اعتبر الدكتور صالح بلعيد في هذا الحوار مع ''الجزائر نيوز'' أن الأدباء الجزائريين الذين يكتبون باللغة الفرنسية يضيفون لهذا الأدب، وأكد بأن اللغة الأمازيغية هي أكثر اللغات عرضة للتهجين اللغوي نظرا لتدريسها باللاتينية، كما نوه بدور كل من الإعلام والأنترنت والمدرسة في مواجهة التهجين اللغوي في الجزائر، وأشاد بلعيد بدور الفنون عموما والمسرح خصوصا في ترسيخ لغة عربية سليمة، ونفى وجود تخطيط لغوي طويل المدى في الجزائر· كيف تنظرون إلى واقع التهجين اللغوي في الجزائر؟ تعاني الجزائر حاليا من مشكل التهجين اللغوي الذي يظهر من خلال اللغة المتداولة في المجتمع الجزائري، وحتى المجتمع العربي بصفة عامة، ولهذا أصبحت اللغة العربية تعيش أوضاعا انتكاسية بالنظر إلى الواقع اللغوي العربي الحالي الذي نتج عنه هجين لغوي متنام ومطرد، وهذا من خلال الاستعمال والممارسات اللغوية لخليط من الأنماط اللغوية من مختلف لغات الاستعمال اليومي على غرار العربية، الفصحى والدارجة واللغات الأجنبية· هذا الواقع يحتاج إلى مدارسة ووضع حدود لامتداده من خلال انتهاج طريقة مبنية على أسس علمية مدروسة، لأن هذا الواقع ينذر بالخطر ويحتاج إلى حلول للحد منه لأن التهجين يخلق خليطا لغويا ينخر المجتمع من داخله ويقلعه عن موروثاته· ما هي أهم الأسباب التي خلقت واقع التهجين اللغوي في الجزائر حسب رأيكم؟ هناك العديد من المصادر التي خلقت هذا الخليط اللغوي الذي شوه لغة الضاد على يد الأحفاد، ولعل أهم هذه المصادر هو الإعلام بمختلف قنواته بالدرجة الأولى، خصوصا الفضائيات وما تحمله من إبداعات لغوية من خلال وصلات الإشهار، مثلا تأتينا حمولة ثقافية مرنة بسيطة سهلة على الحفظ تعمل جاهزة على الإقناع بما تحمله وباللغة الحاملة لها، وتعمل لغة الإشهار وهذه القنوات على تجاوز المألوف والتحرر إلى حد ما من سلطة اللغة الثابتة، فتعمل على إحداث الكسر اللغوي والانحراف عن سلطة النحو وتلجأ إلى التهجين اللغوي الذي تراه وسيلة لتأدية رسالتها· أما المصدر الثاني للتهجين هو الأنترنت ولغة ''الأرابيش'' التي تعتبر مزيجا من الكلام بالعربية الدارجة والكتابة اللاتينية والرسائل القصيرة التي تحمل في طياتها اقتباضات لغوية وعرفا خاصا في كتابة الرسائل الإلكترونية، إلى جانب دور الأغاني التي تعمل على إيجاد فجوة في التواصل اللغوي، بما تحمله من مزيج من صور الأغاني التي لا يتحكم فيها حسن الأداء ولا انتقاء الكلمات النظيفة ولا ترنيمات الموسيقى الهادئة· وفيما تكمن مخاطر هذا التهجين اللغوي بالنسبة للمجتمع حسب رأيكم؟ يشكل التهجين اللغوي نوعا من الاغتراب الثقافي الذي يؤثر سلبا على توافق الفرد مع محيطه وثقافته ولغته، ويضع التهجين الفرد في عالمين متناقضين، حيث يستخدم لغة الأم ولغة المستعمر في وقت واحد ولغاتا أخرى، ويؤدي هذا إلى هشاشة في التواصل وهو نوع من الاستعمار الثقافي الذهني الأعمى التبعي، كما ينتج لنا جيلا لا يتقن أي لغة· ويؤثر هذا التهجين بحد كبير على لغة أطفالنا وتعني مصير شبابنا الطموح، ومن مخاطره أنه يمكن أن يوقع هؤلاء كأسرى ثقافات غير