لحمايته من الاندثار والزوال حرفيات يطالبن بالاهتمام بفن الفخار وتدعيم مشاريعهن يحتضن قصر رياس البحر بالجزائر العاصمة الطبعة الرابعة للمهرجان الوطني لإبداعات المرأة الذي جمع حرفيات في فن الفخار والخزف والفسيفساء والنحت، تحت شعار (أرضي حرية إبداعي) بحيث حلت الإبداعات الأنثوية ضيفة على المعرض، واجتهدت أنامل نسوية لإبراز تلك المكتسبات التقليدية التي امتزجت بين الأصالة والمعاصرة بمشاركة 36 عارضة جزائرية وأجنبية، وضم المعرض حرفيات من ولايات عدة على غرار العاصمة، تيزي وزو، تيبازة، تيارت، عنابة، تلمسان، وتنافست الأنامل الجزائرية مع مبدعات أجنبيات شاركن بتحفهن في المعرض ومثلن كل من إيران وبلغاريا وإسبانيا. اتخذت أغلب العارضات من الطين المستخلص من الطبيعة المادة الأولى في تشكيل تلك التحف الجميلة المستوحاة من أحاسيسهن ودواخلهن وجاء المعرض كفرصة لتكريم الفنانة التشكيلية والمجاهدة عائشة حداد التي أبدعت في ميدان الفنون التشكيلية إلى جانب تكريم الفنانة ويزة باشا التي برزت أعمالها في صناعة الفخار والخزف. وأمثال هؤلاء الفنانات الكبار سيدات كثيرات اخترن ممارسة تلك الفنون الجميلة المعبرة عن أصالتنا وثراتنا واخترن وسائل بسيطة للمحافظة على فن الفخار والاستمرار فيه، ضمتهن بوادي وأرياف في مناطق عديدة وكان الهدف الحفاظ على الصناعة التقليدية في فن الفخار، وهن على الرغم من العراقيل وصعوبة توفير بعض المواد والأعمال المجهدة التي تتطلبها صناعة الفخار أبين الخروج عن تلك الحرف العريقة والتي تعد فخرا لكل الجزائريين. السيدة زرقاوي يمينة 50 عاما حرفية في صناعة الأواني الفخارية من ولاية تيبازة بلدية سيدي سيميان، زاولت الحرفة منذ 10 سنوات قالت إن الطين هو المادة الأساسية في كل مصنوعاتها التي تنوعت بين الصحون الجميلة والقدور إلى جانب الطواجين المستعملة كثيرا في تحضير الخبز التقليدي بأغلب البيوت الجزائرية، وعبرت بالقول إن صناعة الفخار تمر بالعديد من المراحل وتحتاج إلى الصبر الطويل للوصول إلى تلك التحف. نفس ما راحت إليه السيدة خروبي فطيمة من تيبازة التي احترفت صناعة الفخار منذ 6 سنوات ورأت أنه من الواجب العودة إلى تلك المورثات التي بدأت في التلاشي بعد أن عوض الألومنيوم والزجاج الأواني الفخارية، ولم تعد الأواني الفخارية مطلوبة إلا من عند السياح الأجانب واشتكت من عدم توفر الوسائل بحيث لازالوا يعتمدون على وسائل بدائية جدا في صناعة الفخار مما قلص نوعا ما الإنتاج، وجعل مصنوعاتهم لا تخرج عن حدود البيت إلا في حدود بعض الطلبيات، وترى أن الأواني الفخارية أحسن من أواني الألومنيوم وهي صحية أكثر وتبعد الأمراض عن مستعمليها، وقالت إن صناعة تلك الأواني تتم بالحجر الأسود أو(الحجرة الكحلى) على حد تعبيرها، وتكون شعرة الماعز الريشة التي يعتمدون عليها في رسم تلك الزخرفة على الأواني. شريفة بوجمّال 55 سنة داعبت أناملها مادة الطين لأكثر من 10 سنوات