برغم بناء معظمها على الطراز القوطي متاحف فالنسيا تنطق بعظمة الحضارة الأندلسية نظرا لطول فترة الحكم الإسلامي لمدينة فالنسيا الإسبانية، والتي تصل لنحو خمسة قرون فإن الطابع الأندلسي يبدو ماثلا للعيان، رغم سيطرة الطراز القوطي على بنائها، كما تضم متاحفها العديد من القطع الفنية التي أنتجت بالأندلس خلال عصور السيادة الإسلامية. ومن متاحفها المشهورة المتحف الوطني للخزف، والذي يعرف باسم متحف مانويل غونزاليس مارتي نسبة لهذا الرجل، الذي تبرع هو وزوجته في عام 1947م، بمجموعة كاملة من التحف الخزفية التي شكلت نواة المجموعات الفنية لهذا المتحف. تضم مدينة فالنسيا الأسبانية العديد من المتاحف، ومنها المتحف الوطني للخزف الذي يحتل مبناه الذي كان في الأصل قصرا شيد على الطراز القوطي في عام 1496م، وتم تجديد القصر على يد أحد أحفاد رابسا مشيد القصر، وكان ذلك في عام 1740م، وشملت التجديدات منطقة المدخل الرئيس والواجهات، فضلا عن الزخارف الداخلية للقصر. وفي عام 1941م تم اعتبار القصر من المباني التاريخية العامة، وتمت عملية تحويله لمتحف بتعديلات قام بتنفيذها أجواس بالاسيو دي دوس خلال أربع سنوات انتهت بافتتاح المتحف للجمهور في 18 جوان 1954م. توسعة كبرى أجريت توسعة كبرى للمتحف الوطني للخزف، فيما بين عامي 1969 و 1972م أضيف خلالها جناح جديد للمبنى كما جددت الواجهة لتعطي نمط قصور القرن 19م، وخلال حقبة الثمانينات من القرن الماضي دعمت البنية التحتية للمتحف لتشمل المعامل والمكتبة، ثم أغلق المتحف نحو ثماني سنوات لإعادة تأهيل قاعات العرض وافتتح للجمهور في عام 1998م. ومن المتاحف المهمة أيضا بفالنسيا متحف مركز خدمة الآثار في ضاحية ألمونيا التي تحتفظ بتسميتها العربية القديمة (المنية)، وهو عبارة عن فضاء مفتوح للجمهور من عام 2007م على مساحة 2500م2. ويضم المتحف، بحسب (الاتحاد)، عدة مبان قديمة أعيد تأهيلها بغرض الحفاظ عليها كمساحة متكاملة من زحف العمران الحديث ولتعرض فيها أيضا التحف التي كشفت عنها حفائر تلك الضاحية بين عامي 1985 و2005م، فضلا عن توثيق كامل لعمليات التنقيب، ويضطلع هذا المركز بدور رائد في عمليات ترميم المقتنيات الأثرية. وتعرض في أبنية المركز التاريخية أعداد كبيرة من قطع الخزف الأندلسي توضح ما كانت عليه الفنون الإسلامية من تطور فني وتقني خلال القرون الخمسة التي خضعت فيها بلنسية للحكم الإسلامي. ومن القطع الفنية المهمة بالمتحف الوطني للخزف في فالنسيا طبق من الخزف المرسوم تحت الطلاء الزجاجي، وقد رسمت بوسطه زرافة تسير برشاقة وبفمها ورقة نباتية، ورغم عدم الواقعية في تمثيل الزرافة ولاسيما من جهة رسم رقبتها الطويلة، لكن الرسم لا يخلو من التعبير عن الحركة والحيوية. وقد حرص الفنان على رسم لون جلد الزرافة المرقش مع استخدام عدد قليل للغاية من الألوان، وإلى جانب لمسات طفيفة باللون الأبيض نجد الفنان استخدم اللون الأخضر الفاتح مع اللون الأسود فقط، وللطبق إطار رائع وبسيط عبارة عن أنصاف دوائر رسمت هي الأخرى باللون الأخضر الفاتح. ويعود هذا الطبق لفترة حكم الخلافة الأموية أي أن تاريخ إنتاجه في الفترة بين القرنين الثالث والرابع للهجرة. تقنيات إسلامية في المتحف ذاته بعض أطباق من الخزف ذي البريق المعدني منها ما تم إنتاجه في الفترات الإسلامية المختلفة، ومنها أيضا ما تم إنتاجه وفقا للتقنيات الإسلامية الأندلسية بعد خضوع بلنسية للملوك الأسبان، ويعتقد أن الفنانين الذين أنتجوا تلك الأطباق كانوا من المسلمين الذين أرغمتهم محاكم التفتيش على التنصر فأخفوا إيمانهم، وعرفوا بالمدجنين بينما عرفت فنونهم سواء المعمارية أو الفنية باسم الفن المدجني. ومن أجمل تلك القطع الفنية طبق كبير من الخزف ذي البريق المعدني والذي زخرف جريا على التقاليد