند إعادة النظر في أنظمة جيش التحرير الوطني في مؤتمر الصومام 20 أوت 1956 قام بالتعبئة والتأطير في الناحية الثانية وكلف بمهمة عسكرية في ضواحي المنطقة. وفي يوم من أيام سنة 1957 كشف العدو تحركات المجاهدين في هذا المكان، حيث وصلت الإمدادات العسكرية على الفور ومعها ضباط من جيش العدو الذين شاركوا في حرب الفيتنام وطوقت الجهة كلها تطويقا محكما بإقامة التحصينات ونصب الرشاشات الثقيلة فوق الربى المحيطة بالجهة وفي سفوحها، وشرعت عدة طائرات عمودية فوق المكان لتحصى في شأنه كل شيء عددا. ثم غربت الشمس وانتشر الظلام، فجاءت فصيلة من المجاهدين الشجعان لتحاول فك الحصار حول هذه المعركة الطاحنة وتحرير من فيها لكن أنى لهم ذلك؟ بعد سبق العدو إلى النقاط الإستراتيجية وإقامة التحصينات فيها وتطويق للجهة بأعداد هائلة ورغم كل ذلك فقد وقعت المحاولة ونشب معركة دامت عدة ساعات شاركت فيها عدة أفواج من مجاهدي الناحية تحت قيادة سي بلحسن حيث أمطروا العدو بوابل من الطلقات النارية فأردوهم قتلى وجرحى. فكانت معركة عنيفة بين من كان داخل الحصار وبين من كان خارجه، واشتدت ضراوة المعركة وبدأت النجدات تصل إلى عين المكان، وهكذا إلى أن نفذت العملية ودار حديث بين المجاهدين عن سبب مجيء العدو إلى المكان في ذلك اليوم فهل كان عن وشاية أم كانت دورية عادية لتمشيط المنطقة؟ فلم تكون لديهم معلومات دقيقة، فالله وحده الذي يعلم، لكن سي بلحسن ورفاقه سقطوا في ميدان الشرف سنة 1957 بمنطقة سيدي سميان، فكان منهم من استشهد في هذه المنطقة، كانوا يحاربون عدوا واحدا وهو الاحتلال من أجل هدف واحد وهو تحرير الجزائر لا يهمهم بعد ذلك أين يناضلون، ولا أين يستشهدون، فقد كان شهداء الولاية الرابعة يحملون أسماء مستعارة ولا يهمهم أن يعرف الناس أنهم من هذه الدشرة أو تلك من هذه القبيلة أو أخرى، والكثير منهم افتتحوا حياتهم بتعاطي الفلاحة أوالرعي، كانوا متشبعين بالروح الوطنية، فلم يكن همهم حضوة ينالونها أو منصبا يتولونه، وذلك معنى الفداء والتضحية. المجد والجلود لشهدائنا الأبرار.