عربية إذا اعتبروا أن هذا التهجين يحقق لهم التواصل العالمي والأمل في التقدم، فتصبح العربية لديهم حبيسة التخلف على شتى المستويات، لأن هذا التهجين يخلق نوعا من التواصل الاستعماري بامتياز أو استعمار فكري لغوي جديد وهو يحصل في الشعوب المستعمرة لتزيدهم اغترابا عن لغتهم الوطنية وتفكيك وحدتهم الثقافية، كما أنها تخلق الممارسة اللغوية الضيقة والجهوية وأعتقد أن مشاكلنا أعلى من صراعات لغوية· هل ترون أن المدرسة الجزائرية لها دخل في هذا التهجين اللغوي؟ المدرسة الجزائرية تدرّس ثلاث لغات على الأقل في مختلف مستويات الدراسة، ولهذا يجب على المعلمين أن يكونوا قدوة في استعمال لغة واحدة لشرح اللغة التي يدرسها، خصوصا فيما يتعلق باللغة الأمازيغية التي تعتبر أكثر عرضة لهذا التهجين والخليط اللغوي، وبذلك أصبحت لغة أجنبية ثانية لأنها تكتب باللاتينية· وعلى المدرسة إيجاد توازن يتيح للطفل أن يتعلم اللغة الأجنبية كلغة معارف حديثة، وفي الوقت نفسه يتمكن من التفاعل مع مجتمعه ومحيطه باستعمال لغته العربية الأصيلة التي يمكن أن تستوعب الحداثة· وتتحمل المدرسة الجزء الأكبر في محاربة الدخيل بصورة من الصور المسموعة والمكتوبة، وعليها شن حملات تنظيف لغوية في منطوق المتعلمين، بالتحسيس بمخاطر التهجين الذي يعتبر عقوقا لغويا بامتياز واحتقارا لغويا للغة القرآن، إلى جانب ضرورة إبراز جهود جمعيات المجتمع المدني في محاربة هذا الوباء· وما هي الحلول التي ترون أنها كفيلة بالحد من مخاطر هذا الخليط اللغوي في الجزائر؟ هناك العديد من الحلول التي يمكن أن تشكل جدارا لصد امتداد التهجين اللغوي في الجزائر، انطلاقا من ضرورة قيام وسائل الإعلام بالتوعية المستمرة في حث الجماهير على النطق بالعربية الفصحى والاعتماد على لغة الإعلام في الرقي اللغوي لما للإعلام من تأثير على الرائي والمستمع، وحث وكالات الإشهار على العناية بالجانب اللغوي في إنجاز الوصلات الإشهارية وتخصيص حلقات أسبوعية لإجراء مقابلات وحوارات حية مع أفراد مختصين يدرسون المفردات والأساليب المستحدثة وإجراء البحوث الميدانية على لغة المحيط والإعلام وترشيد المعنيين إلى لغة وسطى، وفيما يتعلق بالمدرسة فيجب دعوة المدارس إلى التفعيل اللغوي داخل الأنماط اللغوية السليمة، وأن يكون المعلم قدوة في الاستعمال اللغوي السليم، وتفعيل المكونات اللغوية في لغة الأطفال عن طريق تنظيم نشاطات لغوية بلغة عربية سهلة، إلى جانب إنشاء علاقة صحية وإيجابية بين التلاميذ وبين أعلام اللغة وروادها، بالإضافة إلى معالجة الأساليب المهجنة في لغة العامة والخاصة وفي لافتات الشوارع وفي لغة الإعلام والعمل على تهذيبها ومراقبة الألفاظ الجديدة بصرامة، وكذا توزيع استبيانات سنوية وإجراء سبر الآراء للنظر في التحسين اللغوي· كيف تنظرون إلى واقع اللغة العربية في الوطن العربي بصفة عامة؟ لقد أصبحت اللغة العربية في الوقت الحالي تخضع لضغوط العولمة التي تعتبرها لغة غير منتجة للعلم، وتصفها بلغة التخلف والأموات بسبب غياب العلم فيها وتقاعسها عن رفد اللغة، وبهذا أصبح العرب يتعلقون بالهجين المدر للرداءة اللغوية والعاصف باللغات المحلية خصوصا العربية، وهذا ما خلق الازدواجية اللغوية التي تعني استعمال نظامين لغويين في آن واحد، وهي ظاهرة لغوية اتصالية في الشعوب التي خرجت من الاستعمار وبقيت آثار لغة العدو باقية في التواصل اليومي، إلى جانب وجود الانتقال اللغوي من لغة إلى أخرى، والاحتكاك اللغوي باستعمال مصطلحات وأساليب لغة في قالب لغة أخرى والتداخل اللغوي الذي يحصل بين لغتين تأخذ الواحدة من الأخرى بالإضافة إلى الاقتراض اللغوي، حيث تقترض اللغة الأضعف من اللغة الأقوى· وهل يمكن أن نقول إذن أن العربية ستختفي في يوم من الأيام بسبب هذا الخليط؟ لا أعتقد ذلك، فاللغة العربية وبالرغم من الصعوبات التي تعيشها يوميا إلا أنها ليست لغة نكرة ما بين اللغات، كما أنها من اللغات المرشحة للبقاء في 2050 نظرا لارتباطها بالدين الإسلامي والقرآن الكريم، كما أنها مرشحة لأن تكون لغة علمية كذلك إذا طرأت عليها بعض التغييرات لتطويرها وتقويمها، لكن اللغة لا يقوم على خدمتها إلا أصحابها· نلاحظ في الجزائر لجوء العديد من الأدباء إلى الكتابة باللغة الفرنسية بدلا من العربية، ما رأيكم؟ لجوء بعض الأدباء والكتاب الجزائريين إلى الكتابة باللغة الفرنسية يعتبر نافذة من النوافذ للكتابة، بالرغم من أن العديد ممن يكتبون باللغة الفرنسية يصورون الواقع الجزائري من خلال رواياتهم وقصصهم وكتبهم، وهذا ما لديه نوع من الخصوصية، إلا أن الكتابة بهذه اللغة تضيف للأدب الفرنسي وليس للأدب الجزائري، ونحبذ في هذه الحالة أن ينتقل أدباؤنا إلى الكتابة باللغة العربية· هل ترون أن للفن دور في التحسين اللغوي؟ أظن أن دور الفن في إيصال لغة عربية سليمة وترسيخها للتحسين اللغوي مهم جدا، فالفن يأتي بصفة عفوية وبهذا ينقل اللغة بصفة عفوية كذلك يمكنها أن تساهم بالكثير، خصوصا فيما يتعلق بالمسرح، فالإنجليز تمكنوا من نقل لغتهم الأصيلة من خلال المسرح خاصة مسرح شكسبير، كما يأتي دور المسرح الأساسي من خلال مسرح الأطفال لترسيخ اللغة العربية في أذهانهم منذ نعومة أظافرهم، كما لا يمكن إهمال دور الفنون الأخرى في ذلك· هل تعتقدون أن الجزائر تمتلك تخطيطا لغويا مجديا؟ في اعتقادي التخطيط اللغوي مرتبط بشكل وطيد بالتخطيط الاقتصادي وتنمية المجتمع، ولهذا فالتخطيط اللغوي يبدأ من جانب رجال السياسة ويظهر عبر وزارة التربية والتعليم العالي، ولهذا يمكن ملاحظة أن التخطيط اللغوي في الجزائر ضيق لأنه لا يصب إلا في المدى القصير، ونحن نحتاج إلى تخطيط على المدى المتوسط والطويل، وهنا يكمن دور النخبة في تحقيق ذلك· هل تعتقدون أن الجزائر تعاني من الانحطاط اللغوي، وهل يمكن اعتبار العامية تلوثا لغويا؟ هناك العديد من الممارسات اللغوية التي تشين بالتواصل اللغوي في الجزائر، لكن ليس هناك انحطاط لغوي بمعنى هذا المصطلح، فاللغة ترقت رقيا جيدا ونحن ننظر إليها لما تديره من آليات، كما أنه لا يمكن اعتبار العامية تلوثا لغويا، بل هي لغة في المستوى الأدنى من اللغة الفصحى يجب ترقيتها مثل اللهجة التي تعتبر انزياحا لغويا عمل به من أجل تسهيل النطق·