يتخلون عن الدراسة ويعملون للظفر بسيجارة التدخين.. قاتل يطارد المراهقين في الجزائر يمر علينا في كل سنة اليوم العالمي لمكافحة التدخين مرور الكرام على الرغم من اتساع فجوة الإدمان على التدخين من طرف مختلف الشرائح العمرية (أطفالا ومراهقين)، وتزامنا مع المناسبة التي مرت علينا منذ فترة قصيرة، ارتأينا فتح النقاش والتقرب من بعض المراهقين بعد أن أضحت السيجارة ديكورا في مؤسساتنا التربوية وبريستيجا بأنامل بعض فتياتنا، من دون أن ننسى التبذير الحاصل بحيث تستنزف السجائر ميزانية كبرى على مستوى الأسر يتم تضييعها في تلك السموم ويتم تحصيلها من طرف المراهقين بكل الطرق والوسائل. اقترن التدخين لدى الأغلبية بمفهوم الرجولة والفحولة، ففي مجتمعنا تدخين أول سيجارة من طرف المراهق يحمل معه إحساسا بالكبر والقدرة على تحمل المشاق والمهام الأسرية، خصوصا في ظل غياب الأب معيل العائلة، وتبلورت تلك الأفكار الخاطئة في أذهان الكثيرين وللأسف مما أدى إلى شيوع التدخين وتفشيه بين فئات المراهقين حتى بات يستنزف مالهم ومداخيلهم البسيطة ويستنزف بعد ذلك صحتهم. مراهقون يروون حكاياتهم مع أول سيجارة تقربنا من بعض المراهقين الذين هم في طريقهم إلى الإدمان على التدخين بعد أن استهوتهم العادة في الأول لتحولهم السجائر فيما بعد إلى عبيد لها فكانت حكايات مختلفة أدت إلى منعرج واحد وهو الإدمان على ذلك السلوك السيء والخاطئ وبدئه في سن مبكرة مما يحول الطفل بعد سنوات إلى مدمن حقيقي على تلك المادة السامة، وما وجدناه أن لكل حكاية خاصة مع أول سيجارة تذوقوها في الأول ليستحلون طعمها فيما بعد. سامي 17 عام قال إنه بدأ التدخين في سن الخامسة عشرة وهو الآن لا يستطيع الإقلاع عنه بحيث يدخن نصف علبة في اليوم، وعن الأسباب قال إن أول سيجارة كانت بسبب معلمة الإنجليزية التي طردته من القسم، وكانت دوما تطارده فما كان عليه إلا الولوج إلى دورة المياه بالمتوسطة ليصطدم بشلة من الأصدقاء كانوا يدخنون وما كان على أحدهم إلا تسليمه سيجارة موضحا دورها في التخلص من توتره وقلقه في تلك الأثناء فتعاطاها وكانت البداية بسيجارة ثم اثنين ليصل الأمر إلى تدخين نصف علبة في اليوم الواحد. أما نجيب 15 عاما فحكايته مختلفة، إذ قال إنه بدأ التدخين بعد فشله في مغامرة عاطفية أوشكت أن تدمر حياته بعد أن تعرف على فتاة وأحبها إلا أنها غدرت به وافترقا وما كان عليه إلا اللجوء إلى السجائر بغية التخفيف من حزنه وصعوبة الفراق. كريم 14 سنة اختلفت حكايته، إذ وبعد وفاة والده اهتز عاطفيا بالنظر إلى صلته الوطيدة مع والده الذي لم يقو على فراقه وكانت أمه تحكي بحرقة، بحيث بدأت تظهر على ابنها سلوكات غير عادية ختمها بتعاطيه السجائر وكان يجبرها على توفيرها له وإلا غادر مقاعد الدراسة فاختارت أسوء الحلين وما كان عليها إلا الخضوع لطلباته ومنحه ثمن شراء السجائر خوفا من مغادرته مقاعد الدراسة. من دون أن ننسى الأطفال ضحايا الطلاق الذين يهب البعض منهم إلى التدخين لنسيان المشاكل حسبهم، منهم الطفل رضا 16 سنة، لم يحتمل طلاق والديه وعيشه مبعثرا بينهما فراح يدخن لعل السيجارة تخفف من آلامه إلا أنه بالعكس زادته ألما كونها الطريق الأول للانحراف بحسب التجارب خصوصا وأن الكثير من المدمنين كانت بدايتهم مع تدخين السجائر العادية التي تحولت فيما بعد