طرقات تتحول الى حلبة صراع بين السائقين الازدحام المروري هو واقع يطبع يوميات كل الجزائرين، فبعد أن كان يقتصر على المناطق الكبرى والشوارع الرئيسية، أضحى الآن الطابع الغالب على معظم مناطق الوطن، ولم يعد مقتصرا على ساعات دخول أو خروج الموظفين، فالازدحام المروري حالة متواصلة على مدار اليوم، مما أدى الى حالة اختناق كبيرة خاصة في الولايات الكبرى كالعاصمة، والأخطر هو الأمراض النفسية والجسدية التي باتت تطارد الجزائريين جراء الساعات الطويلة التي يقضونها في الطرقات عالقين في الازدحام لأجل غير مسمى.. س. بوحامد يعد ازدحام السير مشكلة كبيرة عالمياً ومحلياً ولها مردودات سلبية كثيرة على الصحة الجسدية والنفسية وعلى السلوك والعائلة أيضاً، ويشكل خطراً في حالات الطوارئ مثل حالات الحمل والولادة وأمراض القلب والحوادث، فضلاً عما يسببه من تلوث للبيئة بسبب عوادم السيارات وآثارها على الصحة. وفي الجزائر تحول الازدحام الى كابوس يطبع يوميات المواطنين بلا استثناء، فالكل متضرر سواء السائقين أو الراجلين او حتى شرطة المرور، فالشوارع والطرقات لم تعد تقوى على هذا الحمل الكبير، فالمركبات أضحت أكبر من أن تسعها الشوارع رغم كل مشاريع توسعة الطرقات، فالأمر يزداد حدة يوما بعد آخر، فأينما تلفتنا تواجهنا حالة اختناق شديدة، وهذا ما أدى الى تضاعف حالات المخالفات المرورية المرتكبة من السائقين الذين يحاولون مرار مراوغة الازدحام، حتى باستعمال الأرصفة من اجل العبور.. بل أن البعض منهم لجأ الى الخروج لوسط الطرقات من أجل تنظيم حركة المرور في بعض المناطق التي تعرف اختناقا كبيرا وغيابا لشرطة المرور، فلقد تحول بعض السائقين الى شرطي مرور خاصة في ساعات المساء، اين يبلغ الازدحام الذروة الكبرى في بعض المناطق، حتى أنه يصل الى الطرقات السريعة والأنفاق.. وبعض الطرقات تتحول الى نقاط سوداء مرعبة، بداية من الساعة الثالثة، فلا عبور منها إلا بشق الانفس، وبعد الخامسة فلا أمل من الخروج من دائرة الازدحام، فكل الطرقات الرئيسية والفرعية تصبح مغلقة عن آخرها، وهنا فقط تتحول هذه المناطق الى حلبة مفتوحة للصراع بين السائقين حتى أن شرطة المرور تقف في أغلب الأحيان عاجزة عن الحيولة دون تطور الأمور الى الأسوأ، إلا أن المشكل يزداد حدة يوما بعد آخر والمسلسل المرعب الذي تحتضنه الطرقات لا تنتهي حلقاته، ولا يبدو أنها ستنتهي قريبا.. آثار سلبية لا تستثني أحداً يقول (محمود) موظف في مصلحة إدارية، إن تأثيره في العمل وفي أغلب مواعيده يكون بسبب بطء حركة السير الناتج عن الازدحام المروري، الذي يسبب بدوره انفعالات عصبية ونفسية وقلقاً خلال ساعات الانتظار وأوقات العمل، وما يتبعه أيضاً من تأثير في الجسد بسبب الضغط على العظام وفقرات الظهر مما ينتج عنه آلام في القدم والرقبة، إضافة إلى التعرض لبعض المتطلبات في حالة اصطحاب الأطفال مثل الجوع والرغبة في التبول والبكاء. كل هذا يحتاج إلى التدخل السريع والوصول للأماكن وعدم التوقف في مكان واحد لفترات طويلة، كما أن الازدحام يحد من اللجوء السريع إلى المستشفيات في الحالات المرضية. وأشار إلى أن الطرق المتفرعة من الرئيسية تتعرض أيضاً إلى الازدحام بسبب محاولة هروب السائقين إليها لتجنب الكم الهائل من السيارات المنتظرة. أما (سمية)، معلمة بإحدى المتوسطات بالعاصمة، فتقول إن الازدحام يؤثر في كبار السن من