يجذب مقام النبي أيوب الكثير من (أصحاب الحاجات) لاسيما الناس الباحثين عن الصبر على المشاكل التي يعانون منها، واعتاد العراقيون بشكل عام على زيارة المقام بمحاكاة صبر أيوب على مصاعب الحياة. يحرص العراقيون على زيارة العتبات المقدسة والأماكن الدينية في شهر رمضان الكريم، إذ تزور العوائل هذه الأماكن للإفطار أو لقضاء بعض الوقت هناك بعد أن تكون قد أدت الشعائر الدينية التي لا تفوت الصائمين في رمضان. وفي ظل أوضاع أمنية مضطربة، وارتفاع كبير في درجات الحرارة، فإن العائلات العراقية تفضل زيارة الأماكن المقدسة ومقامات الأولياء القريبة منها جغرافياً. وإحدى هذه المقامات التي يزورها أبناء المحافظات الوسطى لاسيما أهالي محافظة بابل (100 كم جنوبي بغداد) مقام النبي أيوب ويبعد أربعة فراسخ عن بابل في الجانب الغربي من الفرات من شرقي الحلّة مركز محافظة بابل. الزائر إلى المكان، يشعر بالبساطة والتلقائية، والقرب من الطبيعة إذ يقع المكان في منطقة تحيط بها المزارع والبساتين. بركات المقام وفي ساحة المقام حيث قصدت المكان العوائل كمكان للتقرب إلى الله والراحة، فإن محمد حسن من أهالي المنطقة يقول إن المكان لم يعد مقصدا للعراقيين فحسب بل يقصده الكثير من الزائرين الذين يأملون في بركات هذا المقام حيث يزورونه ويؤدون الصلاة ويدعون الله عنده أن يحقق لهم أمانيهم وأن يقوّي صبرهم ،لاسيما وأن نبي الله أيوب اشتهر بصبره على الأزمات والشدائد لفترة طويلة من حياته. وفي شهر رمضان الكريم تزداد الحركة إلى المكان ويقصده البعض للإفطار لهدوء المكان وقربه من الطبيعة وابتعاده عن الضجيج. والاقتراب من المكان يكشف عن بناء متوسط الحجم تتقدمه بوابة يعلوها قوس إسلامي كُتب فوقها (مقام نبي الله أيوب)، وتعلو المكان قبة خضراء بيضوية، بناؤها بسيط تعلوه بعض التموجات، حيث يجدد بناؤه بين فترة وأخرى على يد بنائين محليين. وتحيط بالساحة الواسعة، إيوانات مقوسة صغيرة، كما تتوسط المكان بضع شجيرات. وقبل الدخول إلى قلب المقام حيث يوجد الضريح، هنالك مسقف (طارمة) يؤدي بك إلى باب خشبية صغيرة هي مدخل المقام. والمقام، عبارة عن شباك باللون الجوزي قوامه الخشب المصمم على هيئة نقوش. أصحاب الحاجات ويجذب المكان الكثير من (أصحاب الحاجات) كما يقول الخبير في السياحة الدينية عمران حسن، لاسيما وأنه يقع بالقرب من الكثير من الآثار السياحية والمقامات الدينية، ولهذا فإن السائح سوف تتاح له خيارات واسعة لتنظيم برنامج زيارته، فعلى مقربة من المكان هنالك أثار بابل العظيمة التي لا تبعد كثيرا عن المكان. وفي الوقت نفسه، يستطيع الزائر أن يستفاد من وصوله إلى تلك المناطق من زيارة قرية إبراهيم الخليل في ناحية الكفل حيث مقام ولادة النبي إبراهيم الخليل المولود في العام 1900 ق.م وهي القرية نفسها التي شهدت محاولة حرقه والمذكورة في القرآن الكريم. ويروي الزائر توفيق عبد الذي يزور مقام النبي أيوب أنه عرج في جولته أيضا على مرقد الصحابي رشيد الهجري وضريح الإمام زيد بن علي بن الحسين. كما زار مسجد النخيلة الذي صلى فيه الإمام علي بن أبي طالب. وإضافة إلى هذه المزارات، سيكون الوقت مناسبا لكي يستغل السائح زيارته لمرقد النبي أيوب فيزور أماكن تاريخية ودينية أخرى مثل مقام النبي شعيب في محافظة القادسية (193 كلم جنوبي بغداد). طلب الصبر وتفسر الباحثة الاجتماعية أمينة الخفاجي، كثرة لجوء العراقيين إلى مراقد الأنبياء والأولياء إلى مشاعر الإحباط التي تسيطر عليهم بسبب استمرار الاضطراب الأمني، واستمرار نقص الخدمات، مؤكدة أن النساء بوجه خاص في دأب دائم على زيارة المكان طلبا ل (صبر أيوب). ويؤكد رعد الهاشمي ذلك، إذ أنه يزور مرقد النبي أيوب الذي اشتهر بصبره الطويل ليستلهم منه القوة على تحمل مشاكل الحياة والظروف القاسية، ويتابع أزوره أكثر من مرة في السنة وأشعر أنه يمنحني الصبر والسلوان. ولم يسلم المرقد من الأعمال المسلحة، ففي نهاية شهر سبتمبر العام 2011، انفجرت سيارة مفخخة عنده موقعة قتلى وجرحى. وفي زاوية من المرقد يلفت الهاشمي إلى قطعة من الحجر، هي في الأصل قطعة من الزبد، أهدتها قروية إلى المرقد لكنها طمعت فيها لتتحول بقدرة الله إلى حجر صلد. وإضافة إلى هذه الحادثة، فإن الناس تتحدث عن الكثير من كرامات المقام، ومنها شفاء الأمراض وحل العقد المستعصية. بئر أيوب ويضم المرقد أيضا بئراً عميقاً يغلف بطانته الطابوق، وهو البئر الذي فجره الله تحت قدمي النبي أيوب عندما أوحى له الله تعالى (اضرب برجلك هذا مغتسل بارد وشراب). وعند البئر تجمع نحو خمسة أشخاص يغرفون من مائه في أواني بلاستيكية، للاغتسال بها بغية التبرك وإزالة الأمراض. وفي داخل المقام نقرأ تعريفا بصاحب المرقد، حيث تقول اللوحة المخطوطة بخط عربي جميل (هو أيوب بن أموص بن رازخ بن العيص بن نبي الله إسحاق بن نبي الله إبراهيم الخليل). جدير ذكره، أن روايات أخرى تنسب مقامات أخرى للنبي أيوب، ففي سوريا هنالك مقام له في بلدة نوى في محافظة درعا، كما تقول روايات إن قبرا له في جنوب سلطنة عمان في محافظة ظفار.