- ما العلاقة بين المال والسعادة من وجهة نظر أهل الاقتصاد؟ يقول الكاتب والمحلل والخبير في الشؤون الاقتصادية د. عامر التميمي: إن علاقة المال بالسعادة تعتمد على درجة الوعي الذي يمتلكه الإنسان حين يكون لديه المال. ويضيف: في حال كان يمتلك ذلك الوعي، فهو بلا شك سيحقق كل أنواع السعادة. أما إذا افتقر إلى الوعي،فسيحقق جميع الرغبات التي يفترض أنها تجلب السعادة، لكنه في نهاية الأمر يجد أنه لم يحقق السعادة. ويقول: إلى ذلك، قد تدخله هذه الرغبات في كوارث لا حصر لها،وبالتالي يجد نفسه في موقف ينشد فيه السعادة من جديد، على الرغم من توافر المال لديه،ومن إنفاقه غير المقنن على الرغبات التي كان يظن فيها السعادة، وهنا تبرز قيمة الوعي. ويتابع: من الطبيعي في كل الأحوال أن المال، حينما يتوافر، لا يحقق السعادة،ولكنه يوفر الاحتياجات. لذلك يقال إن المال في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة.من ناحية أخرى، يقول د. التميمي إن المال هو مطلب أساسي وضروري وإن لم يحقق السعادة، ويجب أن يتوافر للدولة والعائلة والفرد والمجتمع كله، وهذا يؤكد أن المال مهم جداً.فهو، وإن لم يحقق السعادة، فسيحقق الكرامة وتلبية الحاجات، ويقي من الحرج والشماتة،عدا عن أنه يمنح! إحساساً بالقوة والندية عن المواجهة. السعادة تختلف الأسباب التي تجعل الإنسان سعيد في حياته، فالبعض يعتبر أنَّ الكِفاية المادية شرط ضروري للسعادة،لكنَّ المشاكل التي تعصفُ بحياة بعض العائلات الميسورة تجعلنا نشكُّ في أن يكون الاكتفاء المادي شرطاً أساسياً لوجود السعادة، حيث أن بعض الأُسَر ذات الدخل المادي الميسور تعيش في حالة من الاستقرار والأمان لا تتوافر لدى الكثير مِنَ الأُسَر الغنيَّة. والمستوى الاجتماعي المتقدم ليس كافياً أيضاً لتحقيق السعادة لدى العائلات المتميِّزة في هذا المجال. إن اتحاد أفراد الأسرة الواحدة، والتفاهم والتعاون في ما بينهم، قد يشكِّل ذلك كلُّه الأساس المتين الذي تبنى عليه سعادة الأسرة، فيأتي العامل الاقتصادي أو الاجتماعي ليدعم هذا الأساس ويرسخُّه، وأي شيء آخر لن يكون كافياً لجعل الإنسان سعيداً. فهل يشتري المال السعادة؟ هذا السؤال نجيب عنه في التحقيق التالي... المال مكمل للسعادة مفهوم السعادة في أذهان البعض يتعلق بجمع المال، والبعض لا يعلم أن المال وسيلة وليس غاية في الحياة الدنيا حيث أصبحوا متلهفون لجمع المال، فهناك أشياء كثيرة يستطيع المال أن يجلبها لنا، وأشياء كثيرة لا يستطيع المال أن يجلبها؛ كالسعادة مثلاً، حيث يؤكد السيد سعيد نصرالله أن المال لا يشتري السعادة، وأن هناك أسباب عدة لوجود السعادة أهمها عدم وجودمشاكل عائلية، وهذه قمة السعادة التي يتمناها الإنسان المؤمن. ويكمل نصر الله: في اعتقادي أن المال هو مكمل للسعادة، فإذا كان المال هو وسيله للإحساس بالرضا فهو سعادة لمالكه،لكن إذا كان غاية فيصبح نقمة على صاحبه. فالإنسان الذي يملك المال لا يقدر على توظيف المال لسعادته، فهو في معظم الأحوال يبحث عن طريقه لزيادة أمواله على حساب سعادته وسعادة من حوله، حيث أن كثره الأموال في نظره غاية وليست وسيلة، فكيف تأتي راحة النفس وهو دائم البحث عن طرق مشروعة وغير مشروعة لزيادة حسابه في البنك وكيف تأتي الراحة وهو لا ينام الليل للبحث عن مشاريع إضافية لزيادة أرباحه على حساب الآخرين. وأضاف: إن أصحاب الأموال يوهمون من حولهم أنهم سعداء؛ وذلك بشراء سيارة جديدة، أو ملابس على الموضة،وهذا بحد ذاته نقص في السعادة، إذ كيف يشتري السعادة من لا يستطيع الإنجاب مثلاً. السعادة صانعة المال ويعلق بلال الناعم مراسل راديو المنار بدوره قائلاً: إن السعادة هي صانعة المال، فلو تحدثنا عن مفهوم السعادة نجده مزيج من مشاعر الحب والصبر والتضحية ومعاني جميلة جداً تصنع للناس سعادتهم الحقيقية، فتجد من يبتسم من قلبه تظهر في تعبيرات وجهه البسمة الصادقة حتى لو حرَّك شفاهه، ومن يتصنعها لو وصلت لأذنيه فهو كاذب. كل الأبحاث تشير إلى أن إنتاج ودخل الفرد المهيأ نفسياً أكبر من غيره في مهنته التي يتقنها ويعمل بها وهو سعيد. وعن أسباب السعادة يتحدث الناعم قائلاً: إن التوافق النفسي والفكري بين أفراد العائلة قاعدة أساسية لبناء السعادة. ويضيف: لا أعتقد أن صاحب المال سعيد لأنه يبقى دائماً يحاول حراسته. فلو تخيلنا حال عدد أفراد جيش يحمي مدينة وعدد آخر يحمي قرية، فإن حال مالك المال يكون أصعب منهما،إذ أنه يفكر في حماية ماله قبل أن يتمتع به. إن كثير من الحوادث تدلل على أن أكثر الناس إصابة بالأزمات والأمراض المزمنة هم أصحاب الغنى الفاحش، وما يدلل على ذلك أن النجوم السينمائيين في البلدان العربية بشكل خاص هم أصحاب الحظ الأوفر من الأمراض الجسدية والنفسية فنجد أحدهم يتزوج ويطلق في السنة مرتين على الأقل، ونجد كثيراً منهم يعاني ويلات الأمراض، ولكن هذا لا يعنى أن جميعهم. قصة جميلة كتبها موباسان قصة مفادها أن شابا في مقتبل العمر عاطل عن العمل كان يجلس مع أصدقائه في مقهى بمصاحبة ثري باريسي ودار الحديث الذي صادف ليلة عيد الميلاد حول المال وهل أنه يوجب السعادة أم لا. فقال الشاب إن المال هو السعادة. فرد عليه الثري بأنه مستعد لاعطائه ثلث ثروته إذا استطاع أن يحبس نفسه في غرفته سبعة أعوام كاملة. ووافق الشاب على ذلك واستطاع خلال الأعوام السبعة أن يتعلم أمورا كثيرة. ولكنه كان أيضا بحسب ما يحكي خادمه يبكي في الليل كثيرا وكان يعزف على البيانو باستمرار. حتى إذا تقضت الأعوام السبعة وجاءت ليلة عيد الميلاد التي يجب أن يوفى فيها بالوعد. قصد الثري بيت الشاب وهو مزمع قتله لأن أحواله المالية لم تعد كما كانت... وفي حلكة الليل وجد نافذة الغرفة التي يسكن فيها الشاب مفتوحة فدخل ووجد الشاب جالسا على كرسيه موليا ظهره اليه فانتهزها فرصة ولكنه لما رفع السكين ليقتله وجد على الطاولة قرب الشاب ورقة