إذا كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد زار الرياض ليطمئن قيادة المملكة العربية السعودية بأن غضبها من سياسات بلاده في الشرق الأوسط لا أساس له فإن عليه بذل المزيد من الجهد. وجمع العاهل السعودي الملك عبد الله الذي يبلغ من العمر 90 عاما ونادرا ما يجتمع مع المسؤولين الذين يزورون المملكة كبار الأمراء ليحضروا المحادثات التي جرت الاثنين الماضي مع كيري. وعبر هذا الترتيب عن احترامه للتحالف القديم مع الولاياتالمتحدة وكذلك عن غضبه من تحركات واشنطن في الآونة الأخيرة. ويخشى قادة السعودية من أن إدارة الرئيس باراك أوباما لم تعد تصغ إلى المملكة خاصة فيما يتعلق بالحرب الأهلية في سوريا والخلاف النووي مع إيران. وهم يعتقدون أن هذا يهدد بانتقال الهيمنة الإقليمية إلى عدوهم اللدود طهران. وقدم كيري تطمينات للرياض قائلا إنه يجب على الرئيس السوري بشار الأسد أن يرحل وإنه سيتم إطلاع السعوديين على تطورات المحادثات النووية مع إيران أولا بأول. وقال كيري بعد اجتماعه مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل (علاقتنا إستراتيجية وثابتة) وأضاف (من الطبيعي أن تشهد سياساتنا ووجهات نظرنا اتفاقا في بعض المساحات واختلافا في غيرها). لكن السعوديين لم يقتنعوا فيما يبدو. وقال مصطفى العاني المحلل في مركز أبحاث الخليج (هذا هو الشعور السائد في الدائرة المقربة. يرحبون بزيارته ويحترمون رغبته في مقابلة الملك. لكنه جاء ومعه كوب نصف ممتلئ ونصف فارغ). وأبدت واشنطن قدرا من الاستعداد للمجازفة بتوتر علاقاتها مع الحلفاء لتحقيق هدفي الولاياتالمتحدة وهما تجنب التدخل العسكري في سوريا والسعي للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران. لكن رسالة الرياض في الأسابيع الأخيرة كانت صريحة وعلنية على نحو غير معهود حيث تحدث رئيس المخابرات الأمير بندر بن سلطان عن "ابتعاد" كبير عن الولاياتالمتحدة. وأظهرت مسارعة كيري بالزيارة أن واشنطن قلقة من أن تقوض هذه الخلافات السياسة الأمريكية في مناطق أخرى من الشرق الأوسط على الرغم من أن مصالحها الرئيسية المتصلة بضمان إمدادات النفط ومكافحة تنظيم القاعدة لم تتأثر. ووعد كيري بمواجهة العدوان الموجه للشركاء الخليجيين (كما فعلنا للكويت في حرب الخليج). وفي حين أن القوات الأمريكية قادت طرد القوات العراقية من الكويت عام 1991 فإن الزمن تغير. وأظهر استطلاع أجرته رويترز ومؤسسة ابسوس الشهر الماضي أن 13 في المئة فقط من الأمريكيين يؤيدون تدخلا أمريكيا في سوريا. وقال الأمير سعود إن أغلب الخلافات بين المملكة والولاياتالمتحدة في الأساليب، لكن كان واضحا أن نقاط خلاف رئيسية ظهرت بين كيري والملك عبد الله الذي وصفه وزير الخارجية الأمريكي بأنه صديق (مخلص). وحضر الاجتماع إلى جانب الملك عبد الله والأمير سعود ولي العهد الأمير سلمان والنائب الثاني لرئيس الوزراء الأمير مقرن ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف ووزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله. وهذه المجموعة تضم أغلب الأعضاء الكبار في الأسرة الحاكمة. وقال محلل سعودي مطلع على أسلوب التفكير الرسمي (هذا يظهر موقفا موحدا ويبعث برسالة قوية مفادها الرفض). وكانت القضية الأكثر إثارة للخلاف قرار الولاياتالمتحدة التراجع عن قصف سوريا بعد هجوم بالغاز السام في أوت، موافقة واشنطن على عملية دبلوماسية للتخلص من ترسانة الأسد من الأسلحة الكيماوية، وفتح قنوات اتصال بين واشنطنوطهران. وقال الأمير سعود في مؤتمر صحفي إن (اختزال الأزمة السورية في نزع السلاح الكيماوي الذي يعتبر أحد تداعياتها لم يؤد إلى وضع حد لأحد اكبر الكوارث الإنسانية في عصرنا الحالي). وتعتبر الأسرة الحاكمة أن سوريا ميدان حرب على الهيمنة الإقليمية بين تحالف شيعي تدعمه إيران وتحالف من الدول السنية يدعمه الغرب ويضم دول الخليج ومصر وتركيا. وقال كيري في الرياض (في غياب حل عن طريق التفاوض لا نرى سبلا كثيرة لإنهاء العنف... قابلة للتطبيق أو مستساغة بالنسبة لنا لأننا لا نملك سلطة قانونية أو تبريرا أو رغبة في هذه المرحلة للدخول في خضم حرب أهلية). وفي حين تطرق كيري بالكاد لحزب الله في المؤتمر الصحفي بالرياض كان الأمير سعود واضحا عندما قال إنه يعتبر سوريا (أرضا محتلة... فكيف يمكن لدولة جارة المفروض أنها تعتني بحسن الجوار أن تعطي لنفسها الحق أن تدخل في حرب أهلية لتساعد طرفا على طرف آخر... إيران في اختبار حسن النوايا الآن وربما أهم خطوة أن تأخذ في حسن النوايا أن تخرج من سوريا وتخرج حليفتها اللبنانية حزب الله). وربما جاء أوضح تعبير عن اختلاف الأولويات في تصريح كيري بأن التدخل الإيراني في الدول العربية أقل إلحاحا من حل الخلاف النووي. وقال كيري (نعي جيدا أنشطة إيران في المنطقة... وهي تثير قلقنا. نشعر بالقلق لأن إيران لها أفراد على الأرض في سوريا. يقلقنا أن حزب الله نشط وأن هذا يقترن مع دعم إيران. لكن الخطوة الأولى هي الخطوة النووية).