مختصّون في علم النّفس وقانونيون يؤكّدون: الإفلاس الأخلاقي وراء قتل الأطفال * العشرية السوداء وتراجع القيم الأخلاقية في مقدّمة أسباب المأساة ما تزال مأساة اختطاف الطفلين (إبراهيم) و(هارون) واغتيالهما بطريقة وحشية في المدينةالجديدة بقسنطينة تلقي بظلالها على الشارع الجزائري الذي لم يستفق بعد من هول الصدمة، خاصّة وأن هذا السيناريو ما يزال متواصلا أمام عجز المصالح الأمنية عن التصدّي بشكل كامل لهذه الظاهرة الجديدة التي أرجعها مختصّون في علم النّفس والقانون إلى انهيار القيم الاجتماعية والإفلاس الأخلاقي وما خلّفته العشرية السوداء من عنف. أجمع مختصّون في القانون على أن ظاهرة اختطاف الأطفال التي عرفتها الجزائر في الآونة الأخيرة تكمن أسبابها بالدرجة الأولى في انهيار القيم الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع الجزائري، لا سيّما بعد العشرية السوداء التي كابدتها الجزائر، والتي ما تزال أثارها ممتدّة إلى غاية اليوم لما خلّفته من عنف معنوي وجسدي، داعين إلى ضرورة مراجعة المنظومة التربوية والاجتماعية والأخلاقية والدينية التي تعتبر الحلّ الوحيد للقضاء على هذه الظاهرة. وبرّر رجال القانون ارتباط العشرية السوداء بهذه الظاهرة بأن مرتكبي هذه الجريمة والعديد من الجرائم الأخلاقية التي استفحلت مؤخّرا، على غرار زنا المحارم، هم من الشباب الذين صادفت مرحلة مراهقتهم فترة العشرية السوداء وانتشار القنوات الإعلامية الأجنبية التي تعرض أفلاما تتّسم بالعنف وانحطاط الأخلاق. العقوبات ليست الحلّ الوحيد في ظلّ استفحال ظاهرة اختطاف الأطفال تزايدت الأصوات المنادية بتطبيق الإعدام في حقّ مرتكبيها حتى وإن عارض هذه الرؤية رجال القانون الذين لم يتّفقوا على إذا ما كان تشديد العقوبة ضد مرتكبي جرائم الاختطاف هو الحلّ (الأمثل) للحدّ من هذه الأفعال الخطيرة، على غرار المحامي حسين بوشينة الذي أكّد في هذا الصدد أن عمليات الاختطاف هي عبارة عن (نزوات انعزالية انتقامية أساسها الانحلال الخلقي)، وأن تشديد عقوبة الجناة (ليس الحلّ الأمثل) للقضاء على هذه الظاهرة. ذات المحامي أوضح أن التجربة العملية أظهرت أنه كلّما (تشدّد العقوبة كلّما تزيد الجرائم استفحالا)، مشيرا إلى أنه سبق للمشرّع وأن شدّد العقوبة المتعلّقة بالمتاجرة بالمخدّرات غير أنها استفحلت وارتفعت عدد قضاياها، وكذا بالنّسبة لقانون المرور حيث تمّ تعديله وأصبح أشبه ما يكون ب (قانون العقوبات) ومع ذلك فإن (نسبة الحوادث لا زالت تتزايد)، وأضاف أن الحلّ الأمثل للقضاء على هذه الظاهرة يتمثّل أساسا في إعادة النّظر في المنظومة التربوية والاجتماعية والأخلاقية والدينية، لافتا الانتباه إلى أن المجتمع المدني يلعب دورا أساسيا في هذا المجال. وعلى النقيض تماما، أكّد الأستاذ صادق شايب محامي لدى المحكمة العليا أن الحلّ الأمثل للقضاء على ظاهرة الاختطاف هو فرض عقوبة (مثالية ومشدّدة) ضد المختطف و(عزله) في السجن دون أن يستفيد من (الإفراج المشروط) مهما