ألغى رئيس مصر المؤقت المستشار عدلي منصور زيارته للولايات المتحدة لرئاسة وفد مصر في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرر إنابة وزير الخارجية بدلا منه، مما أعطى مؤشرا على الخشية من مواجهة دولية قد لا تكون في صالحه في ظل عدم اعتراف الكثير من دول العالم بالانقلاب العسكري الذي عينه رئيسا لمصر. وكانت تسريبات صحفية في أوائل شهر سبتمبر الجاري قد أفادت بأن منصور، الذي عُين رئيسا مؤقتا لمصر بعد انقلاب الثالث من جويلية الماضي، سيقوم بهذه الزيارة لشرح التطورات السياسية في مصر وأن ما حدث ليس انقلابا عسكريا وإنما ثورة شعبية ساندها الجيش، وكان ذلك منطقيا باعتبارها أول فرصة أمام منصور للظهور دوليا ومقابلة نظرائه في هذا المحفل الدولي الهام لعل هذا يساهم في تغيير مواقف بعض هذه الدول مما يحدث في مصر. التبرير الرسمي لإلغاء هذه الزيارة جاء على لسان المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية السفير إيهاب بدوي الذي اعتبر أن تكليف وزير الخارجية برئاسة وفد مصر "يأتي في ضوء متابعة الرئيس لمعطيات وتطورات الساحة الداخلية، السياسية والأمنية، وارتباطًا بتنفيذ خريطة المستقبل ومتطلبات المرحلة الراهنة"، مشيرا إلى أن (ارتباطات الرئيس الداخلية حالت دون إتمام هذه الزيارة وجعلت وجود الرئيس في البلاد أولوية على أن يكون خارج البلاد). غير أن هذه الارتباطات الداخلية لم تمنع رئاسة الجمهورية من الإعلان عن زيارة مرتقبة قريبا لعدلي منصور إلى كل من السعودية والإمارات للتعبير عن الامتنان لما قدمته الدولتان الخليجيتان من دعم كان له دور في نجاح الانقلاب على الرئيس محمد مرسي تحت مسمى مساندة ثورة الشعب يوم 30 جوان، وهو ما أعطى انطباعا بأن سلطات الانقلاب في مصر تخشى أن يؤدي ظهور منصور في هذا الاجتماع الدولي إلى الضرر أكثر من الإفادة، ومن الأفضل تجنب ما قد يترتب عليه من آثار. التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب كان له تفسير آخر لهذا، وهو ما ظهر في بيانه الأخير بمناسبة مرور شهر على مجزرة فض اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر، حيث اعتبر أن عدم توجه منصور إلى الأممالمتحدة يأتي إدراكا من قبل قادة الانقلاب لغياب الاعتراف الدولي بسلطتهم، ووصف الانقلاب وكل ما نتج عنه من مؤسسات ولجان وغيرها بأنها باطلة ولا تمثل الشعب المصري. سؤال آخر يتبادر إلى الذهن عن سبب إلغاء منصور زيارته للولايات المتحدة، يتعلق بالمجازر المتتالية التي شهدتها وتشهدها مصر منذ الانقلاب وتعيين رئيس مؤقت، حيث لم يعد خافيا كمّ الدماء التي سالت في مجازر الحرس الجمهوري والمنصة ورابعة العدوية ونهضة مصر ورمسيس وغيرها، فهل يخشى منصور أي تحرك قانوني دولي ضده باعتباره المسؤول الأول عن هذه المجازر التي تمت بأيادي الجيش والشرطة لكن بموافقة منه؟ أم أن السبب حقيقة هو الاضطرابات الداخلية في مصر واستمرار خروج المظاهرات والمسيرات المنددة بالانقلاب والمطالبة بعودة الشرعية، مما يمثل حرجا دوليا لسلطات الانقلاب التي جاءت بمنصور رئيسا، فضلا عن استمرار المواجهات في سيناء والتي كشفت تسريبات إعلامية عن انتهاكات ترتكبها قوات الجيش والشرطة هناك بحق مدنيين لا علاقة لهم بالمسلحين والجماعات الجهادية التي يقول الجيش إنه يقود حملة لتطهير سيناء منها؟ أيا كانت الأسباب التي دفعت رئيس مصر المؤقت لإلغاء زيارته هذه، فإنها تعكس حالة من التخبط لدى سلطات الانقلاب، وعدم الثقة في الموقف الدولي مما يحدث في مصر منذ الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي.