بقلم: فاطمة الزهراء بولعراس أوردت بعض الصحف الجزائرية خبرا مفاده أن تقريرا عالميا صنّف الجزائر في الرتبة الثالثة والسبعين من حيث سعادة شعبها، وذلك من بين مئة وستة وخمسين دولة من دول العالم.. جاء الدانمركيون في المرتبة الأولى فهم الأكثر سعادة حسب التقرير كما تقدم الإمارتيون على كل الشعوب العربية في العيش السّعيد؟؟ والظاهر أن هذه التقارير العالمية تعتمد على مقاييس غريبة في تصنيفاتها وأكاد أجزم أن الهيئات التي تقوم بمثل هذه التقارير لا تعرف شيئا عن أغلبية الشعوب التي تقرر بأنها سعيدة أو تعيسة حسب رأيها وذلك لأسباب عديدة أهمها أن مفهوم السعادة نفسه يختلف من فرد إلى فرد في البلد الواحد وربما في الأسرة الواحدة، فما بالك بين الأمم والشعوب المختلفة اختلافا جذريا في ثقافتها وإمكانياتها وظروفها وحظوظها؟ وأعتقد أن أي تقرير إلاّ وفيه مغالطة كبيرة ووجوده كعدمه لأنه لا يعبر عن شيء اللّهم إلاّ إذا كان المقصود بالسعادة هو الاكتفاء المالي وارتفاع دخل الأفراد وربما أيضا الأمن والسّلم الداخلي نحن لا نعرف المعايير التي اعتمدها التقرير ولا تلك التي تعتمدها المنظمات الأخرى التي تحرس (الحريات) وتفتي بالديمقراطية وحقوق الإنسان وبلدانها أول من يخرق تلك الحقوق والحريات ولذلك ترى المؤسسات التي تقوم بهذه الإحصاءات أو تلك الترتيبات تطلق على نفسها أسماء مموِّهة مثل (منظمة غير حكومية) وغيرها من الأسماء والمشكلة ليست في الذين يقومون بهذه الدراسات أو تلك وإنما فينا نحن الذين نصدّق كل ما يأتي من هناك على رأي المثل الشعبي (قال الطبيب مات.. مات) ولو كان حيا يرزق ويتحرك ويتكلم؟ فهل نحن غير سعداء كما يقول التقرير العالمي؟ قبل أن نجيب على هذا السؤال ينبغي أن نطرح أسئلة أخرى كيف نكون سعداء وبدون تقارير؟ السعادة تنبع من الإنسان نفسه وقناعته وسلامه مع روحه ومع البيئة التي يعيش فيها أو يتواصل معها، ولذلك تجد بعض الناس يشعرون بالسعادة والرضا حتى لو كان المحيطون بهم في قمة الغضب والقلق والثورة، ولو سألت الجزائريين عن حالهم فستجد أجوبتهم متطابقة إلى حد الدهشة حيث أنهم يتحسرون على أيام خلت بقولهم (بكري كانت النية) وبكري هذه تعني الزمن الماضي الذي اتفق المؤرخون على أن الشعب الجزائري كان فيه مقهورا ومضطهدا وجائعا ومستعبدا فهل منع الاستعمار الناس من السعادة؟، هل استطاع أن ينزع فرحتهم بشروق الشمس وسبات الليل وطيب الأكل مهما كان قليلا؟، هل استطاع أن يجعلهم لا يغنون ولا يرقصون في أعراسهم؟ وهو لو كان بإمكانه لفعل ولكن..؟ إذن فالسعادة قد تكون عند البعض في أشياء بسيطة ربما افتقدناها عندما تعقدت حياتنا وأصبحنا نراها في أشياء مادية كما يفعل الغربيون. السعادة ليست في القصر ولا في السيارة ولا في المال إنها في النفس المطمئنة ونحن سيطر القلق على أرواحنا من كثرة ما غيّرنا في قناعاتنا ومعيشتنا وأصبحنا نقيّم الإنسان الذي هو كنز الحياة بالمال الذي هو (وسخ الدنيا) كما يقول عموم الناس عندنا... إن الإنسان العقيم الذي لم ينجب أولادا يعتبر صاحب الأولاد سعيدا؟، والآخر الذي رزق البنات فقط يعتبر من رزق الذكور والإناث سعيدا، أما الغني فيعتبر الفقير سعيدا لأنه خالي البال وليس له هم المحافظة على المال وتنميته بينما العكس بالنسبة للفقير. حتى المرأة العاملة رغم تمسكها بهذا الامتياز أو الحق تعتبر المرأة الماكثة في البيت محظوظة لأنها تخلصت من هم الوظيفة والمواصلات وضيق الوقت و...