ندا أبو أحمد أخرج البخاري معلَّقًا عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: (إن أخوفَ ما أخافُ عليكم اثنتان: اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصدُّ عن الحق، وأما طول الأمل فيُنسي الآخرة، ألا وإن الآخرة قد ارتحلت مُقبِلة، ألا وإن الدنيا قد ارتحلت مُدبِرة، ولكل واحدٍ منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليومَ عملٌ ولا حساب، وغدًا حسابٌ ولا عمل)، وأخرجه الإمام أحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في المصنف، وعبد الله بن المبارك في كتابه الزهد والحلية. وعن أنس - رضي الله عنه - قال: (التسويفُ جند من جنود إبليس عظيم، طالما خَدَع به). (قصر الأمل: ص141). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (تعوَّدوا الخير، فإن الخير عادة، وإيَّاكم وعادةَ السُّوَّاف من سَوْف أو من سَوْف)، (قصر الأمل: ص 143؛ لابن أبي الدنيا، وأخرجه وكيع بن الجراح في كتابه الزهد، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه). وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (هذا المرء، وهذه الحُتُوف حوله شوارع إليه، والهَرَمُ وراء الحُتُوف، والأملُ وراء الهَرَم، فهو يأمُل، وهذه الحتوف شوارع إليه، فأيها أُمِرَ به أخذه، فإن أخطأته الحُتُوفُ قتَله الهَرَم، وهو ينظر إلى الأمل)، (قصر الأمل؛ لابن أبي الدنيا: ص 33)، وجاء في كتاب (قصر الأمل)، لابن أبي الدنيا كذلك ص67 عن يزيد بن شريك التيمي قال: (خرجنا حُجَّاجًا، فوجدنا أبا ذر بالرَّبَذَة قائمًا يُصلِّي، فانتظرناه حتى فَرَغ من صلاته، ثم أقبل علينا، فقال: هلمَّ إلى الأخ الناصح الشفيق ثم بكى، فاشتدَّ بكاؤه، وقال: قتلني حبُّ يوم لا أُدرِكه! قيل: وما يوم لا تُدرِكه؟ قال: طول الأمل). وكان سلمان الفارسي - رضي الله عنه - يقول: (أُصْبِح على وَجَل (خوف)، وأُمْسِي على وجل)، (قصر الدنيا: ص 112 لابن أبي الدنيا)، وجاء في كتاب (الزهد) للإمام أحمد (2/90) و(حلية الأولياء) (1/206)، و(قصر الأمل)، لابن أبي الدنيا ص (40 - 41)، عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: (ثلاث أعجبتني، ثم أضحكتني! مؤمِّل الدنيا والموت يطلُبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك ملءَ فيه ولا يدري أساخط رب العالمين عليه أم راضٍِ عنه، وثلاثة أحزنتني حتى أبكتني، فراقُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وحزبه والأحبَّة، وهول المَطلَع، والوقوف بين يدي ربي، لا أدري إلى الجنة يؤمَر بي أو إلى النار). وكأن ابن آدم من كثرة ما أمدَّ له الشيطان في الأمل، وأنساه بغتةَ الأجل، وأنساه قرب الموت والرحيل، وكأنه بمأمن من أن ينتقل إلى الرب الجليل، وأنه راحل إليه، وأنه واقف بين يديه - سبحانه وتعالى. ويُروى عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه قام على درج دمشق فقال: (يا أهل دمشق، ألا تسمعون من أخٍ لكم ناصح؟ إن مَن كان قبلكم كانوا يجمعون كثيرًا ويبنون مَشيدًا، ويُؤمِّلون بعيدًا، فأصبح جمعهم بورًا، وبُنيانهم قبورًا، وأملهم غرورًا وزورًا، هذه عادٌ قد ملأت البلاد أهلاً ومالاً وخيلاً ورجالاً، فمَن يشتري منِّي اليوم تَرِكتَهم بدرهمين، وأنشد يقول: يا ذا المؤمِّل آمالاً وإن بَعُدتْ *** منه ويزعُم أن يحظى بأقصاها أنَّى تفوز بما ترجوه ويكَ وما *** أصبحت في ثقة من نَيْل أدناها وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: (ابن آدمَ، طأ الأرض بقدمِك، فإنها عن قليل قبرك، ابن آدم، إنما أنت أيام؛ فكلما ذهب يومٌ ذهب بعضُك، ابن آدم، إنك لم تَزَل في هدْم عمرك منذ سقطتَ من بطن أمك)، (الزهد الكبير للبيهقي: ص 233). وهذا ما كان يقوله لقمان لابنه حيث قال له: (أي بني، إنك من يوم نزلتَ إلى الدنيا استدبرتَ الدنيا واستقبلتَ الآخرة، فأنت إلى دار تُقبِل عليها أقرب من دار تَبتعِد عنها). وقال الحسن البصري - رحمه الله -: (يا ابن آدم، اعلم أنك أيام معدودة، فإذا مرَّ يومٌ مرَّ جزءٌ منك، وإذا مرَّ الجزء مرّ الكل، وأنت تعلم فاعمل). فمِن جهلنا بقيمة الوقت (العمر) نفرح بمَغيب شمس كل يوم، ونحن لا نُدرِك أن هذا نهاية يوم من أعمارنا لن يعود أبدًا؛ صحائف طُويت، وأعمال أُحصيت، وأنفاس تُقرِّبنا إلى الأجل وتُبعِدنا عن الأمل. وكان الحسن البصري يقول أيضًا: (الدنيا ثلاثة أيام، أما أمس فقد ذهب بما فيه، وأما غدًا فلعلك لا تُدرِكه، فاليوم لك فاعمل فيه). وكان أُويس إذا قيل له: كيف الزمان عليك؟ قال: (كيف الزمان على الرجل إن أمسى يظن أنه لا يُصبِح، وإن أصبح ظنَّ أنه لا يُمسِي، فمُبَشَّر بالجنة أو النار). والتقى حسان بن أبي سنان وحوشب، فقال حوشب لحسان: (كيف أنت يا أبا عبد الله؟ قال: ما حال مَن يموت ثم يبعث ثم يُحاسب؟ أصبحت قريب أجلي، بعيد أملي، مسيء عملي). وقيل للربيع بن خُثيم: (كيف أصبحت يا أبا يزيد؟ قال: (أصبحنا ضعفاء ومُذنبين، نأكل أرزاقنا وننتظِر آجالنا). وقال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - في بعض خطبه: (إن لكلِّ سفرٍ زادًا لا محالة، فتزوَّدُوا لسفركم في الدنيا إلى الآخرة بالتقوى، وكونوا كمن عاين ما أعدَّ الله من ثوابه وعقابه، ترغبون وترهبون، لا يطولنَّ عليكم الأمل فتَقسوا قلوبُكم، وتنقادوا لعدوِّكم، فإنه والله ما بُسِطَ أملُ مَن لا يدري لعله لا يُصبح بعد مسائه، ولا يُمسي بعد صباحه، وربما كانت بين ذلك خطفات المنايا، فكم رأيت ورأيتم مَن كان بالدنيا مُغْتَرًّا، وإنما تَقَرُّ عينُ مَن وثِق بالنجاة من عذاب الله تعالى، وإنما يفرح مَن أَمِن من أهوال القيامة، فأما مَن لا يداوي كَلْمًا، إلا إذا أصابه جارح من ناحية أخرى، فكيف يفرح؟ أعوذ بالله من أن آمركم بما أنهى عنه نفسي فتخسرَ صفقتي، وتظهر عوْلتِي، وتبدو مسكنتي في يوم يبدو فيه الغنى والفقر، والموازين فيه منصوبة، لقد عُنيتم بأمر لو عُنيت به النجومُ انكدرت، ولو عُنيت به الجبال لزالت، ولو عُنيت به الأرض لتشقَّقت، أمَا تعلمون أن ليس بين الجنة والنار منزلة؟ وأنكم صائرون إلى أحدهما). وكتب الأوزاعي إلى أخ له فقال: (أما بعد، فقد أُحيط بك من كلِّ جانب، واعلم أنه يُسار بك في كل يوم وليلة، فاحذر الله والمَقام بين يديه، وأن يكون آخر عهدك به والسلام). وقال بعض الحكماء: (كيف يفرح بالدنيا مَن يومه يَهدِم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدِم عمره؟).