بقلم: نقولا ناصر (تبدو كندا اليوم كمن يزاحم الأمريكيين على مركز الصدارة في الانحياز لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وهذه مزاحمة إن لم يتداركها الشعب الكندي فإنها سرعان ما ستجعل العداء لكندا في العالم العربي موازيا للعداء لأمريكا). تزعم كندا في بياناتها الرسمية أنها متوازنة ومحايدة وموضوعية في سياستها الخارجية تجاه الصراع العربي _ الإسرائيلي في فلسطين، ومع ذلك فإن وزير خارجيتها جون بيرد وجه مؤخرا (إنذارا) للقيادة الفلسطينية يحذرها فيه من (عواقب) أي تحرك لها لمقاضاة دولة الاحتلال الإسرائيلي أمام المحكمة الجنائية الدولية، وكان قد أنذرها بإجراء (مراجعة لكل سلسلة) علاقات بلاده مع (السلطة الفلسطينية) لمنع توجهها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لاستصدار اعتراف منها بفلسطين كدولة مراقبة غير عضو فيها في التاسع والعشرين من نوفمبر الماضي. في تعقيب له على (الإنذار) الأخير، تساءل كبير مفاوضي منظمة التحرير الفلسطينية، د. صائب عريقات، في تصريح مكتوب عن (هذا العداء (الكندي) .. الفاضح والصريح ضدنا) ليرد عليه قائلا إن (من يخشى المحاكم الدولية عليه إلزام إسرائيل بوقف (جرائم .. العنصرية والتمييز) التي ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني الرازح تحت احتلالها والتي (لم تحدث حتى في جنوب إفريقيا) كما قال. وفي تعقيب مماثل على (الإنذار" الأقدم أعربت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، د. حنان عشراوي، عن (دهشتها) لذاك (السلوك) الكندي قائلة إن (كندا تحاول أن تزايد على إسرائيل .. القادرة تماما على الدفاع عن نفسها)، بينما وصف عريقات في حينه كندا بأنها (إسرائيلية أكثر من الإسرائيليين واستيطانية أكثر من المستوطنين) في المستعمرات اليهودية في الضفة الغربيةالمحتلة لنهر الأردن. ومع أن عريقات قال إن حكومة رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر التي تقود انحياز بلاده الأعمى لدولة الاحتلال الإسرائيلي تفقد كندا أهليتها (للعب أي دور في عملية السلام في الشرق الأوسط)، فإن كندا ما تزال ترأس اللجنة المنبثقة عن مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 في أي مفاوضات تجري في المستقبل حول (الوضع النهائي) للاجئين الفلسطينيين. وكان عريقات قد هدد كذلك في نهاية نوفمبر الماضي بعرض (الإنذار) والموقف الكندي على اجتماع اللجنة الوزارية لمتابعة مبادرة السلام العربية في التاسع من ديسمبر الماضي، لكن جدول أعمال ذلك الاجتماع خلا من أي بند يتعلق بكندا، إما لأن قيادة عريقات لم توافقه على طلب إضافته إلى جدول الأعمال أو لأن اللجنة الوزارية العربية خذلته وقيادته في الاستجابة لأي طلب منهم كهذا، أو للسببين معا. فكل الدلائل تؤكد بأنه لا قيادة منظمة التحرير ولا قادة جامعة الدول العربية يملكون الإرادة السياسية لفتح معركة دبلوماسية مع كندا تعيد لسياستها الخارجية توازنها وحيادها وموضوعيتها في صراعهم مع دولة الاحتلال في فلسطين بالرغم من امتلاكهم القدرة على ذلك، وهو ما قد يترك للغضب الشعبي من الانحياز الكندي أن يعبر عن نفسه ربما بطرق غير دبلوماسية. فعلى سبيل المثال، وصف وزير التجارة الدولية الكندي سياق زيارتين له للأردن والسعودية في سبتمبر الماضي بأنه جاء في إطار (خطة التوسع التجاري الأكثر طموحا في التاريخ الكندي)، وكانت اتفاقية التجارة الحرة التي أبرمها مع الأردن وإعادة إطلاق اللجنة الاقتصادية المشتركة مع السعودية مجرد قمة جبل جليد المصالح والاستثمارات الكندية الضخمة في مشرق الوطن العربي ومغربه التي يقول مجلس الأعمال الكندي العربي إنها تستهدف (توسيع الفرص للأعمال الكندية وموظفيها). وهذه المصالح بالتأكيد مدخل موضوعي لمساع عربية حميدة تستهدف إعادة التوازن للسياسة الخارجية الكندية إزاء القضية الأهم للعرب في فلسطين، كأضعف الايمان إذا لم تتوفر الإرادة السياسية العربية لمحاكاة وزير الخارجية الكندي بيرد في إنذاراته وتهديداته بقطع مساعدات بلاده للسلطة الفلسطينية البالغة (300) مليون دولار موزعة على خمس سنوات يذهب معظمها لتعزيز أمن السلطة التي تنسق أمنيا مع دولة الاحتلال الإسرائيلي لتتحول هذه المساعدات عمليا إلى تعزيز كندي لأمن دولة الاحتلال، وإذا حكمنا من اللغة غير الدبلوماسية التي (ينذر) بيرد الفلسطينيين بها فإن هذه المساعدات سوف تتوقف بالتأكيد إذا توقف التنسيق الأمني. إن (دهشة) المفاوض الفلسطيني وتساؤله عن أسباب (هذا العداء) الكندي للفلسطينيين يجد تفسيره في عدم توفر الإرادة السياسية العربية لمحاكاة الوزير الكندي وحكومته في لغتهم أكثر مما يجده في قوة جماعات الضغط اليهودية في كندا التي لا تتردد في ممارسة الضغط على حكومتها دفاعا عن باطل دولة الاحتلال، بينما يفكر العرب مليون مرة قبل أن يفكروا في تقليدها دفاعا عن حق أشقائهم في قضيتهم العادلة في فلسطينالمحتلة. ويتجاوز الانحياز الكندي لدولة الاحتلال في مغالاته انحياز الولاياتالمتحدة لها الذي يفتقد ما يتسم به الانحياز الكندي من صلف وتجاوز للحد الأدنى من الأعراف الدبلوماسية ومن الحساسية السياسية لمشاعر العرب والمسلمين تجاه القضية الفلسطينية. ففي أوائل ديسمبر الماضي مثلا شذت كندا عن الدول الغربية الكبرى الداعمة لإسرائيل ومنها الولاياتالمتحدة في رفضها إدانة إعلان دولة الاحتلال عن خططها لبناء أكثر من ثلاثة آلاف وحدة استيطانية جديدة في مستعمراتها في القدسالمحتلة والضفة الغربية. إن مراجعة سجل تصويت كندا في الأممالمتحدة ضد حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني والاستيطان الاستعماري في أراضيه المحتلة واستعراض معاييرها المزدوجة، مثلا بين امتلاك إيران للتكنولوجيا النووية وبين السلاح النووي الإسرائيلي وبين دفاعها عن حقوق الإنسان في كل مكان في العالم وبين امتناعها عن ذلك في فلسطين، هي حقائق كانت جميعها مخفية والانحياز الكندي وراء تصدر الولاياتالمتحدة في الدفاع الغربي عن الاحتلال الإسرائيلي ودولته. لكن كندا تبدو اليوم كمن يزاحم الأمريكيين على مركز الصدارة في الانحياز لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وهذه مزاحمة إن لم يتداركها الشعب الكندي فإنها سرعان ما ستجعل العداء لكندا في العالم العربي موازيا للعداء لأمريكا.