أليس رمضان محطة روحية قبل كل شيء؟ أليس موسما لحصد الحسنات والعتق من النيران؟ أليس هو فرصة للعبد وفسحة بينه وبين ربه والجنان مفتحة أبوابها طيلة شهر كامل ولسان حالها (يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر)؟ أو ليس في رمضان وجبتان في اليوم فطور وسحور وفرصة للاقتصاد ولم لا الادخار؟ أو ليس هو راحة للمعدة والأمعاء من العمل المضني طوال العام؟ إذن فما مشكلتنا مع رمضان كل عام؟ لما لم نصل بعد لوضع خطة رمضانية كي نصل بأنفسنا إلى مغازي هذا الشهر الفضيل؟، سنتطرق إلى بعض الجوانب الاجتماعية السلبية للصائمين في رمضان. الاقتصاد مريض في رمضان يشرح الكاتب العراقي طلال شاكر الوضعية الاقتصادية للمجتمعات العربية في شهر رمضان بقوله: (وإذا عاينت الحالة الاقتصادية واقتربت من مفرداتها في هذا الشهر الذي تستغرق فيه البلدان والمجتمعات العربية في سبات وتراجع وخسارة اقتصادية سنوية مكررة، تذهب بالمليارات من الدولارات جراء دورة اقتصادية استهلاكية عقيمة وضارة، فالاستيراد في شهر رمضان وقبله يقصم ظهر الميزانيات الحكومية المنهكة التي تستجيب مضطرة لهوى ومتطلبات الوعي الديني المشوش والبسيط الذي حول شهر الزهد والتأمل الروحي إلى كرنفال باذخ وساذج، وفرصة لنشر قيم متردية نحو طعام ومشرب غاية في التطرف والجموح وكأنه رغبة هائجة ومنفلتة نحو ما بدا إشباعا لجوع مستديم ومزمن في النفس العربية، فتقوم الحكومة بدفع مخصصات الدعم الحكومي للحاجات الأساسية وغير الأساسية التي يتوقع زيادة الطلب عليها أو يشح وجودها في السوق أو تسمح باستيرادات ضخمة غير ضرورية تبدد الكثير من الأموال الوطنية من العملات الصعبة في منحى اقتصادي عقيم دون أن يجني المجتمع والبلد منه أية فائدة اقتصادية ترجى فالحركة الاقتصادية الكاذبة التي تبدو للناظر البسيط كحركة اقتصادية نشطة كبيع وشراء وتبادلات سلعية نقدية وانتعاش للسوق المحلية خدعة بصرية زائفة في آلياتها المعقدة، حيث يزداد معدل ارتفاع الأسعار بشكل مفتعل واستغلالي لتلك المواد الغذائية والسلع يترافق مع هبوط مستوى الإنتاج العام مع تبذير واسع للأموال وخسارة للزمن، أما تلك الأرباح الجشعة فيستحوذ عليها أولئك التجار والمضاربون والوسطاء والشركات الطفيلية في حركة غير إنتاجية لا تساهم في تقديم أية ميزة ملموسة لاقتصاديات بلدان تعاني هي أصلا من مشاكل عويصة). ويضيف قائلا: (لا يعرف المواطن البسيط تلك الآثار السلبية المترامية جراء خسارة الوقت وضياع المردود الاقتصادي لمفهوم إنتاجية العمل وقيمتها حين تتلاشى الرغبة في الأداء الوظيفي والمعرفي والإنتاجي الخلاق في كل منشأة معرفية وإنتاجية، المدارس، الجامعات والمعاهد والمعامل والوظائف الإدارية الحكومية التي تعاني الركود والخمول في مختلف نشاطاتها وفي هذا الشهر تتبلد الذهنية مع اندفاع غير واع نحو اقتناء المأكولات والمشروبات والتنوع في إعدادها وتحضيرها بكميات ونوعيات لا ضرورة ولا لزوم لها تقوض مفهوم التوازن الغذائي السليم وتنهك الاقتصاد العائلي). الإسراف.. سلوك سلبي وغير مقبول تقول الأخصائية في علم النفس السيدة لمياء إن هذا السلوك يعود إلى المشاكل التي يعيشها الشعب الجزائري من بطالة وتأخر سن الزواج وعدم الاستقرار والمشاكل العائلية التي لا تنتهي، فرمضان عندما يقبل يرسم الابتسامة وينشر الفرحة في عائلاتنا أي ينسي الهموم لفترة تدوم