الأندلسية باللون الأزرق، إلى جانب لون البريق المعدني الذهبي، وقوام زخرفته خمس مناطق سداسية الأضلاع تتوسط الطبق وهي بلون ذهبي ناصع تحصر بينها مناطق مستديرة تحيط بكل واحدة منها رسوم دوائر صغيرة تشبه حبيبات اللؤلؤ المتماسة، وبوسط كل منطقة رسم وريدة ترسم أحيانا بلون البريق الذهبي وأحيانا أخرى باللون الأزرق وتزدان حافة الإناء برسوم مماثلة من تلك الدوائر. ويبدو التأثير الأندلسي حاسما في المزج بين لون البريق المعدني واللون الأزرق، وكذلك في طريقة الزخرفة التي تراعي التوزيع المتماثل والمتوازن للعناصر مع الاستخدام البارع للزخارف الهندسية والنباتية. أما مركز خدمة الآثار الذي يضم بين معروضاته قطعا فنية كشف عنها في حفائر إقليم فالنسيا فمن بين مقتنياته إناءان من الخزف المرسوم تحت الطلاء كلاهما له مقبضين رشيقين، ولعلهما جرار صغيرة كانت تستخدم للشرب. وتمتاز تلك الأواني التي تعود لفترة سيطرة المرابطين على الأندلس باستخدامها للون الأزرق الفاتح في زخرفة الأبدان الخارجية على خلفية كريمية اللون. وفي الإناء الأكبر منهما قام الفنان بزخرفة منطقة العنق برسوم أنصاف مراوح نخيلية على أرضية باللون الأزرق الفاتح، بينما زخرف البدن الكروي بشريط زخرفي عبارة عن مناطق دائرية متماسة وبداخل كل منطقة رسم باللون الأزرق لورقة نباتية ثلاثية البتلات. أما الإناء الثاني فرقبته حولها شريط زخرفي لرسوم من أنصاف المراوح النخيلية، بينما البدن الكروي مدهون باللون الأزرق، وقد فرغت به رسوم لعقود متجاورة تفصل بينها من الأسفل رسوم زهور نباتية دقيقة الحجم. وبالمركز أيضا بعض القدور الخزفية التي تم ترميمها جزئيا، ومنها قدر طلي بلون أزرق داكن وهو يزدان بزخارف بارزة على هيئة دوائر، والحقيقة أن المركز يعد من أهم مراكز ترميم وصيانة المقتنيات الأثرية بالقارة الأوروبية. دورق صغير من القطع الفنية المهمة التي يحتفظ بها مركز خدمة الآثار دورق صغير يعود لفترة هيمنة خلفاء دولة الموحدين على الأندلس وبلنسية واستخدم اللون البني في زخرفته على أرضية باللون الكريمي، ويبدو واضحا أن بلنسية ظلت تحافظ على تقاليدها الأندلسية في استخدام لون واحد للزخارف على أرضية باللون الكريمي منذ عصر الخلافة وحتى عصر الموحدين قبل أن تسقط بأيدي الفرنجة. وقوام الزخرفة في هذا الدورق كتابات بخط النسخ المغربي رسمت بحروف كبيرة، وهي تحتوي شهادة التوحيد _لا إله إلا الله_ على العنق الذي فقدت حافته بينما بقية الإبريق الصغير تحتوي على شريطين كتابيين متتاليين بهما عبارات دعائية. وللتذكير، فإن فالنسيا هي عاصمة الإقليم الذي يعرف بهذا الاسم في شرق أسبانيا، وهي من أكبر المدن الأسبانية المطلة على البحر المتوسط، والمدينة في الأصل من إنشاء الرومان في عام 139 ق.م، ووقعت في أيدي القوط الغربيين في عام 413م قبل أن يفتحها المسلمون لتكون أهم مدن شرق الأندلس. أطلق المسلمون على مدينة فالنسيا الإسبانية اسم بلنسية حيث كانت ثالث أكبر مدن الأندلس، وبعد سقوط دولة الخلافة الأموية الغربية استولى عليها ملك برشلونة لبعض الوقت، وما لبث عبد الرحمن بن عبدالعزيز حفيد المنصور بن أبي عامر أن أعادها لحظيرة الحكم الإسلامي، وظلت السيادة عليها تنتقل من ملوك الطوائف إلى المرابطين ثم الموحدين حتى سقطت بأيدي الفرنجة في عام 1238م. * في المتحف بعض أطباق من الخزف ذي البريق المعدني منها ما تم إنتاجه في الفترات الإسلامية المختلفة، ومنها أيضا ما تم إنتاجه وفقا للتقنيات الإسلامية الأندلسية بعد خضوع بلنسية للملوك الأسبان، ويعتقد أن الفنانين الذين أنتجوا تلك الأطباق كانوا من المسلمين الذين أرغمتهم محاكم التفتيش على التنصر فأخفوا إيمانهم، وعرفوا بالمدجنين بينما عرفت فنونهم سواء المعمارية أو الفنية باسم الفن المدجني.