قرار دولي غير إلزامي يجمد تنفيذه الإعدام بين الشريعة الإسلامية والقرارات الأممية في 20 ديسمبر 2007م تناقلت وسائل الإعلام خبراً مفاده أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت قراراً غير إلزامي يدعو إلى تجميد تنفيذ أحكام الإعدام تمهيداً لإلغاء هذه العقوبة تماماً، وهذا القرار اقترحته إيطاليا ورعته 87 دولة، وتم اعتماده بموافقة 104 دول ومعارضة 54 دولة وامتناع 29 دولة أعضاء في الجمعية العامة. وصوتت الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين واليابان وسنغافورة والكثير من الدول الإسلامية وبعض الدول النامية ضد القرار وينص القرار على أن تطبيق عقوبة الإعدام (يمس الكرامة الإنسانية، وإنه لا توجد (أدلة دامغة) بأن لهذه العقوبة تأثير رادع وأن أي خطأ قضائي في تطبيقها لا يمكن العودة عنه وإصلاحه). جدل مستمر.. الواقع أن مبررات القرار ليست جديدة وكانت عقوبة الإعدام منذ أمد بعيد محل جدل بين الفلاسفة وفقهاء القانون وعلماء الاجتماع وغيرهم، وقد اختلفت آراؤهم بشأنها إلى مذهبين وتناولتها كتب فقه القانون الجنائي بالتفصيل وأشار إليها بإيجاز المستشار القضائي المصري أحمد موافي في محاضرة مطبوعة بعنوان (نهج الشريعة والقانون في تقرير الأحكام). المذهب الأول ينادي بإلغاء هذه العقوبة، والمذهب الثاني يطالب بالإبقاء عليها. وأوضح المستشار أحمد موافي مسوغات المنادين بإلغاء هذه العقوبة أنهم يقولون: إن حق العقاب تملكه الدولة باسم المجتمع الذي تذود عنه، وتقتضيه ضرورة المحافظة عليه وحمايته، وأن المجتمع لم يهب الفرد الحياة حتى يمكنه أن يحكم بمصادرتها، ولاحتمال الخطأ في توقيع هذه العقوبة، ولا يكون ثمة سبيل إلى إصلاح الخطأ، ولأن عقوبة الإعدام عقوبة قاسية، واستجابت فعلاً بعض الدول لهذا الرأي، وألغت من تشريعاتها عقوبة الإعدام، ثم استطرد المستشار قائلاً (وأما الذين يريدون الإبقاء فيقولون: إن المجتمع الذي قيل: إنه لم يهب الحياة حتى يحكم بمصادرتها، لم يهب أيضاً الحرية حتى يحكم بمصادرتها في العقوبات الأخرى المقيدة للحرية، كما أن احتمال الخطأ موجود في كل عقوبة أخرى، وحالات الخطأ تكاد تكون منعدمة في الإعدام لأن القضاة يتحرجون من الحكم بها ما لم تكن أدلة الاتهام صارخة). ثم قال المستشار إن الشريعة الإسلامية كانت المذهب الوسط بين المذهبين شأنها في كل ما وضعته من أحكام، لا إفراط ولا تفريط فلا هي ترى إلغاء عقوبة الإعدام دائما ولا هي ترى الإبقاء عليها دائماً، لأن الإعدام كإزهاق روح إنسان حي أمر مقصود به في الواقع إرواء عاطفة الانتقام في نفوس أولياء الدم، وإطفاء نار الحقد عندهم، فهو عقوبة فيها معنى الجبر والمماثلة، فإذا صفت نفوس أولياء الدم، واستراحت ضمائرهم، كانت عقوبة الإعدام في ذاتها قاسية، ولم تعد تحقق الغرض منها، وكان الأولى فيها أي عقوبة أخرى، دونها ثم يستطرد المستشار قائلاً إن الشريعة فرضت لجريمة القتل نوعين من العقوبات، عقوبة الإعدام عند عدم عفو أولياء الدم، وأية عقوبة تعزيرية أخرى عند العفو، وما دام العفو يمنع توقيع عقوبة الإعدام وما دام الإعدام لإرضاء عاطفة الانتقام عنده كان طبيعياً أن يكون العفو حقاً لولي الدم، وكان طبيعياً أيضا أن ترفع الدعوى به من ولي الدم. فإذا لم يطالب ولي الدم بالقصاص أي بتوقيع عقوبة الإعدام أو طالب به ثم عفا دخل