يطل علينا هذه الأيّام هلال رمضان، هلال الخير والبركة، هلال سيِّد الشّهور وأفضلها على مرِّ العصور، شهر القرآن والصّيام والقيام، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً وفضيلة، تُفتَح فيه أبواب الجِنان، وتُغلَق فيه أبواب النِّيران، وتُصَفَّد فيه الشّياطين. شهر المغفرة والرّحمات والعتق من النِّيران، شهر الصّبر والمُواساة، شهر التّكافل والتّراحم، شهر التّناصُر والتّعاون، شهر الفتوحات والانتصارات، شهر تُرفُع فيه الدّرجات، وتُضاعَف فيه الحسنات، وتُكفَّر فيه السيِّئات، شهر المنافسة في الخيرات والطّاعات، قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} المطففين:,26 شهر فيه ليلة خيرٌ من ألف شهر، مَن حُرِم خيرها فقد حُرِم، ومَن نال أجرها فقد فاز وغنم. يقول الله سبحانه وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ...} البقرة:.185 فهو شهر القرآن، جعله الله سبحانه وتعالى متميّزًا على غيره من الشّهور بأنّه أنزل فيه القرآن العظيم؛ دستور هذه الأمّة، يُتلى ويُتَعبّد اللهُ سبحانه وتعالى بتلاوته، ونكسب بذلك الأجر والثواب العظيم. ويقول سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللهُ عزّ وجلّ عليكُم صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ''. فمرحباً بنفحات الجنّة، ورِضَا الرّحمن، فالزّائر قد طالت غيبته، وعظمت مكانته، له في النّفس شوقًا، وكيف لا وهو طريق الجنّة، أجوره مضاعفة، وأعماله مباركة، قال عنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قال اللهُ عزّ وجلّ: ''إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ؛ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ''. فلنتَعَرَّض لنفحات الله تعالى في هذا الشّهر الكريم، ولنعقد العزم من أوّل يوم من أيّامِه أن نكون إلى الله أقرَب وعن النّار أبعد، لكي لا نضيع فرصاً قد أتَت، فلعلَّنا لا نُدرِك رمضان، ولعلّ رمضان يأتي ولا يلقانا، فكَم مِن عزيزٍ كان معنا في رمضان الماضي وهو الآن تحت الثرى. وهذه ثلاث نفحات ربانية، وبشارات نبوية، ينبغي للمسلم اغتنامها والتعرُّض لها: أوّلها، قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ''. ثانيها، قوله صلّى الله عليه وسلّم: ''مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ''. وثالثها، قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ''. فالله الله في الصّيام، والله الله في القيام، والله الله في ليلة القدر.