حيث إنهم سريعو التوتر، ويدفع الشباب إلى التهور في الطرقات للهروب منه، أما النساء فيصبن بالقلق والاكتئاب الذي يعتبر خطراً على الحامل وعلى صحة جنينها بسبب تعرضها للتلوث الهوائي الناتج من عوادم السيارات الذي يشكل ضرراً كبيراً على الغلاف الجوي والجهاز التنفسي ويسبب أمراضاً عديدة مثل التهاب الجيوب الأنفية. وأضافت إن الأطفال عند الانتظار لساعات يشعرون بالملل الذي تنتج عنه انفعالات ويبدأون بالصياح، مما يجعله يسهم في شد الأعصاب ومحاولة التهرب من الازدحام وقد تنتج عنه حوادث مثل التصادم نتيجة عدم التركيز. وعن تجربتها مع الازدحام قالت منى طالبة جامعية (إنه يزيد من توتري ويجعلني في حالة عصبية، والجلوس لفترات طويلة يسبب لي شداً عضلياً وبالتالي أشعر بالآلام في الأرجل والكتفين، كما أن الانتظار من دون حراك يصيبني بالنعاس الذي يؤدي بدوره إلى عدم الاتزان والتركيز مما يجعلني أتعرض لحوادث مرورية عديدة. الازدحام وآلام الظهر يقول الدكتور أحمد استشاري جراحة العظام والمفاصل، إن هناك من يقودون السيارات ساعات طوالاً ويجب عليهم معرفة الوضعية الصحيحة في الجلوس عند القيادة، فهناك عادات غير صحيحة مثل التركيز على الطريق والانحناء إلى الأمام بالظهر مما يؤدي إلى إرهاق العضلات، وفي هذه الحالة ينصح بوضع مسند صغير أسفل الظهر ليريح العضلات ولا يتسبب في شدها مما يؤدي إلى تشنجها. وأضاف الدكتور بأن غالبية الناس لا يمارسون التمرينات الرياضية التي تعتبر مقوّماً أساسياً للصحة الجيدة، وأهمها المشي وتمرينات الظهر لأنها تزيد من اللياقة والمرونة للجسم ولا تجعل القيادة تحدث إرهاقاً للعضلات والجهاز الحركي. كما يجب أيضا التنبه إلى أن الغذاء الصحي يمثل عاملاً أساسياً لصحة الجسم والعظام ويجب أن يحتوي الطعام على العناصر الأساسية من الفيتامينات والأملاح وتقليل النشويات قدر الإمكان. الأطفال والرضع أكثر المتضررين من جانبها قالت سعاد اختصاصية طب الأطفال، إن الازدحام المروري وما يترتب عليه من عوادم سيارات وأتربة قد يتسبب في إيذاء الأطفال، خاصة المصابين بالربو، كما أن الحر الشديد الذي يصاحب الازدحام في فترة الظهيرة يؤثر في الأطفال بشكل كبير مثل التعرض لضربات الشمس، والتواجد فترات طويلة في مكان مغلق يجعل تصرفات الطفل عنيفة ويغير من سلوكهم، إضافة إلى أن الأصوات العالية لأبواق السيارات تؤثر بشكل رئيسي في الرضع، كما يعيق الازدحام الوصول السريع إلى المستشفيات وتلقي العلاج سريعا للأطفال المصابين مثلا بقيء شديد قد يعرضهم للتعرض إلى الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة والتشنجات المصاحبة لها والنزيف واللدغات والحساسية كلها تحتاج إلى التدخل السريع لعلاج الطفل في الوقت المناسب. قف قلبك في خطر.. أشار الدكتور علي مختار اختصاصي باطني وقلب، إلى أن الازدحام يسبب توتراً في الأعصاب مما يتسبب في تضخم بعضلة القلب، وقد يسهم الازدحام المروري أيضاً في ارتفاع ضغط الدم بشكل خطر، وقد يؤدي إلى حدوث أزمات قلبية، أما إذا كان السائق يعاني هبوطاً في القلب فإن التوتر الشديد والقلق الناتج عن الانتظار لساعات طويلة سوف يزيدان من ضربات القلب التي بدورها تكون سبباً رئيسياً إلى نوبة قلبية حادة، وجدير بالذكر أيضاً مرضى التوتر العصبي الذي يصيبهم الازدحام بهياج عصبي وانفعالات حادة. وفي هذا الصدد قال الدكتور فتحي