إن من أبرز المظاهر التي أخذت تنتشر في أوساط الجزائريين طول أيام العام عامة وتحديدا في شهر رمضان هو التبذير والذي ضحى مشكلا يؤرق جميع المهتمين بالظاهرة من المسؤولين إلى أفراد المجتمع على حد سواء، وتبرز هذه الظاهرة جليا في شهر الصيام وبخاصة عند اقتناء الجزائريين لأغذيتهم تحديدا بدون ضابط قدر الحاجة، إلا أن هذا الواقع جعل له مستفيدين تحت شعار "مصائب قوم عند قوم فوائد". إن من أجلى الصفات التي تبرز لدى الجزائري في شهر رمضان هي إقباله على التبذير الذي يفوق حاجته اليومية وبشكل كبير وهذا بالرغم من الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي قد يمر بها خاصة مع تزامن بداية الشهر الفضيل من الدخول الاجتماعي والدراسي، حيث نجد الكثير من الجزائريين مؤسسات وأفرادا يحضرون لأوقات إفطارهم وحتى سحورهم ما يفوق ما يحتاجونه أو حتى ما يريدونه، يبرز هذا في ظاهرة شراء "الخبز" حيث نجد بعض الجزائريين مهووسين بشراء الخبز الذي قد توفره المخابز، وحتى الباعة على الأرصفة في هذا الشهر الكريم من مختلف الأنواع التي قدر يرغب فيها الفرد "مونيس"، "سكوبيدو"، "فوقاس"، "مطلوع".. هذا الشراء الذي يكون أحيانا على وقع الطوابير، وأصوات الشجارات والتدافع. ولكن ما تتأكد منه بأنه عند وضعه على طاولة الإفطار تجد الأسرة وأفرادها لا يأكلون كل ما أحضروه بل قد يعزفون عن بعضها وبذلك نصيبه في أكياس القمامة والمؤسف في هذا كله هو تكرر هذا المشهد يوميا ودوريا... ولكن وسط كل هذا الواقع نجد أناسا بأمس الحاجة إلى دنانير قد تخفف عنهم تعب أيامهم الشديدة أو قد تساهم ولو بقدر ضئيل في تخفيف وقع الدخول المدرسي الصعب، مستفيدين من هذا الواقع. هذا ما اطلعنا عليه في العديد من الأحياء الشعبية بالعاصمة، أطفال يثقلون كالهم بأكياس مستفيدين من تبذير المبذيرن مارين على البيوت أو متوجهين للمزابل بقصد جلب "الخبز اليابس" وإعادة بيعه للموالين أو الوسطاء للموالين بمبالغ زهيدة.. "رحيم" طفل في العاشرة من العمر إلتقينا به بالحراش وهو مع رفيقيه يمر على البيوت طالبا منهم "الخبز اليابس" الخبز الذي كشف لنا بأنه سيعيد بيعه لأحدهم وهو يقوم بجمع الخبز عن عدد من الأفراد بثمن 60 دينار لكيس من 25 كلغ، و 100 دينار لكيس من نوع 50 كلغ وهو بدوره سيبيعها بعد رفع سعرها، يوم الأربعاء بسوق المواشي بالحراش لبعض الموالين الذين يعلفون به مواشيهم وأنعامهم، ولما سألناه عن سبب إقباله على هذا العمل لم يخف علينا بأن الدخول المدرسي لا تفصلنا عنه إلا أيام قليلة، وأن والده العاطل عن العمل لا يستطيع توفير كل لوازم الدراسة لكل أخوته الخمسة وبذلك هو يساهم في التخفيف عن أبيه ولو بالشيء القليل، وقال أنا لا أبيع "الخبز اليابس" طول العام بل في أوقات عندما أكون محتاجا لبعض المصاريف ولكن ما شجعني هذه المرة هو توافره هذه الأيام عند كل باب تطرقه حيث أنني صرت منذ بداية شهر رمضان أجمع ضعاف ما أجمعه في الأيام العادية، وأضاف، وهناك بعض الأسر تعطينا خبزات كاملة وصالحة للأكل ومن كل الأنواع في عديد المرات، وقال ساخرا : "أظن أن الكباش ستتنعم بهذه الأنواع من الخبز". لم نرد أن نفوت فرصة التنقل صبيحة يوم الأربعاء إلى سوق المواشي بالحراش حيث اطلعنا على العديد من مشاهد لأطفال من مختلف الأعمار وحتى شباب يقومون بنقل أكياس كبيرة من الخبز اليابس على حمالات بقصد بيعها للموالين ومربي المواشي. جولتنا قادتنا للتحدث مع "باديس" شاب في 30 من العمر، والذي وجدناه في سيارة شحن والذي كشف لنا بأنه أسبوعيا يتنقل إلى السوق بقصد بيع ما جمعه من "خبز يابس" عن الأطفال الذين يتعامل معهم حيث يحضرون له أكياسا من الخبز ليعيد بيعها، كيس 25 كلغ ب 100 دينار و 50 كلغ ب 150 دينار، وقال. ولكن في شهر رمضان زاد عدد الكمية التي أضحى الأطفال يجلبوها لي، وأضاف: إن الأسر الجزائرية تبذر الخبز كثيرا في شهر رمضان وأكبر دليل على ذلك هو أن عددا لا بأس به من الخبز الذي يحضره الأطفال يكون سليما حتى أنه يكون صالحا للأكل وكأنهم أتوا به من المخبزة وليس من البيوت. من جانبه قال لنا السيد "اسماعيل" ان ظاهرة التبذير على وجه العموم بالشكل الذي نلاحظه اليوم تعتبر جديدة على المجتمع الجزائري، ولذا يجب التنبييه عليها والتحذير من عواقبها الوخيمة على الاقتصاد خاصة وأن عددا لا بأس به من سكان الجزائر يعانون الفقر، وأضاف إن من المفترض على المبذرين والمسرفين لمادة الخبز ان يلاحظوا الفارق الكبير الذي طرأ على سعر الخبز والذي إرتفع عشرة اضعاف خلال عشرين سنة وهذا تغيير كبير في السعر. أما الأنسة "فريال" فنصحت الجزائريين من جانبها أن يقللوا من ممارساتهم الخاطئة في الشهر الفضيل، وان يجعلوه فرصة للقضاء على هذه السلوكات وليس تكريسها والتمادي فيها. فشراء قدر من الخبز أو من أي غذاء بقدر الحاجة كاف لجميع أفراد الاسرة، وبدل من ان يشتروا بأموالهم خبزا يوف يرموه في المزابل فليتبرعوا على الفقراء بتلك الاموال عسى ان تخفف عنهم وطاة الدخول المدرسي المقبل الذي يأتي قبيل عيد الفطر. قد يكون هذا الوقع مؤلما خاصة بالنسبة للأطفال الذين دفعت بهم الحاجة إلى سلوك هذا النشاط من أجل تخفيف بعض المصاريف عن كاهل أوليائهم وأسرهم، ولكنه مشين بالنسبة لأسر وعائلات غدت لا تتحرج من التبذير وتكرار التبذير في شهر فضيل، شهر أنزل الله فيه القرآن الكريم الذي يضم في طياته آية جليلة "إن المبذرين كانو إخوان الشياطين وكان الشيطان بربه كفورا"..