كانت تضيئها شمعة وأخذ الورقة فقرأ فيها الى السيد... أعلم أنك تأتي هذه الليلة محاولا قتلي ولكنني قمت بالعمل نيابة عنك لأنني ببساطة لا أستحق أن أعيش أكثر والسبب أنني أضعت أجمل أيام شبابي من أجل المال! وعلى المنوال نفسه ينظم إيليا أبوماضي قصيدته التينة الحمقاء التي تبدو وكأنها عنوان للقصة السالفة الذكر، ومن الأبيات الجميلة في القصيدة جاء الربيع الى الدنيا ببهجته - فازينت واكتست بالسندس الشجر، وظلت التينة الحمقاء عارية - كأنها وتد في الأرض أو حجر، ولم يطق صاحب البستان رؤيتها – فاجتثها فهوت في النار تستعر، من ليس يسخو بما تسخو الحياة به - فإنه أحمق بالحرص ينتح. سر السعادة فى ثلاث صارت السعادة بعيدة المنال، وكادت أن تنضم إلى قائمة المستحيلات، فملامح الاكتئاب تكسو الوجوه، والشباب الذين مازالوا فى مقتبل العمر، وأمامهم آمال عريضة ، شاخت نفوسهم ، وأصبحوا حين يُسألون عن السعادة يتنهدون بأسى ويسألون هم أيضًا: أية سعادة؟!سألت بعض الشباب والفتيات: ما سر سعادتكم فاختلفت الإجابات لتبقى السعادة الحقيقية منحة إلهية لمن يستحق ويسعى ويرضى. الحلم المستحيل دينا فؤاد – كلية الآداب قسم لغات شرقية: أحقق حلمًا مستحيلاً أو صعبًا؛ لأن عبور المستحيل وتحدى الصعب يمنح الإنسان لذة الكفاح. زينب عبد الحكيم: معهد التعاون الزراعى: أحس بالسعادة عندما أشعر أن الدنيا لازالت بخير وأن الناس من حولى قلوبهم على بعض ليس هناك حقد بين الناس أو كراهية. كل ما أري ريهام عصام – ثانوية عامة - : السعادة بالنسبة لى هو أن أحصل على كل ما أريد.أسماء أحمد إبراهيم- طالبة - دبلوم ثانوى تجارى: السعادة الحقيقية يجدها الإنسان عندما يجد الحب الحقيقى في حياته، المهم أن يكون حبًا حقيقيًا.وتتفق معها جهاد محمد - طالبة - دبلوم ثانوى تجارى - حيث تقول: أى سعادة أكبر من أن يجد الإنسان الشخص الذى يبادله الحب. كيف أسعد هبة رأفت السيسى- طالبة بالثانوية العامة: أشعر بالسعادة عندما أنام وأنا متأكدة أن أبى وأمى راضيان عنى، وعندما أقوم بأداء فرائض ربى بانتظام. الحزن هو الأصل فاطمة فاروق – كلية الآداب قسم علم نفس: ترى أن ظروف حياتنا الآن لا تعطى لنا فرصة للإحساس بالسعادة، لذلك فإن السعادة أصبحت استثناء والحزن هو الأصل.رانيا إبراهيم - ثانوية عامة: أشعر بالسعادة عندما أعتمد على نفسى، وعندما أشعر بحريتى دون وصاية من أحد. لحظة صدق دعاء محمد – كلية التجارة - إن لحظة سعادتى هى اللحظة التى أكون فيها صادقة مع نفسى؛ لأن هذه اللحظة تشعرنى بمدى قوتى.نعمة سعيد يونس- ثانوية عامة: سعادتى مؤجلة حتى أحصل على شهادة الثانوية العامة، وأدخل الكلية التى أريدها. الإيمان بالقدر وعن الإحساس بالسعادة،وكيف رسم الإسلام للإنسان طريقه للعيش بسعادة؟