بقلم: د. سعيد اجديرا اللغة العربية هامة جدا في العلوم الشرعية عموما، وفي علم تفسير القرآن المُنزَّل بالعربية والمصدر الأول للتشريع خصوصا. لذا اهتم بها المفسرون لتحديد معانيه والأصوليون لاستنباط أحكامه، اهتماما أكثر من اهتمام اللغويين بها أنفسهم. فقدّم علماء الإسلام عموما، والعلماء في أصول الفقه خصوصا، خدمات أساسية للغة العربية، طوّرتها وجعلتها من أكثر اللغات ضبطا، وسنواصل ما ذكرناه في الحلقة الماضية. علوم اللغة العربية في تفسير القرآن: لمّا كان القرآن مُعجزا بفصاحته وبلاغته وبيانه، لم يكن ممكنا فهْم ألفاظه واستنباط معانيه إلا بالتمكن من لغته وعلومها، نحوا وصرفا وبلاغة ودلالة. فصارت دراستها ضرورية لفهم كتاب الله، لاستخلاص معانيه الصحيحة لا المحَرّفة. لذا اعتنى المفسرون بالناحية البلاغية للقرآن، واهتموا بالكشف عن نواحي إعجازه في نظمه وأسلوبه، واستشهدوا لذلك بما ورد عن لغة العرب من شعر ونثر وأمثال. وجوب تَعلم وتعليم اللغة العربية: لمّا اختار الله نبيه الخاتم صلى الله عليه وسلم عربيا، وكان من السنن أن يكون كتابه بلسان قومه، فإنه لا يمكن التفريط في لغة الكتاب المقدس تَعلُّما وتعليما، لأن معرفة معاني ألفاظه لا تؤخذ إلا منها. فقال ابن فارس عن وجوب تعلُّم العربية: (إن العلم بلغة العرب واجب على كل متعلق من العلم بالقرآن والسنة والفتيا بسبب، حتى لا غِنى بأحد منهم عنه، وذلك أن القرآن نازل بلغة العرب، ورسوله صلى الله عليه وسلم عربي، فمن أراد معرفة ما في كتاب الله عز وجل، وما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل كلمة غريبة أو نظْم عجيب، لم يجد من العلم باللغة بُدّا). وقال الشاطبي أيضا: (لا بد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، فإن كان للعرب في لسانهم عُرْف مستمر فلا يصلح العدول عنه في فهم الشريعة، وإن لم يكن ثَم عُرف، فلا يصح أن يجري في فهمها على ما لا تعرفه، وهذا جار في الألفاظ والمعاني والأساليب). إن معرفة اللغة العربية شرط في فهم القرآن، لأن من أراد تفسيره، وهو لا يعرف لغته التي نزل بها، فإنه لا شك سيقع في الزلل. ومَن زعم أنه قادر على فهم كلام الله من غير معرفة لسان العرب، فقد ادّعى مُحالا. لذا قال أبو الوليد بن رشد في جواب له عمن قال : (إنه لا يحتاج إلى لسان العرب) (هذا جاهل فلينصرف عن ذلك، ولْيَتب منه، فإنه لا يصلح شيء من أمور الديانة والإسلام إلا بلسان العرب، يقول الله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}، إلا أن يرى أنه قال ذلك لخُبث في دينه، فيؤدبه الإمام على ذلك بحسب ما يرى، فقد قال عظيما). اللغويون في تفسير القرآن: لقد أسهم اللغويون في تفسير القرآن، بشكل مباشر وغير مباشر. فاعتنوا بإبراز وتوظيف الأساليب العربية، الواردة في كتاب الله العزيز وفي آياته المعجزة. 1- المشاركة غير مباشرة: غالبا ما يَذكر اللغوي عند تحديد معنى لفظ، الآية التي ورد فيها، إن وُجدت. فتكون حينئذ، المناسبة لتفسيرها به، تفسيرا لغويا مَحضا. 2- المشاركة المباشرة: ظهرت مشاركة مباشرة للغويين في التفسير، من خلال علمين: علم غريب القرآن، وعلم معاني القرآن. فأُلفت فيهما كتب عديدة منها: غريب القرآن لابن قتيبة، وغريب القرآن للأخفش، ومعاني القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام، ومعاني القرآن لابن كيسان، ومعاني القرآن للفراء، وغيرها من الكتب التي اعتنوا فيها ببيان الأساليب العربية الواردة متميزة في القرآن، مع الاستشهاد لها من لغة العرب. الخاتمة: لابُد في الختام من إظهار نتائج هذا البحث، الموجز في كَمِّه والواسع في آفاقه، لأنه مجرد أرضية للتحفيز على أبحاث، تَخدم لغتنا العربية وتضعها في مكانتها اللائقة بها. ومن أبرز النتائج، ما يلي: - اللغة العربية شرفت حَقا، بنزول القرآن العزيز بها. فكان معجزا بها، وحافظا لها على التمام. - إنها صارت من أعظم لغات العالم، بل أعظمها على الإطلاق، سواء بذاتها أو باستعمالاتها. فلْنفخر بها، باعتزاز على الدوام. - إن علومها لازمة في طلب العلوم الشرعية، التي في طليعتها علم تفسير كتاب الله القرآن. فصارت معرفتٌها، معرفة أساسية بالإلزام. - المفسرون في تفاسيرهم للقرآن، يحتاجونها ليس في التفسير فحسب، بل أيضا في ترجيح وتصويب الأقوال التي تُوافِقها في الكلام. - اللغويون في كتبهم باختلاف أنواعها، ركزوا أكثر على معاني المفردات. فكان الفضل في تطوير علومها، يرجع لعلماء الإسلام.