بعد أن اختصت في صناعة الفخار، بحيث بدأت الحرفة في سن العاشرة واكتسبتها عن أمها وجدتها، وقالت إن عملية صنع الأواني هي جد صعبة وتتطلب حمل الطين على الأكتاف، ويمر الطين عبر عدة مراحل من أجل تصفيته كما تدخل الأواني الطينية القديمة والتالفة في صناعة الأواني الجديدة أو ما يسمى (التفون). كانت ولاية أدرار هي الأخرى حاضرة بأجنحة المعرض وبالضبط منطقة طمنطيت ومثلتها العارضة خديجة عبد الواحد 35 عاما حرفية في صناعة الخزف، بحيث اختصت في فن الديكور واختارت لمسة خاصة بها وكانت جل معروضاتها تميل إلى الاسوداد وكان فيها تعبير عن البيئة الصحراوية، والسر في ذلك استعمالها الدهن الأسود وقلم الرصاص في مجسماتها التي تخصصت أكثر للتزيين وفن الديكور، وحول نظرتها للحرفة قالت إن هناك إقبالا كبيرا من طرف السواح الأجانب إلى جانب زبائن من مختلف ولايات الوطن وهو ما لاحظته من خلال مشاركاتها في المعارض، وكانت أمنيتها الأخيرة الحفاظ على تلك الموهبة وتوصيلها للأجيال الصاعدة وحمايتها من الاندثار والزوال. زهيرة بن عودة 38 عاما حرفية في صناعة الفخار التقليدي وصاحبة ورشة لصناعة الخزف التقليدي تمكنت من إنشائها في إطار استفادتها من قرض مصغر وهي تنشط منذ ثلاث سنوات وقالت إن الإقبال لا بأس به من طرف الفتيات قصد تعلم الحرفة، كما أوضحت أنها لازالت تعتمد على وسائل بسيطة وأبدعت تحفا رائعة وهي على الرغم من توسع نشاطها رفضت الخروج عن لمسة اليد. وما استنتجناه من خلال تقربنا من بعض الحرفيات أن معظمهن صمدن في وجه العوائق والعراقيل من أجل النهوض بالحرفة خصوصا السيدات البدويات اللائي اعتمدن على وسائل بسيطة من أجل إخراج تلك التحف التي تنوعت بين أواني البيت وإكسسوارات الديكور، بكل عفوية حتى أن معظمهن تعليمهن محدود وكانت تلك التحف وليدة الموهبة الربانية، وعزمن على الحفاظ عليها ونقلها للأجيال كما طالبن بتدعيمهن عن طريق خلق مشاريع لتوسيع فرص العمل والإنتاج في ميدان الصناعات الفخارية. تقربنا من السيد علي قريد مستشار ثقافي ومكلف بالسينوغرافيا على مستوى قصر رياس البحر الذي أوضح في كلمته أن المهرجان الوطني لإبداعات المرأة في طبعته الرابعة اختار أن يبين إبداعات المرأة في ميدان الفخار والخزف وكذلك الفسيفساء والنحت بعد أن اعتمد في الطبعات الماضية على حرف النسيج ثم الحلي ثم الطرز، ويضم المعرض عارضات جزائريات وأجنبيات مما يخلق نوعا من التنافس للرقي بالحرفة ليضيف في نفس السياق أن الفخار وعلى الرغم من أنه حرفة تقليدية محضة ومكسب تقليدي هام للجزائر إلا أن شعار المعرض هو الإبداع بحيث تمزج أغلب المعروضات التي هي من صنع أنامل النسوة بين الأصالة والمعاصرة، إذ نجد بأجنحة المعرض معروضات تقليدية لحرفيات تمت صناعتها بكل عفوية بحيث استنبطت جمالها ورونقها من بساطة البيئة الريفية كما تصطف ببعض الأجنحة تحف أخرى على الرغم من حداثتها حافظت مبدعاتها على اللمسة التقليدية المحضة.