بقلم: نقولا ناصر لقد تحوّلت علاقات دول الجامعة العربية، وبخاصة الخليجية منها، الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة إلى عبء على القضية الفلسطينية، وإلى أداة ضغط أمريكية على القرار الفلسطيني بدل أن تكون سندا لهذا القرار، وقد منحت هذه العلاقات العربية _ الأمريكية مهلة زمنية كافية منذ بدأت (عملية السلام) برعاية الولاياتالمتحدة في مدريد عام 1991 كي تثبت جدواها دون جدوى حتى الآن في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي وقع عام 1967، وقد حان الوقت كي يبحث الفلسطينيون عن ظهير بديل لهم، وتملك حركة عدم الانحياز إمكانيات توفير بديل كهذا. غير أن قمة حركة عدم الانحياز التي اختتمت أعمالها في العاصمة الإيرانيةطهران يوم الجمعة الماضي كانت فرصة فلسطينية ضائعة لتوفير بديل عن دعم الجامعة العربية، من خلال التعويض بدعم القمة لتحديد موعد لتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على منح فلسطين وضع دولة مراقبة غير عضو فيها عن تردد اللجنة الوزارية لمتابعة مبادرة السلام العربية في الجامعة العربية في تحديد موعد لهذا الغرض قبل ظهور نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر المقبل. وكان تحديد الموعد مطلبا لمنظمة التحرير الفلسطينية من اجتماع لجنة المتابعة العربية في اجتماعها الأخير في العاصمة القطرية الدوحة، لكن اللجنة أجلت البت في تحديد موعد إلى اجتماعها التالي في السادس من سبتمبر الجاري في القاهرة التي سوف يتوجه إليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد مشاركته في قمة طهران. والأرجح أن لجنة المتابعة العربية لن توافق على تحديد موعد للتصويت عندما يودع عباس طلب الاعتراف بفلسطين دولة مراقبة غير عضو فيها بعد إلقاء خطابه أمام الجمعية العامة في السابع والعشرين من هذا الشهر، ليفوض مراقب منظمة التحرير في الأممالمتحدة السفير رياض منصور بتقديم طلب التصويت (في الوقت المناسب)، كما قال وزير الخارجية السلطة الفلسطينية د. رياض المالكي الذي كان مرافقا لعباس في القمة ضمن وفد ضم أيضا كبير مفاوضي المنظمة صائب عريقات ورياض منصور والسفير الفلسطيني في طهران صلاح الزواوي. لذلك كان الجديد الوحيد في دعم قمة طهران للشعب الفلسطيني هو تأليف (مجموعة عمل) لدى الأممالمتحدة في نيويورك للتعامل مع المسائل ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، ليظل دعم الجامعة العربية وحركة عدم الانحياز لهذا الطلب دعما من حيث المبدأ ومجرد مشروع قرار أممي تؤكد كل المعطيات أن تحويله إلى قرار هو أمر ممكن تماما ويمتلك الأصوات الكافية لاتخاذه ولا يحول دون اتخاذه سوى استمرار ارتهان مفاوض منظمة التحرير لرهان جامعة الدول العربية على وعود أمريكية لا توجد أي ضمانات للوفاء بها بعد أن تكرر حنث الإدارات الأمريكية المتعاقبة بوعودها للفلسطينيين. وحتى سفير دولة الاحتلال الإسرائيلي لدى الأممالمتحدة، رون بروسور، قال إن الفلسطينيين يملكون (أغلبية مضمونة) في الجمعية العامة لمنحهم وضع دولة مراقبة غير عضو في الأممالمتحدة.. وسبق لعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واصل أبو يوسف أن أعلن بأن هناك دولا عربية تطالب بتأجيل تحديد موعد للتصويت إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية. وسبق لزميلته في اللجنة حنان عشرواي قولها إن الأمريكيين لم يفعلوا شيئا للوفاء بوعودهم ولذلك (علينا التحرك بسرعة). وسبق لزميلهما الثالث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمود العالول أن أعلن بأن المنظمة قررت الذهاب إلى الجمعية العامة بغض النظر عن (الضغوط والتهديدات) ليستدرك بأن تحديد (موعد) يعود في نهاية المطاف إلى الجامعة العربية مضيفا أنه (بالنسبة لنا ... كلما كان ذلك أسرع كان أفضل). والخلاصة أن ما قال نمر حماد، مستشار عباس، إنه قرار اتخذته (القيادة الفلسطينية) فعلا (ولم يعد موضع نقاش) بالذهاب إلى الأممالمتحدة سوف يظل حبرا على ورق بانتظار قرار فلسطيني جريء (مستقل) حقا عن رهان جامعة الدول العربية على الولاياتالمتحدة. ولا يوجد تفسير لتردد المنظمة في الاستعاضة بدعم حركة عدم الانحياز عن دعم الجامعة العربية لطلبها سوى عدم ثقة قادتها في (شبكة الأمان) المالية التي وعدهم وزراء الخارجية العرب بتوفيرها في حال تحديهم للضغوط عليهم والتهديدات لهم من دولة