كانت الأسباب، من خلال تسليط عقوبة السجن لمدى الحياة عليه، أي (المؤبّد)، دون عقوبة الإعدام، معلّلا ذلك بأن تطبيق عقوبة الإعدام هو إسداء خدمة للمجرم، كما طالب أيضا بتطبيق عقوبة مشدّدة ضد دافع الفدية في حال الاختطاف المتبوع بالفدية لأنه يشجّع بذلك المجرمين على معاودة أفعالهم حتى وإن كانت نيّته تخليص ابنه من أنياب المجرمين. وهو ما ذهب إليه المحامي خالد بورايو الذي طالب بفرض عقوبات (ثقيلة) على الفاعلين حتى يكونوا عبرة لغيرهم، موضّحا أن سياسة فرض العقوبات لابد أن تتطوّر وتتكيّف مع تطوّر الجرائم واستفحالها على غرار الجرائم الأخلاقية. أولياء الأطفال المختطفين بحاجة إلى رعاية من جهتهم، علماء النفس شدّدوا على ضرورة إيلاء اهتمام واسع بعائلات ضحايا ظاهرة الاختطاف، خاصّة الأولياء الذين قد يتعرّضون لأزمات نفسية خطيرة أمام شعورهم بالذنب والتقصير في حماية فلذات أكبادهم من مخالب المجرمين الذين يتميّزون بسلوك مرضي وغير طبيعي ويعملون على زرع الخوف واللاّ أمن في المجتمع ونزع الثقة بين أفراده. في هذا الشأن، أشارت صحراوي عقيلة أستاذة باحثة ومختصّة في علم النّفس العيادي، إلى ضرورة وضع برنامج خاص للتكفّل النّفسي الاستعجالي لفائدة عائلات الأطفال ضحايا ظاهرة الاختطاف يوجّه بالدرجة الأولى للأولياء بغية التخفيف من الانعكاسات السلبية التي تنجم عن ظاهرة الاختطاف (الغريبة) و(الخطيرة)، مشيرة إلى أهمّية اتّخاذ قرارات بيداغوجية صحّية اجتماعية للتكفّل بهذه الظاهرة والبحث عن أسباب هذا المشكل وإيجاد السبل والآليات الكفيلة بمعالجته من جذوره بتظافر جهود الجميع. في حين، أوضحت زينات فطامة مختصّة في علم النّفس، أن ظاهرة الاختطاف تعود بعواقب سلبية نفسية على الطفل والأولياء أوّلا وعلى المجتمع ثانيا، حيث تتسبّب في أزمات نفسية عويصة طويلة المدى وصدمات نفسية معقّدة تستدعي متابعة ومرافقة من قِبل مختصّين لفائدة عائلة الضحايا على وجه الخصوص، كما دعت إلى التكفّل النّفسي والعيادي والأورتفوني بعائلات الضحايا وبموافقة المستفيدين عن طريق المرافقة تشرف عليها فرق عمل تشمل مختصّين أو بتوفير خلايا جوارية وتوفير فضاءات للاستماع والتوجيه لأن الظاهرة تؤدّي -حسبها- في بعض الحالات إلى إصابة الأولياء بانهيار عصبي والإحساس بتأنيب الضمير مع الإصابة بأمراض نفسية عديدة تتطلّب التكفّل بها، كما تسبّبت في زرع (الخوف المستمرّ) بين أفراد المجتمع، خاصّة لدى الأولياء وحتى الأطفال و(غياب الثقة) في التعامل داخل المجتمع الواحد والممكن أن يتسبّب هذا في حدوث (تفكّك في التواصل الاجتماعي)، ممّا يستدعي إيجاد سبل لعلاجه. ومن جهتها، دعت فتّاحين عائشة مختصّة في علم النّفس التربوي، إلى القيام بأبحاث ودراسات ميدانية لمعرفة أسباب هذه الظاهرة التي ربطتها ببعض الآفات الاجتماعية، من بينها تعاطي المخدّرات والانحرافات الجنسية التي شهدها المجتمع في الآونة الأخيرة، داعية إلى ضرورة التركيز أيضا على التدابير الرّدعية في مكافحة هذه الجرائم.