د. علي محمد الصلابي تحدث الله في القرآن الكريم عن فرعون وعن نفسيته ونريد من القارئ الكريم أن ينظر إلى نفسية فرعون القديم والفراعنة الجدد في عصرنا. إن الله وصف فرعون وصفاً دلّ على شدّة تمكن الإفساد من خلقه ((إنه كان من المفسدين)) [القصص:4] ، فحصل تأكيد لمعنى تمكن الإفساد من فرعون، لأن فعله هذا اشتمل على مفاسد عظيمة. المفسدة الأولى: التكبر والتجبر فإنه مفسدة نفسية عظيمة تتولد منها مفاسد جمّة من احتقار الناس والاستخفاف بحقوقهم وسوء معاشرتهم، وبث عداوته فيهم وخصوصاً إذا كان صاحبها حاكماً أو والياً فيعامل الناس بالغلظة وفي ذلك بث الرعب في نفوسهم من بطشه وجبروته فهذه الصفقة هي أم المفاسد وجماعها. المفسدة الثانية: جعل أهله شيعاً قرب بعضهم وأبعد بعضهم، وتولدت بينهم مفاسد عظيمة من الحقد والحسد والوشاية والنميمة. المفسدة الثالثة: جعل طائفة من أهل مملكته في ذل وصغار واحتقار وعذبهم ونكل بهم ومنعهم من حقوقهم وجعلهم عبيداً للطائفة المقربة لديه. المفسدة الرابعة: اجتهد في قتل أطفال الطائفة المعذبة من الذكور حتى لا يكون لبني إسرائيل قوة من رجال قبيلتهم وحتى يكون النفوذ في الأرض لقومه خاصة وغير ذلك من المفاسد التي ذكرها العلامة محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير. وعندما كان فرعون يستعلي ويتكبر ويتعجرف على بني إسرائيل كانت إرادة الله في تلك الأحداث نريد أن نجعل من بني إسرائيل أمة عظيمة، وينتقم من فرعون وملئه، قال تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) [القصص:5-6] ((ونريد)) جيء بصيغة المضارع في حكاية إرادة مضت لاستحضار ذلك الوقت كأنه في الحال، لأن المعنى أن فرعون يطغى عليهم، والله يريد من ذلك الوقت إبطال عمله وجعلهم أمة عظيمة. قوله: (استضعفوا) فيه تعليل، بأن الله رحيم بعباده وينصر المستضعفين وخصّ بالذكر من المنّ أربعة أشياء عطفت على فعل (نمنّ) عطف الخاص على العام وهي: جعلهم أئمة، وجعلهم الوارثين، والتمكين لهم في الأرض وأن يكون زوال ملك فرعون على أيديهم في نعم أخرى جمّة. إنّ الله تعالى _ من سننه الجارية في الأمم والشعوب والمجتمعات والدول _ إذا أراد شيئاً هيّأ له أسبابه وأتى به شيئاً فشيئاً بالتدرج لا دفعة واحدة، فعندما وصل الظلم إلى أقصى منتهاه ووصل الاستضعاف إلى أسفل نقطة ممكنة، كانت تلك النقطة بداية التمكين لبني إسرائيل، وبدأت قصة التمكين وإنقاذ مشيئة الله عز وجل بالاهتمام بالرضيع في قوله تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه) [القصص:7].