اختصاصي الأمراض الصدرية، إن الازدحام وما يصاحبه في أغلب الأحيان من الأتربة وعوادم السيارات المحيطة قد تؤدي إلى حدوث حساسية تضر بشكل رئيسي مرضى الربو، وقد يؤدى استنشاق أول أكسيد الكربون المصاحب للعادم لحدوث التهابات صدرية وأيضا رئوية تصيب المدخنين أكثر من غيرهم، فضلاً عن مرضى القلب وما يصاحبه من احتقان بالرئة مما يقلل من كفاءتها. ويوضح أنه من الناحية الجسدية فإن الجلوس في السيارة لفترة طويلة والضغط المستمر على الأوردة الدموية قد يؤدي إلى حدوث جلطات بالساق خاصة لمرضى دوالي الساقين، فضلاً عن العواقب الوخيمة للانتظار ساعات طويلة على من يعانون زيادة في الوزن وقلة السيولة بالدم. وأشار إلى أن التواجد فترات طويلة في السيارات خاصة في المناطق قليلة الخدمات والتحرك فيها يكون شديد الصعوبة، يشكل خطراً جسيماً على كبار السن ومن يعانون منهم تضخماً في البروستاتا ويحتاجون إلى التبول بصورة مستمرة، لأن احتباس البول بدوره يشكل خطراً على الكلى ومجرى البول. أما عن الأعراض المعنوية (النفسية)، فإن التوتر والقلق الناتجين عن الازدحام يزيدان من إفراز الأدرينالين الذي يؤدي إلى زيادة مؤقتة في معدل ضغط الدم وينتج عنه انقباض في أوعية القلب، وكل هذا يهيئ للتعرض إلى نوبات قلبية للسائقين. انهيارات عصبية وحالات عراك تصل الى أروقة المحاكم وعن الآثار النفسية للازدحام المروري يقول الدكتور علي الحرجان استشاري الأمراض النفسية، إن من يتواجد في الأماكن المزدحمة تصيبه حالة من القلق والتوتر، ويشكل قلقاً مسبقاً رغبة في الذهاب إلى العمل في الوقت المحدد، وعند الخروج من الازدحام يشعر السائق بالتعب والانفعال العصبي والخوف من حدوث أعطال في السيارة نتيجة الانتظار لساعات طويلة، أما الأطفال فيشعرون بالملل والعصبية والنرفزة والرغبة في الغثيان والبكاء المتواصل مما يتسبب في فقدان التركيز وزيادة التوتر والشجار العائلي، والشجار في الطرقات بين السائقين، يصل في العديد من الأحيان الى تبادل الشتائم وحتى اللكمات وفي الآخر القضاء يكون الفاصل بينهم بسبب الزحام.. وذكر أنه يجب إيجاد حل جذري للازدحام المروري لأن الطرقات هي وسيلة للأمن والأمان الاجتماعي، حيث تقاس الدول بعدد الكيلومترات وعدد سكانها وهذا مقياس لحضارة المجتمع. دراسات طبية تؤكد تضاعف الجلطات القلبية بسبب الازدحام كشفت دراسة علمية حديثة أن العيش بالقرب من طريق مزدحم قد يؤدي للإصابة بمرض قلبي. وقالت الدراسة إن التعرض طويل الأمد لجسيمات هوائية ناجمة عن تلوث مروري، يمكن أن يفضي للإصابة بمرض انسداد الشرايين المعروف بالتصلب العصيدي. وبدراستهم للحالة الصحية لخمسة آلاف مشارك في هذه التجربة العلمية، بحث العلماء الذين عرضوا نتائج دراستهم في مؤتمر يوروبريفنت 2013 الذي عقد مؤخراً في روما، عن علاقة أو رابط بين الإصابة بالأمراض القلبية والقرب من الطرق الرئيسة. وذكرت الدراسة أن قرب الإنسان بمستوى 300 قدم من طريق رئيس يرفع مستويات الكالسيوم بنسبة 10 %. وقال الدكتور هاغن كالش الذي ترأس فريق البحث: (هذان النمطان الرئيسيان من الانبعاثات المرورية يسهمان في تفسير الروابط بين العيش بالقرب من طريق يتسم بحركة مرورية كثيفة، والإصابة بالتصلب العصيدي). وذكر العلماء، أن التعرض طويل الأمد للهواء الملوث وضوضاء الحركة المرورية تعد من عوامل الخطر التي تؤدي إلى الإصابة بالتصلب