إلى سجائر محشوة بأنواع السموم وهي نفس ما يبررون به أفعالهم برمي ثقلهم إلى المشاكل الاجتماعية التي يتخبطون فيها . وعلى العموم وجب أن لا يعالج مشكل بمشكل آخر أعوص من الأول قد يؤدي أكثر إلى التهلكة. السجائر تستنزف المال والصحة معا كشفت إحصائيات حديثة على أن السجائر تستنزف 10 بالمائة من ميزانية الأسر الجزائرية بحيث يلجأ المدخنون إلى توفير المال بكل الطرق خصوصا الأطفال والمراهقون، إذ ثبت أنهم يشرعون في تعلم الآفة في سن العاشرة والثانية عشر من العمر وتكون دورات المياه بالمؤسسات التربوية وجهاتهم المفضلة مما ينذر بخطورة الوضع، بل حتى منهم من يطرق أبواب السرقة والتسول لكي يحصل على ثمن تلك السموم، ومنهم من غادروا أبواب المدرسة لأجل العمل والحصول على عائدات يستنزفونها في اقتناء ذلك السم القاتل خصوصا وأنه يؤدي إلى حمل العديد من السرطانات ويكون الأمر أكثر كارثية إذا شرع فيه الطفل في سن مبكر مما ينذر بشيخوخته وهرمه العاجل. ويؤكد الكل اتساع فجوته بين المراهقين والفتيات خاصة أنه أضحى موضة العصر أو (بريستيج) البعض، بحيث يلجأون إلى فعل كل شيء لأجل الحصول عليه بعد أن تحول إلى إدمان حقيقي لدى فئات واسعة، وانتشرت حتى الشيشة أو (الرنقيلة) كعادة مشرقية بين الفتيات تلك التي لا تقل مخاطرها وتماثل مخاطر تدخين السجائر. مختصون ينذرون بخطورة الوضع كشف مختصون في الصحة أن 15 ألف جزائري يموتون بسبب التدخين وأن عدد المدخنين بلغ 7 ملايين شخص مدخن، فيما تقر منظمة الصحة العالمية بوفاة 6 ملايين شخص سنويا عبر العالم بسبب التدخين الذي أضحى آفة العصر، وعلى الرغم من سلبياته المتعددة نجد الظاهرة في تفش مستمر بين مختلف الفئات، وفي هذا الصدد اتصلنا بالطبيبة النفسانية (ج سليمة) التي قالت إن التدخين هو عادة سلبية تنتقل بين المراهقين، وإذا تسللت السجائر إلى جماعة من التلاميذ فإنها من دون شك سوف تنتقل من تلميذ إلى آخر بسبب حب الاطلاع ومن باب قاعدة كل ممنوع مرغوب، لتضيف أنها استقبلت العديد من الحالات التي يشتكي فيها الأولياء بدخول أبنائهم المبكر إلى ذلك العالم المجهول واكتسابهم تلك العادة السيئة التي تتعدد سلبياتها، في حين تخلو من الإيجابيات في الأصل ، حتى ولو كانت تعكس خطئا مفهوم (الرجلة) لدى البعض، ذلك المفهوم الذي يتبرأ من السلوك المنحرف، وعبرت بالقول إنها وقفت على حالات خطيرة جدا إذ تفرعت عن ذلك السلوك العديد من الصفات السلبية الأخرى كالنرفزة، العصبية، القلق والتوتر لدى فئات المراهقين حسب شكاوي الأولياء، ومنهم حتى من غادر مقاعد الدراسة بغية الحصول على عائدات من أجل صرفها في اقتناء تلك السموم، وكذلك من الأطفال من احترفوا السرقة والتسول لأجل إشباع رغباتهم وتغطية متطلباتهم من السجائر التي تطلب المزيد إلى غاية الوصول إلى درجة الإدمان والفتك بصحة المدخن. وعلى العموم فإن ذلك راجع إلى غياب دور الأسرة وكذلك المدرسة، بحيث تناسى الجانبان معا الدور البارز في توعية الأطفال والأخذ بيدهم لأجل الإقلاع عن تلك العادة السيئة التي اختار أن يبدأها البعض في سن مبكرة وكأنهم اختاروا بذلك تقليص أعمارهم والفتك بصحتهم في أجل قريب خصوصا وأن الإحصائيات كلها تشير بأن هناك المئات من الأطفال الذين يصابون بأمراض خطيرة ومتنوعة من فرط التدخين المبكر، بسبب نقص مناعتهم الصحية.