شهراً، فيصبح عقل الجزائري مركزاً كُليا على معدته وما سيوضع على مائدته مما لذ وطاب. ومن جهة أخرى يعتبر الفرد هذا الشهر الفضيل فرصة ليسرق البهجة التي منعته من تذوقها مرارة الحياة التي يعشيها، فليجأ لتزيين مائدته ليفرح قلبه وهذا راجع حسب رأيها لعدم تربية الآباء لأولادهم على أسس دينية ترتكز عليها شخصياتهم حينما يكبرون، فالطفل في فترة التنشئة الاجتماعية يكرر ما يرى ويسمع وما يعايشه في بيئته، فهو مثل الصفحة البيضاء التي تحتفظ بما يكتب عليها، وبالتالي معظم الآباء المبذرين ينشئون أبناء مبذرين وهذا ليس قانونا عاما وإنما هناك استثناء، أي يمكن أن يسلك الأبناء سلوكا مغايرا لآبائهم بأي يُجنِبوا أبناءهم ما تربوا عليه من سلوكيات خاطئة. وتضيف الأخصائية أيضا أن سببا آخر يدعو لهذا السلوك الرمضاني المتعلق بالتبذير والإسراف وهو ميل بعض الأشخاص لحب الافتخار والتباهي أمام الأصحاب والأصدقاء والجيران بما يملكون وما ينفقون، كدليل على الغنى والكرم وهو في حد ذاته يُعد اضطرابا نفسيًا يحتاج إلى المعالجة وإعادة بناء الشخصية. بريستيج اجتماعي في شهر رمضان نجد المجتمعات العربية تسرف أموالا طائلة على الأكل والشرب الأمر الذي يصل إلى أن يسمى تبذيراً، ونجدهم أيضا غير مبالين بأصناف دنيا من الناس التي قد تبحث في القمامة وبين بقايا الطعام المهدور عن فطور لها بعد الصيام .. وهذا ما يعمق الفجوة الكبيرة بين الفقراء والأغنياء .. أو بين الطبقات المعدومة والطبقات المتوسطة والجيدة .. وإذا حللنا هذه الظاهرة سوسيولوجياً نجد أن التبذير في رمضان هو عادة يظن فيها الشخص المسرف أو العائلة المسرفة أنه من حقه بعد صيام وقت طويل أن يتناول أجود الأطعمة، في حين نجد أن أغلب الطعام لا يؤكل وقد يكون للقطط في الشارع .. كما أن البعض يربط الصيام بالأكل والشرب في حين نجده في غير رمضان قد يبقى يوماً كاملاً بدون طعام ومع ذلك يذهب إلى البيت ليتناول أي شيء موجود لديه .. بالمختصر التبذير في شهر رمضان عادة أو برستيج اجتماعي .. يزيد الفجوة بين الطبقات. تصحيح الصيام بتصحيح الغذاء المشكلة التي وقعنا فيها مع رمضان من وجهة نظر الأطباء ومختصي التغذية تعود أساسا إلى الغذاء الذي دَأبنا على تناوله بطرق خاطئة، أثرت سلبا على مردود الصيام الذي هو صحة في أصله كما أخبر عليه الصلاة والسلام بقوله (صوموا تصحوا)، فيرى الدكتور (فيصل رحال) مختص في الطب التجميلي والتغذية أن معظم الصائمين يجهلون الطريقة الصحيحة للغذاء في رمضان، فبعد ساعات طويلة من الجوع والعطش والحرمان في النهار يهرعون للإكثار من السكريات سريعة الامتصاص والدهون وقت الفطور والحلويات طيلة الليل، وهذا ما يدخلهم في حلقة مفرغة رهيبة من الجوع والتعب في النهار وضعف الطاقة الفيزيائية للجسم والتثاقل في الليل، لذا حسب رأيه يتطلب الأمر حماية الجسم عن طريق قواعد أساسية كي نصوم صياما صحيا خاليا من الأعراض الجانبية التي تنتشر عادة في رمضان، بل اغتنام الفرصة لخسارة الوزن الزائد، وهو أمر ممكن جدا باتباع النصائح والإرشادات والمحافظة على اللياقة والرشاقة فالصيام من الفجر إلى المغرب، إذا استثنينا الأمراض المزمنة والحوامل لا يشكل خطرا على الصحة بل نسبة الغذاء الزائدة عن الحاجة بعد الإفطار هي السبب. الصوم يحفز بعمق عملية تجديد الخلايا إذ يمنح للجسم فرصة للتخلص من السموم والخلايا والأنسجة التالفة.