يقول د. محمد حسنى إبراهيم سليم - أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر - إن الإحساس بالسعادة يتطلب منا إدراك عدة أمور:أولها: أن يؤمن الإنسان بالقدر خيره وشره، ويؤمن بأن ما يحدث له من أحداث أيًا كانت هذه الأحداث مقدره من الأزل،ولكن المهم ألا نرتكن إلى أن أقدارنا مقدرة من الأزل، فعلينا أن نأخذ بالأسباب مع إدراك أن السعى في أيدينا، ولكن النتيجة في يد خالقنا. فمثلاً: الطالب قد يذاكر ويجتهد، ولكن فى النهاية يرسب فى الامتحان، فالطالب هنا قد سعى واجتهد وأخذ بأسباب النجاح، ولكن النتيجة بيدى الله سبحانه وتعالى، فعليه الرضاء والتسليم، وعدم الحزن؛لأن هذا مقدر له، كما أن ذلك حدث لحكمة يعلمها الله، وفى هذا يقول المولى عز وجل فى سورة الحديد {ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور}. فلكى يحس الإنسان بالسعادة عليه أن يرضى بما قسمه الله له، وعليه التسليم بأمر الله؛ لأنه لا يقع فى ملك الله شيء لا يريده.لذلك فى كثير من الأوقات يريد الإنسان شيئًا محددًا، ويسعى لتحقيقه بشتى السبل، ويعتقد أن الخير فيه،وأن سعادته لن تكتمل إلا به، ولكن الله لا يحققه له، فيحزن ثم بعد ذلك يكتشف أن ما كان يريده بشدة هو شر له، وما أراده الله وقضاه هو الخير وفيه السعادة.والحياة الإنسانية تزخر بالعديد من التجارب التى من خلالها يتضح هذا الأمر، وفى هذا يقول المولى عز وجل{وعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا}. ويرى الدكتور سيد صبحى - أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس:أن الإنسان يفكر كثيرًا فى أمر سعادته، وهناك من يتصور أنها قد تأتيه من جمع المال، أو المنصب، أو الدرجة العلمية، أو الوجاهة الاجتماعية، ولكن مفهوم السعادة أكبر من ذلك بكثير؛ لأن السعادة الحقيقية تعتمد على عدة أمور:أولها: نقاء الضمير والإرادة الخيرة التي تجعل صاحبها مطمئنًا واثقًا بنفسه متجهًا إلى الله سبحانه وتعالى في أقواله وأفعاله. ثانيًا: السعادة في التعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان. ثالثًا: السعادة تواضع وقيمة وعشرة طيبة بين الإنسان والآخر.ويوجد الكثير من الأحداث العالمية واليومية التى تسبب الاكتئاب، لذلك على الإنسان لكى يتغلب على هذه الضغوط والمشاكل التى تحيط به أن يبحث عن السعادة داخله، وسيجدها فى إيمانه بالله،ثم الرضا عن الذات وصحوة الضمير الأخلاقى.سر السعادة فى ثلاث:قال صلى الله عليه وسلم: من بات آمنًا فى سربه معافى فى بدنه، عنده قوت يومه، فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها.إنه تلخيص بليغ لأسباب السعادة، أمن، عافية، قوت يوم، وتبقى الفجوة بين الامتلاك، والرضا، بين ما لدى الإنسان،وما يريده.وقديمًا قالوا: الشيطان يمنيك بالمفقود، لتكره الموجود، ولكن الإنسان يظل باحثًا عن هذا المفقود حتى إذا ما امتلكه تحول إلى شقاء موجود، وإذا كانوا قد قالوا أيضًا: إذا لم تستطع أن تعمل ما تحب، فأحب ما تعمل، فإن السعادة أيضًا تتحقق حين يسعد الإنسان بما لديه حين يعجز عن الحصول على ما يتمنى.