العصيدي. وقال الباحثون إن الضوضاء والتلوث المروري يعتقد أنهما يسلكان ممرات جسمانية متماثلة، وبذلك يسهما في زيادة مخاطر الأمراض القلبية. ويتسبب هذان العاملان في إحداث عدم اتزان في الجهاز العصبي الذي ينظم ويضبط ضغط الدم، ودهون الدم ومستوى الغلوكوز. وقال الدكتور كالش الذي يعمل في مركز أبحاث القلب في إيسن بألمانيا: (إن الجزيئات الملوثة وضوضاء الحركة المرورية يعتقد أنهما يعملا عبر مسارات بيولوجية متماثلة، ونحن نعتقد أنها تسبب أمراض القلب. وكلاهما يسبب عدم اتزان في الجهاز العصبي الذي يتغذى عبر ميكانيزمات (أو آليات) معقدة تنظم ضغط الدم، دهون الدم، مستوى الغلوكوز، التخثر واللزوجة. وكانت أبحاث كشفت سابقة أن مخاطر الإصابة بمرض قلبي تبلغ 12 % لكل 10 ديسيبل من الضوضاء الناجمة من الحركة المرورية (الديسيبل هو وحدة قياس الضوضاء). ووجدت دراسة لاحقة أعدها باحثون فرنسيون أن الملوثات الناجمة عن الحركة المرورية تزيد من مخاطر النوبات القلبية. من جانب آخر، حذّر علماء من أن تعرض كبار السن للضجة الناتجة عن ازدحام السير يزيد خطر إصابتهم بالجلطات. وذكر موقع (هلث دي نيوز) أن خطر إصابة الأشخاص بالجلطات ازداد بنسبة 14 % لكلّ 10 ديسيبيل من ضجة الطرق. ولم يظهر أن الخطر كبير على الأشخاص دون ال65 من العمر، ولكن تبين أن خطر الإصابة بالجلطات يرتفع بنسبة 27 % لكلّ 10 ديسيبيل إضافية من الضجة عند الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 سنة. وشملت الدراسة التي أجراها باحثون دنماركيون 57 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 50 و64 عاماً يقيمون قرب كوبنهاغن بين 1993 و1997. ورجح معد الدراسة ميت سرونسين أن يكون التوتر الناتج عن الضجة عاملاً مساهماً في الإصابة بالجلطات، وقال (التعرض لضجة الازدحام قد يؤدي إلى التوتر ويعيق النوم ما يزيد خطر الإصابة بالجلطة). وفي السياق نفسه وجدت دراسة جديدة أن الرضّع الذين يتعرّضون لمستويات عالية من التلوّث المروري هم أكثر عرضة للإصابة لاحقاً باضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة. وذكرت صحيفة (ديلي ميل) البريطانية أن الباحثين في مستشفى (سينسيناتي) وجدوا أن تعرّض المرحلة الأولى من الحياة للتلوث المروري يزيد الأطفال عرضة لقصور الانتباه وفرط الحركة لاحقاً. وبيّنت الدراسة أن الأطفال في سن السابعة الذين تعرّضوا للمواد السامة في الشوارع هم أكثر عرضة لاضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة والأعراض المرافقة له، بما فيها العدائية ومشكلات السلوك. وذكر العلماء أن الجُسيمات السامة الموجودة في الهواء نتيجة التلوث المروري قد تتسبّب بضيق الأوعية الدموية وتسمّم في قشرة الدماغ الأمامية. وقال الطبيب نيكولاس نيومان: (هناك قلق متزايد بشأن الآثار المحتملة لتلوث الهواء المروري على النمو الدماغي، وهذا التأثير غير مفهوم بشكل كامل بسبب محدودية الدراسات الخاصة بعلم الأوبئة). وشملت الدراسة أطفالاً مولودين في المدن بين العامين 2001 و2003. بينهم من يعيشون قرب الشوارع الرئيسة ومحطات الحافلات، وبعضهم يعيش بعيداً عنها. وتابع العلماء الأطفال منذ عمر الرضاعة وحتى سن السابعة، وتبيّن أن الذين تعرّضوا لأعلى درجة من التلوّث المروري خلال العام الأول من حياتهم كانوا أكثر عرضة للإصابة بفرط في الحركة في سن السابعة.