الخ، أما الماكثة في البيت فتعتبر تلك العاملة محظوظة جدا فلها راتبها واستقلاليتها هذا بغض النظر عن النظرة الاجتماعية للاثنتين. وهكذا فلا أحد مخول لكي يؤكد أو ينفي السعادة عن الأفراد أو المجتمعات ولا أحد يمكن له نفي ذلك أو ترتيبه وجدولته ذلك أن السعادة نفسها قد تتغير بين يوم ويوم وساعة وساعة وهي لا تدوم إلاّ لتعود ولكنها لا تعود لتدوم... أما إذا كان المقصود بالسعادة الرخاء المادي والرفاهية الاقتصادية فهذه ليست محكّا لها أبدا، ودليلنا على ذلك أن بعض هؤلاء المرفهين في نظرنا يتخلون عن ثرواتهم ليعودوا لعيشهم البسيط، وهكذا تبطل هذه النظرية التي أعتقد أنها صنفت شعب الإمارات في أول رتبة عربيا من هذه الزاوية وذلك لأنه شعب توفر له ماديا كثير من الأسباب التي لازالت بقية الشعوب تكدح لكي تصل إليها... أما نحن الجزائريين فالأموال لا تنقصنا فبلدنا شاسع وغني، ولكن الثروة لا تصل إلى أيدينا حتى تكون الأيدي الطويلة قد تخاطفتها وحولت وجهتها إلى أفواه لا تشبع ونفوس لا تقنع، وربما يكون هذا هو سر تعاسة الجزائريين وليس شيئا آخر. أن تكون فقيرا فهذا أمر قد يحدث ولكن أن تعيش فقيرا بينما الآخرون ينعمون بمال بلادك الذي مات من أجله أجدادك فتلك هي المعضلة التي كره الجزائريون من التفكير في حلها رغم أنهم تمكنوا من حل مشكلة الاستعمار. سنكون كاذبين لو قلنا أن في الجزائر مجاعة مثلا، ولكننا لن نجانب الصواب عندما نؤكد أن الكثير من الجزائريين يموتون لأنهم لا يجدون الدواء لمعالجة أنفسهم وأبنائهم، وذلك لقلة ذات اليد وضيق السبل وأشياء أخرى، وأن في بلدنا الكثير من أولئك الذين سيماهم في وجوههم لا يسألون الناس إلحافا إن الجزائريين ليسوا في حاجة إلى تقارير تتحدث عن سعادتهم، إنهم في حاجة إلى من يحترم إنسانيتهم وخصوصيتهم، وكل تقارير العالم لن تنفعهم إذا لم يلتفت مسئولوهم إلى تبني مشاكلهم اليومية الحقيقية بعيدا عن مقولة (كلوا الحلوى إذا لم تجدوا الخبز). ولكي أدقق أكثر فإن الجزائريين لا تهمّهم صحفٌ تنقل لهم أخبارا تلهيهم وتسليهم في اعتقادهم لأنهم يحفظون عن ظهر قلب المثل الشعبي القائل (اضحك يا بكبوك على خلا دار بوك). إن الجزائريين في حاجة إلى صحف ترتقي بهم وتنورهم وتنقل مشاكلهم إلى أولي الأمر بأمانة ومصداقية ولا تستثمر فيها الأموال والشهرة، تتحدث عن أطفالهم الذين أصبحوا يقرؤون ثلث السنة وربما أقل عن أعمارهم التي تهدر في محطات الانتظار للحافلات والقطارات والطائرات تتحدث عن أموالهم التي تنفق في مهرجانات فاشلة وفي مشاريع مغشوشة وأخرى وهمية تتحدث عن الإهانات التي تصفعهم بها الإدارة الموقرة وهي تطوف بهم بين مصالحها المختلفة دون تحقيق مصالحهم. لا يمكن أن يكون الجزائريون سعداء إلاّ إذا أصبح الكبير كبيرا حقا والعالم عالما والمسؤول مسؤولا أما والجهل يفتي و(الشكارة) تحكم والعقل غائب والمال سائب و(السامط) نائب فهذه أمور لا تجعلهم تعساء فحسب بل تحثهم على الانتحار أو لم يفعلوا؟ بلى ولكن من استقال من أولي أمورنا عندما مات الشباب في البحار واختُطف الأطفال واغتُصبوا وقُتلوا؟ من تحرك ضميره والحوادث المرورية تخطف أرواح الشباب بسبب الطرقات السيئة والسيارات الهشة التي يقتنيها أرباب المال لتقصف أعمار أبنائنا، لقد أصبحت السيارات أكثر من الناس في بلدي ولا أحد فكر في هذا الوضع غير الطبيعي أم يعتقد المسئولون أننا أصبحنا أغنياء ونقتني السيارات بلى واللّه إننا أغبياء إن كنا فكرنا ولو للحظة أن الوضع طبيعي الدلائل كثيرة والحديث ذو شجون لكن نفَس القارئ قصير لأن همه ثقيل وليس من حقي أن أجلس هنا لأحدثه عن همومه التي يعرفها جيدا، لكني فقط تمنيتُ لو يقرأ المسئولون ما يكتبه المعذبون في الأرض لعلهم يلتفتون ويتذكرون أليست الذكرى تنفع المؤمنين؟ ومع ذلك فلم أستطع أن أجيب على السؤال إذا ما كنا سعداء، سأطرح سؤالي على القارئ مع التأكد أننا سنجد الجواب الصحيح عنده.