القتل في دائرة الجرائم الأخرى وكانت عقوبته عقوبة تعزيرية غير الإعدام. وبذلك تكون الشريعة الإسلامية قد حققت بمسلكها في تقرير عقوبة الإعدام وشروط توقيعها منذ أربعة عشر قرناً أسمى ما يسعى فلاسفة القانون لتحقيقه بأن جعلت العفو عذراً قانونياً مخففاً يلتزم القاضي بتطبيقه ولا يملك معه توقيع عقوبة الإعدام، ولم تترك الأمر في يد القاضي إن شاء حكم به وإن شاء حكم بغيره، ويكون هذا هو تفسير قوله تعالى: (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة). فأبقت على عقوبة الإعدام عند عدم العفو لجبر القلوب التي خدشتها الجريمة، ولما في الإعدام من معنى المماثلة، وألغتها عند العفو من أولياء الدم). قسوة العقوبة من وحشية الجريمة وينتهي المستشار إلى القول (أما غير عقوبة الإعدام فيكون في هذه الحالة حقاً لله، ولا يملك ولي الدم فيه عفواً ولا يشترط أن ترفع الدعوى به من ولي الدم). ثم أوضح اختلاف آراء الفقهاء بشأن العقوبة التعزيرية الواجبة لجريمة القتل في حالة العفو إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية فأوجزها كما يلي:- 1- ابن حزم يرى عدم العقاب مطلقاً بعد العفو. 2- قدر الإمام مالك والليث العقوبة التعزيرية بمائة جلدة والسجن سنة، وحجتهما في ذلك قول الله تعالى: (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً، يضاعف له العذاب يوم القيامة، ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب ...) فشبه الله القتل بالزنا، والزنا فيه الرجم على المحصن، وإذا لم يكن محصنا سقط الرجم ووجب جلده وتغريب عام، فيكون الواجب على من قتل فسقط عنه القتل مثل ذلك أيضاَ. 3- يرى أبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، أن الجاني إذا كان معروفاً بالشر فإن للإمام أن يعزره بما يرى، وهو رأي يتمشى مع الفكر في التعزير وأن يكون بما تقتضيه ظروف البيئة والمجتمع. وقبل الختام أرى من المناسب الإشارة إلى أمرين، الأول أن لولي الدم أن يعفو مقابل مال أو مجاناً وقد حرضت الشريعة الإسلامية ولي الدم على العفو بمختلف الأساليب ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى (فمن عفا وأصلح فأجره على الله). والأمر الثاني أن جمهور الفقهاء يرون أن القتل لا يبيح دم القاتل إلا لولي القتيل، فإذا جاء أجنبي فقتل القاتل ولو بعد الحكم عليه بالقصاص فقد ارتكب جريمة قتل متعمد، لأنه قتل شخصاً معصوم الدم في حقه، ولأن من المحتمل أن يعفو ولي الدم على المحكوم عليه فيمتنع تنفيذ الحكم. ولفقهاء الشريعة الإسلامية ثلاثة مذاهب في فهم هذه الآية الكريمة، أوجزها الدكتور محمد المسير الأستاذ في جامعة الأزهر، في مقاله (حق الحياة.. وحق القصاص) والمنشور في مجلة الهلال عدد أفريل 2007، وذلك على النحو التالي: 1 قول سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء وإبراهيم النخعي إن الإمام مخير بين أن يقتلهم ويصلبهم أو يقطع أيديهم، وأرجلهم من خلاف أو ينفيهم من الأرض، يفعل من ذلك ما ينفع الناس ويردع المفسدين. 