تضارب شديد يخلص إليه المتقصي لبعض جوانب قضية المقيمين بصورة غير شرعية في الكويت، أو من اصطلح على تسميتهم منذ عقود في الكويت ب(البدون)، وهم عشرات الآلاف ممن تقول السلطة إنهم يمارسون احتيالًا بإخفاء جنسيتهم الأصلية، لكن اتساع رقعة هذه القضية بات يهدد الكويت بتفاعلات دولية. ففي وقت تقول فيه تقارير دولية إن عدد البدون في الكويت هو بين 200 ألف و250 ألف، تؤكد تقارير في الداخل الكويتي أن عدد هؤلاء لا يزيد على 150 ألف فرد، بعدما أسهمت حملة التضييق للسلطات الكويتية، والتحريات الأمنية بكشف الجنسيات الحقيقية للآلاف منهم، بعدما عمدوا من وراء إخفاء جنسياتهم الحقيقية إلى الحصول على الجنسية الكويتية، التي تتيح لهم مزايا ومنحا، لا يحصلون عليها في حال طال أمد أزمتهم. ورغم دخول قضية نحو 150 ألف من بدون الكويت دوامات وخضّات عدة في العقدين الأخيرين، على وقع قرارات ومراسيم بقيت حبرًا على ورق، فإن الثابت حتى الآن أن الحكومة الكويتية، وخلافًا للتخبط السياسي المتكرر في السنوات الماضية، باتت تمتلك رؤية وحلًا عبر تفعيل نصوص قانونية تخصّ فئة البدون، تمهيدًا لحلّ هذه القضية نهائيًا، عبر وضع مسارات جديدة لحلّ هذه القضية بالغة التعقيد، والتي بدأت تحرج الكويت في المؤسسات الدولية، خصوصًا وأن العديد من النخب المثقفة داخل فئة البدون، قد أجرت اتصالات مؤثرة مع فعاليات دولية معنية بحقوق الإنسان، وهو الذي أوجد نوعًا من الضغط الدولي على الحكومة الكويتية لوضع خطة عمل تنهي هذه المأساة الإنسانية. إحدى البدون: لا أعرف، ولا والدي كذلك، وطنًا غير الكويت، ونحن بالكاد حصلنا قبل نحو عام على بطاقة حكومية تعطينا حق الحصول على شهادات الزواج، وشهادات الولادة، وتطعيم أطفالنا في المراكز الصحية الحكومية، إذ كنا قبل ذلك نعيش مأساة إنسانية حقيقية، وسط تراخٍ رسمي، يبدو متعمدًا لحلّ هذه الأزمة الإنسانية. وتؤكد أن السلطة لا تمتلك مشروعًا للحل، وأن السلطة تنظر الى جميع البدون على أنهم يمارسون احتيالًا عبر إخفاء جنسياتهم الحقيقية، والحصول على الجنسية الكويتية، متسائلة عمّا إذا كان معقولًا لمن يمتلك جنسية غير الكويتية أن يحتمل كل هذا العقاب الجماعي، ولا يُخرج جنسيته الأصلية. واقع الحال أن حكومة الكويت قد فرزت عشرات آلاف البدون قبل سنوات إلى فئتين استنادًا إلى قرار مركزي للحكومة الكويتية بالإحصاء السكاني عام 1965 كمعيار أساسي للتقويم. فمن كان يقيم على أرض الكويت وقت إجراء هذا الإحصاء، مشمولًا فيه، واستمر في إقامته بعد هذا العام، اعتبر مستحقًا، ومن يتبعه من الأصول للجنسية الكويتية، بينما على من كل من هو خارج الإحصاء المسارعة إلى تصحيح أوضاعه القانونية، في إشارة ضمنية إلى ضرورة إخراج الجنسية الأصلية، لمعاملته كمقيم بصورة شرعية على أراضي الكويت، لكن المأزق الحقيقي قد تمثل في أن السلطات الكويتية قامت بتعويم لاحق لهذه القضية، عبر الاستنكاف عن تسريع وتيرة تجنيس المستحقين، إضافة إلى عدم تصديها لمن لم يصححوا وضعهم القانوني، وهو ما أبقى القضية معلقة على وقع معاناة إنسانية. فهناك قرار قد صدر في عام 1999 بتجنيس 2000 مستحق للجنسية كل عام، إلا أن ما حصل هو أن دفعة واحدة جرى تجنيسها، فيما خضعت دفعات أخرى للتعطيل، واللعب والتزوير. إذ إن قرار تجنيس ال2000 السنوي بدلًا من أن يكون خاصًا بالبدون، أصبح مدخلًا لتجنيس أبناء جنسيات أخرى، الأمر الذي دفع البرلمان إلى إيقاف قرار تجنيس ال2000، بسبب التلاعب فيه، وهو أمر يفاقم المعاناة الإنسانية، ويترك دليلًا دامغًا على أن السلطة غير جادة في موضوع الحلّ، إذ أنه لو طبّق قرار تجنيس ال2000 منذ عام 1999 لكنّا أمام الانتهاء من ملفات 50 ألف من البدون. يقول أحد الصحفيين إنه قبل عام 1990 كان المُكوّن الأساسي لجهازي الشرطة والجيش الكويتين من البدون بأكثر من 70% من عناصره، لكن حصول بعض الخيانات من قبل البدون سرّع قرارًا حكوميًا بعد التحرير من الغزو العراقي بالتخلص من البدون تدريجيًا. ويلفت الصحافي من البدون إلى مفارقة سياسية مهمة، وهي أن 70% من القوة العسكرية الكويتية، التي اشتركت في تحرير الكويت كانت من البدون أيضًا، لكن هذه الفئة لم تكافأ على إخلاصها وعملها الجليل، ولم تحصل على الجنسية الكويتية، وهو أمر ملفت وصادم، كما يقول الصحافي البدوني، الذي يقول إنه لم يحظ بجنسية يومًا واحدًا، وإنه لو امتلكها لأبرزها فورًا، وحصل على إقامة للعمل في الكويت أسوة بملايين الوافدين في الكويت، بدلًا من معاناة إنسانية أنستنا في مرات كثيرة كبشر لنا حقوق بسيطة لا غنى عنها.