في الوقت الذي استقبل فيه الكثيرون براحة كبيرة خبر القضاء النهائي على الأسواق الموازية والفوضوية بناء على التعليمة القاضية بتحرير الشوارع من طاولات البيع الفوضوية، فإن آخرين استقبلوا الخبر بحزن كبير، نظرا لما كانت توفره لهم هذه الأسواق من اختيارات وأسعار تنافسية، حيث كان المواطن الجزائري العامل الأول لانتشار واستمرار تلك الأسواق الفوضوية نظرا لإقباله الكبير عليها، على حساب الأسواق والمحلات التي تنشط بصفة شرعية. وإذا كان كثير من المواطنين يبررون إقبالهم على الأسواق الموازية بالأسعار المغرية التي يجدونها فيها، والتي لا تتوفر لهم في بقية الفضاءات التجارية فإنهم وجدوا أنفسهم الآن أمام الأمر الواقع، وهم إن كانوا في بعض الأحيان قد اشتكوا طويلا من الفوضى، ومن تكرر حوادث السرقة والاعتداءات والاكتظاظ الذي كان يطبع تلك الأسواق، غير أنهم ينظرون الآن إلى أماكنها الشاغرة بكثير من الحسرة والألم. فعلى مستوى باش جراح الذي كان السوق الفوضوي المتواجد بها أول من طبقت فيه هذه التعليمة، فتحررت شوارعه من عشرات الطاولات التي كانت تشكل إلى وقت قريب جدا ديكوره الأساسي، عبر عدد من المواطنين عن راحتهم وأسفهم في نفس الوقت، راحتهم من الفوضى والاكتظاظ، وأسفهم على ضياع الكثير من السلع الاستهلاكية بأسعار تنافسية للغاية. كما عبر عدد من المواطنين عن قلقهم حيال مصير الشبان الذين كانوا يشتغلون على تلك الطاولات ومدى إمكانية حصولهم على مصادر رزق أخرى توازي ما كانوا يحصلون عليه من تجارتهم في هذا السوق، خاصة وأنه كان يعرف إقبالا كبيرا من طرف المواطنين طيلة أيام الأسبوع. من جهة أخرى تخوف آخرون من أن يكون لتطبيق قرار القضاء النهائي على الأسواق الفوضوية أثر سلبي من حيث تزايد حالات الاعتداءات والسرقة، كما تخوف البعض أيضا من غلاء الأسعار ومضاعفتها من طرف أصحاب المحلات والمراكز التجارية، مادام أن المواطن حاليا صار مجبرا على التوجه إليها لاقتناء كل ما يحتاج إليه سواء كان أفرشة أم ملابس أم أواني وغيرها من المواد التي كانت متوفرة في السابق أمامه على الرصيف بسعر التراب، كون أصحابها غير مطالبين بدفع شيء، على عكس أصحاب المحلات الذين تنتظرهم الكثير من المصاريف، وليس لديهم من حل لتسديدها غير الرفع من قيمة السلع التي يعرضونها. وبالجهة المقابلة، شكل قرار القضاء النهائي على الأسواق الفوضوية بالنسبة لبعض المواطنين ضربة قاضية تلقوها أكثر من التجار المتضررين أنفسهم، وفي هذا الإطار قالت إحدى السيدات التي اعتادت التنقل إلى سوق باش جراح مرات كثيرة في الأسبوع، إنه صار اليوم مكانا خاليا ولم تعد تميزه تلك الحيوية التي كانت موجودة فيه سابقا، فعلى الرغم من أن الطريق صارت واسعة وصارت حركة المرور ممكنة للراجلين ولأصحاب السيارات معا، كما أن الهدوء عاد إلى قاطني الأحياء المتواجدة فيه وغيرها من المزايا الأخرى، غير أنه بالنسبة إليها لم يعد باش جراح الذي عرفته سابقا، مضيفة أن المتضرر الوحيد هم المنتمون إلى الطبقة البسيطة والفقيرة ممن ستجد نفسها عاجزة عن توفير حاجياتها مستقبلا إلا بشق الأنفس، في ظل الارتفاع الرهيب الذي تشهده أسعار مختلف المواد. ونفس الأمر يقاس على بقية الأسواق الأخرى، كبومعطي ومارشي 12 وساحة الشهداء وغيرها، لتطوى بالتالي إلى الأبد أزمة انتشار الأسواق الفوضوية، وتتحرر الشوارع من الضغط الكبير الذي كانت تتكبده مع مطلع كل شمس، ولا ترتاح منه إلا لتعود إليه من جديد.