2 قول مالك وطائفة من فقهاء المدينة إن الأحكام مرتبة باختلاف صفاتهم، فمن كان منهم ذا رأي وتدبير قتله الإمام ولم يعف عنه، ومَنْ كان ذا بطش وقوة، قطعت يده ورجله من خلاف، ومن لم يكن ذا رأي ولا بطش عزر وحبس. 3 _ قول ابن عباس والحسن وقتادة والشافعي وأحمد بأن الأحكام مرتبة باختلاف أفعالهم فمن قتل وأخذ المال قُتل وصُلِب، ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، ومن أظهر السلاح ولم يأخذ المال ولم يقتل عزر بنفيه من بلده إلى بلد آخر. فالغلظة في عقوبة هذه الجرائم كما يقول فقهاء الشريعة تتكافأ مع الغلظة في الجريمة لا من حيث مقدار الفعل الذي وقع منهم، بل من حيث الفساد الذي أوجدوه، والذعر الذي أذاعوه والاضطراب الذي استولى على نفوس الناس، ولذلك فإن الرفق بهؤلاء الجناة هو القسوة بعينها. نعود مرة أخرى إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر خلال دورتها التي عقدت في سنة 2007 والذي يدعو إلى تجميد تنفيذ أحكام الإعدام تمهيدا لإلغاء هذه العقوبة نهائيا، فنقول إن هذا القرار لم يأت بأمر جديد لأن الجمعية العامة للأمم المتحدة سبق أن اعتمدت بقرارها الصادر بتاريخ 15/12/1989، البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بهدف إلغاء عقوبة الإعدام. والقرار الجديد وإن كان غير ملزم للدول الأعضاء، إلا أنه في تقديري يعتبر قرارا باطلا لأنه يتدخل في صميم الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، حيث قررت الفقرة السابعة من المادة الثانية من ميثاق الأممالمتحدة بأنه (ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطات الداخلية لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي على الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق..)، ولا شك أن للدول الأعضاء الحق المطلق في تشريع القوانين الجنائية شريطة عدم الإخلال بالقواعد الأساسية لحقوق الإنسان والمتفق عليها دوليا. ولذلك فقد أصابت جريدة (الاقتصادية) كبد الحقيقة في افتتاحية عددها الصادر بتاريخ 30/12/2007 بعنوان (عقوبة الإعدام بين الإلغاء والإبقاء) عندما قالت (إن موضوعات التشريع الجنائي العقابي وقوانين الأحوال الشخصية ليست ميدانا ملائما لتوحيد أحكامها في دول العالم بخلاف تشريعات التجارة والاستثمار والعمل والتي هي تعبير عن المصالح المالية والاقتصادية وليست انعكاسا لفلسفة الشرائع والأديان وخصوصية المجتمعات، وأن من المستبعد أن تكون هناك نتائج متفق عليها حول إلغاء عقوبة الإعدام حيث تستقل كل دولة بما تراه محققا لأمنها الوطني والذي هو مسؤوليتها وحدها وهي الأقدر على تحقيقه والحفاظ عليه). قصاص.. ومعايير وإذا كانت عقوبة الإعدام مسألة تدخل في صميم الاختصاص التشريعي لكل دولة إلا أن ذلك لا يمنع من وضع المعايير الدولية التي تكفل الحد الأدنى من الحماية القانونية للمواجهين لهذه العقوبة، ولذلك لم يكن أمرا نكرا، أن تدون هذه المعايير في ثلاث وثائق دولية، فالوثيقة الأولى المسماة (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) والصادرة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16/12/1966 تطرقت إلى الضمانات الواجب توافرها بشأن الحكم بعقوبة الإعدام وتنفيذها حيث قررت الفقرة (2) من المادة (6) من هذا العهد الدولي بعدم جواز الحكم بعقوبة الإعدام في البلاد التي لم تلغ هذه العقوبة إلا جزاء لأشد الجرائم خطورة وفقا للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام هذا العهد ولاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، كما لا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة، وقررت