الاحتلال والولاياتالمتحدة بذهابهم إلى الأممالمتحدة. ودول الجامعة العربية لديها الملاءة المالية لتوفير شبكة الأمان الموعودة، لكنها لا تملك الملاءة السياسية لتوفيرها لأنها في معظمها ملتزمة بالاستراتيجية الأمريكية الإقليمية وب(عملية السلام) التي ترعاها الولاياتالمتحدة خارج إطار الأممالمتحدة من ناحية، ولأن إحدى عشر دولة منها (شريكة) في حلف الناتو الذي تقوده أمريكا من ناحية أخرى، وبالتالي فإنها لن توفر شبكة أمان مالية لأي تحرك فلسطيني تعارضه الولاياتالمتحدة، مما يثير التساؤل عن أهلية هذه الدول لتكون أعضاء في حركة عدم الانحياز. وفي المقابل تملك الدول الأساسية في حركة عدم الانحياز قرارها السيادي والسياسي كي تدعم تحركا فلسطينا تعارضه الولاياتالمتحدة، لكنها لا تملك الملاءة المالية، أو الإرادة السياسية، لتوفير شبكة أمان مالية بديلة لتحرك كهذا. لكن (عملية السلام ليست كلها شأنا ماليا) أو شانا يتعلق ب(النمو الاقتصادي فقط)، فذلك لن (يضمن مستقبلا مستداما) للمنظمة و(السلطة الفلسطينية) المفترض أنها تقودها (إذا لم تكن قادرة أيضا على إحراز تقدم في الهدف السياسي)، كما قال مؤخرا روبرت سري منسق الأممالمتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، الذي خلص إلى أن (السلطة الفلسطينية) نتيجة لذلك، (تفقد الآن بسرعة، في رأيي، شرعيتها في أعين جمهورها)، بينما يحول استمرار الوضع الراهن، الذي لا يبدو أن المنظمة تنوي التمرد عليه، (قطاع غزة إلى مكان لايمكن العيش فيه بحلول عام 2020) كما قال تقرير للأمم المتحدة نشر مؤخرا. غير أن (عملية السلام كلها شأن مالي) كما يبدو بالنسبة لرئيس وزراء حكومة تسيير الأعمال برام الله، د. سلام فياض، الذي كان منشغلا عشية قمة عدم الانحياز في إيران في اجتماع مع محافظ البنك المركزي في دولة الاحتلال ستانلي فيشر في فندق أميريكان كولوني) بشرقي القدس في الخامس والعشرين من الشهر الماضي بحثا عن حل الأزمة المالية الخانقة التي تحاصر حكومته بعد فشل الأخير في مساعدته لذات الغرض لدى صندوق النقد الدولي قبل بضعة أشهر وبعد توقيعه اتفاقا جديدا يمدد العمل ببروتوكول باريس الاقتصادي مع وزير مالية دولة الاحتلال يوفال شتاينيتز آخر جويلية الماضي. ودون التساؤل عن سبب عدم وجود فياض ضمن الوفد الفلسطيني في طهران، فإن المساهمة (السياسية) الوحيدة لفياض في قمة عدم الانحياز مسارعته إلى استغلال إشكال بروتوكولي نتج عن دعوة رئيس الوزراء إسماعيل هنية في غزة للمشاركة في القمة ليحاول تضخيم هذا الإشكال إلى أزمة دبلوماسية مع إيران تحول دون مشاركة الرئيس عباس في القمة، وهذا هو الهدف المعلن لضغوط دولة الاحتلال وراعيها الأمريكي التي قاومها عباس وقرر الذهاب لحضور القمة التي استضافتها الدولة الوحيدة التي تملك الملاءة المالية والسياسية معا لتوفير شبكة أمان بديلة له. لقد أكدت حركة حماس التي يقود هنية حكومتها في غزة تلقي هنية للدعوة الإيرانية من نائب الرئيس الإيراني حميد بقائي، وأكدت رئاسة قمة عدم الانحياز ووزارة الخارجية الإيرانية عدم توجيه دعوة له للمشاركة في القمة، لكن بغض النظر عن صحة أو عدم صحة توجيه الدعوة فإن تسرع فياض ومسارعته إلى وصف دعوة هنية بأنها تطور خطير في الموقف الإيراني، ووصف هذا الموقف بأنه معاد ل(الوحدة الإقليمية) للفلسطينيين، متذرعا بحجة الدفاع عن وحدانية تمثيل المنظمة لشعبها، لم يكن تسرعا مبرأ عن الهوى السياسي في ضوء تجاهل فياض لجهوده الحثيثة منذ عام 2003 لاستبدال المنظمة بسلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود باعتبارها نواة الدولة الفلسطينية المأمولة في إطار (حل الدولتين) الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة الآن، ولا مبرأ ربما عن الهوى الشخصي لأن إيران وجهت الدعوة لهنية ولم توجهها له، ناهيك عن تجاهله لحقيقة احترام إيران للمنظمة وتمثيلها بدليل توجيهها الدعوة لعباس أولا. وكم كان موقف فياض (المعين) سيكون معبرا حقا عن الوحدة الوطنية وعن الحرص عليها لو أنه نصح الرئيس عباس بضم هنية (المنتخب) إلى الوفد الفلسطيني برئاسته، وكم كان الموقف الفلسطيني سيتعزز دوليا بالرسالة القوية التي كان سيبعثها وفد موحد كهذا إلى المجتمع الدولي وقبله إلى الشعب الفلسطيني، بغض النظر عن الشرعية(التمثيلية) المنتهية التي يفتقدها الآن كل القادة والمؤسسات الفلسطينية في طرفي الانقسام.