الفقرة (4) من المادة نفسها حق كل شخص يحكم عليه بالإعدام التماس العفو الخاص أو إبدال العقوبة ويجوز منح العفو العام أو العفو الخاص أو إبدال عقوبة الإعدام في جميع الحالات، كما لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام وفقا للفقرة (5) من المادة ذاتها على جرائم ارتكبها أشخاص دون الثامنة عشرة من العمر وألا تنفذ هذه العقوبة في الحوامل. والوثيقة الثانية في هذا الشأن صادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي بتاريخ 25/5/1984 بعنوان (ضمانات تكفل حماية حقوق الذين يواجهون عقوبة الإعدام). والضمانات التي نصت عليها هذه الوثيقة هي كما يلي: 1 في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، لا يجوز أن تفرض عقوبة الإعدام إلا في أخطر الجرائم على ألا يتعدى نطاقها الجرائم التي تسفر عن نتائج مميتة أو غير ذلك من النتائج البالغة الخطورة. 2 لا يجوز أن ترفض عقوبة الإعدام في حالة جريمة ينص القانون، وقت ارتكابها، على عقوبة الموت فيها، على أن يكون مفهوما أنه إذا أصبح حكم القانون يقضي بعد ارتكاب الجريمة بفرض عقوبة أخف، استفاد المجرم من ذلك. 3 لا يحكم بالموت على الأشخاص الذين لم يبلغوا سن الثامنة عشرة وقت ارتكاب الجريمة ولا ينفذ حكم الإعدام في الحوامل أو الأمهات حديثات الولادة ولا في الأشخاص الذين أصبحوا فاقدين لقواهم العقلية. 4 لا يجوز فرض عقوبة الإعدام إلا حينما يكون ذنب الشخص المتهم قائما على دليل واضح ومقنع لا يدع مجالا لأي تفسير بديل للوقائع. 5 لا يجوز تنفيذ عقوبة الإعدام، إلا بموجب حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة بعد إجراءات قانونية توفر كل الضمانات الممكنة لتأمين محاكمة عادلة، مماثلة على الأقل للضمانات الواردة في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك حق أي شخص مشتبه في ارتكابه جريمة يمكن أن تكون عقوبتها الإعدام أو متهم بارتكابها في الحصول على مساعدة قانونية كافية في كل مراحل المحاكمة. 6 لكل من يحكم عليه بالإعدام الحق في الاستئناف لدى محكمة أعلى، وينبغي اتخاذ الخطوات الكفيلة بجعل هذا الاستئناف إجباريا. 7 لكل من يحكم عليه بالإعدام الحق في التماس العفو، أو تخفيف الحكم، ويجوز منح العفو أو تخفيف الحكم في جميع حالات عقوبة الإعدام. 8 لا تنفذ عقوبة الإعدام إلى أن يتم الفصل في إجراءات الاستئناف أو أي إجراءات تتصل بالعفو أو تخفيف الحكم. 9 حين تحدث عقوبة الإعدام، تنفذ بحيث لا تسفر إلا عن الحد الأدنى الممكن من المعاناة. والوثيقة الدولية الثالثة كانت بعنوان (مبادئ المنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة) أوصى بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي في قراره الصادر بتاريخ 24 / 5 / 1989 حيث أوصت هذه الوثيقة بأن تقوم الحكومات في إطار تشريعاتها وممارستها الوطنية بوضع الإجراءات الوقائية التي تمنع عمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة، وتجريم هذه العمليات ووضع العقوبات المناسبة على مرتكبيها كما حددت هذه الوثيقة الإجراءات اللازمة بشأن كيفية إجراء التحقيق العاجل والنزيه عند كل اشتباه بحدوث أي عملية من هذه العمليات. والإجراءات القانونية الواجب اتباعها بشأن محاكمة الأشخاص الذين أثبت التحقيق أنهم اشتركوا في هذه العمليات.