رغم اختلاف برامج بعض الفصائل الفلسطينية مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في محطات عديدة إلاّ أن الفلسطينيين كلّهم يجمعون على أنه مناضل كبير ويكنّون له كلّ الاحترام والتقدير لمواقفه الشجاعة التي رفض فيها المساومة على حقوق الشعب الفلسطيني. يستعدّ الفلسطينيون في كافة المحافظات الفلسطينية لإحياء الذكرى التاسعة لوفاة عرفات اليوم الاثنين الحادي عشر من نوفمبر في ظلّ تأكيد على ضرورة الكشف عن أسباب وفاته والتي رفعت أصابع الاتهام إلى إسرائيل. عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لحركة (فتح) يقول ل (أنباء موسكو) إن ياسر عرفات يعتبر المعلم ومدير مدرسة ثقافة المقاومة، وأن الاحتفال بذكرى وفاته يعيد العزة والكرامة لشعب فلسطين الذي كاد يندثر لو لا المبادرة الشجاعة وسلوك أقصر الطرق إلى فلسطين - الكفاح المسلح - الذي أجبر العالم كله على احترام الفلسطينيين. ويرى زكي أن عرفات كان رجلا صاحب قضية ومبدأ ورجل السلام الحقيقي في مواجهة الاحتلال والنهب والسلب الذي مارسته الدول الاستعمارية وأداتها إسرائيل، ويضيف أن أجواء إحياء ذكرى وفاة عرفات تعيد حركة (فتح) ومحبي عرفات إلى أن يكونوا قد أدركوا أنهم لن يستسلموا ويحاولوا قدر المستطاع أن يخلقوا المزيد من الإنجازات والانتصارات لتشكيل النصر الكبير. أما نافذ عزام، عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الاسلامي، فيقول: (نحن اختلفنا في محطات عديدة مع الراحل عرفات واعترضنا كثيرا على سياساته، لكن نحن لم ننكر لحظة أنه مناضل ورمز كبير للشعب الفلسطيني ونظرنا بتقدير لموقفه في كامب ديفيد عندما رفض المساومات والتوقيع على اتفاقيات تخص القدس وإنهاء الصراع). ورجح عزام في حديث لموقع (أنباء موسكو) أن تكون إسرائيل هي التي قتلت عرفات بعد أن فرضت حصارا، مشددا عليه وأن التحاليل التي قامت بها مختبرات أوروبية تثبت أنه قتل مسموما بمادة البولونيوم. ويؤكد القيادي في الجهاد الإسلامي أن رحيل عرفات كان له تأثير كبير على القضية لأنه أجج مشاعر أجيال لسنوات عديدة عندما حمل راية الكفاح والنضال، بالإضافة إلى أنه ساهم بشكل كبير في تجذير القضية الفلسطينية عربيا وإفريقيا ودولياً. ويرى عزام: (أننا بحاجة دائمة إلى استذكار رموزنا، وقبل أيام كانت الجهاد تحيي الذكرى ال 18 لاغتيال مؤسسها فتحي الشقاقي، واليوم نتحدث عن أبي عمار وبعد شهور ذكرى الشيخ أحمد ياسين، والشعب الفلسطيني بحاجة إلى أن تبقى هذه الرموز والنماذج حية في نفوس الأجيال ونستلهم منها ما قامت دفاعا عن القضية والشعب الفلسطيني بالإضافة إلى أن الوحدة مطلوبة ونحن نتحدث عن هؤلاء القادة). من جانبه، يقول هاني أبو عمرة من الجبهة العربية إن (أبا عمار يمثل أمامنا مسيرة النضال الطويل التي قادها وخاض خلالها غمار المعارك لتتجلى قدرته الفائقة على الصبر في أحلك الظروف فكان وبحق القائد الملهم الذي يمد شعبه بالصمود والثبات، والرمز الوحدوي ذا الصدر الواسع والقادر بحرصه وبحسه الوطني على جمع شمل المقاومة الفلسطينية باختلاف برامجها ومشاريعها السياسية والفكرية ما مكنه من أن يقود ويواصل مسيرة النضال مع شعبنا وقواه المناضلة، وأن يوجد كل يوم صيغا جديدة للنضال والعمل المشترك والدفاع عن حياة شعبنا وحقوقه ولتصبح مدرسة النضال الفلسطيني سراجاً منيراً لكل حركات التحرر العالمية)، ويضيف: (لقد خاض ياسر عرفات كافة معارك شعبنا ومد يده للسلام وعمل بكل ما يستطيع من أجل تحقيقه وعلى أساس الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وتميز بمواقفه الصلبة والثابتة بالرغم من كل الضغوط والتهديدات التي واجهها، لتتم محاصرته لسنوات طويلة في مقره في رام الله نتيجة لهذا الثبات الأسطوري ولدفعه إلى التنازل عن حقوق شعبنا)، وتابع: (ونحن نحي ذكرى استشهاد القائد الرمز أبو عمار فما أحوجنا إلى مواصلة الدرب الذي بدأها القائد الخالد وأن نعمل على إنجاز ما أراده من توحيد للصفوف وحشد للهمم والتفاف حول برنامج وطني واضح ومحدد يصون الثوابت ويحافظ على ما حققه شعبنا طوال سنوات نضاله بفضل تضحياته الجسام وعطائه اللامحدود ووحدته التي كانت على الدوام السد المنيع أمام كل المحاولات والمؤامرات التي سعت إلى الانتقاص من حقوقنا الثابتة واستطاعت وبالرغم من الاختلال الكبير في موازين القوى لمصلحة العدو إلا أننا استطعنا أن نبقى محافظين على قضيتنا الوطنية وطرحها بقوة على العالم الذي عبر بوضوح عن وقوفه إلى جانب حقوقنا المشروعة فصوت لصالح فلسطين في الأممالمتحدة، وهو ما يعكس إدراك العالم بأكمله إلا الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل بأن السلام والأمن لن يتحقق في المنطقة ما لم ينعم شعبنا بحقوقه كاملة). ويقول الناشط الشبابي وليد أبو شنب: (تسع سنوات مضت على وفاة عرفات ولازال الفراغ لم يملأ بعد، قيادات وزعامات مهما علت تبقى قصيرة أمام شخصية لم تعرف المستحيل حملت القضية الفلسطينية من الأزقة والحارات إلى منابر العالم لتعطيها بعدها السياسي وأهميتها وقدسيتها)، ويضيف: (شخصية أبي عمار استطاعت أن تحفظ القرار الوطني المستقل برغم محاولات الكثيرين خطف هذا القرار ومصادرته وجعله ورقة مساومة في يدهم، حافظت على الأجندة الوطنية الفلسطينية عالية فوق كل الأجندات الدولية والحزبية والفئوية المقيتة والضيقة، كرست الانتماء الوطني، ودعت للقضاء على الانتماءات والأجندات الخارجية، التي عرضت اليوم مكتسبات الشعب ومنجزاته ووحدته للخطر، قائد نجح في الجمع بين ما لا يمكن الجمع بينه، في الحرب كان مقاتلاً شرساً عنيداً لا يقبل الانكسار وفي السلم كان واثقاً ومحافظاً متمسكاً بالثوابت، أحبه الجميع وإن اختلفوا معه)، ويرى أن الفلسطينيين يشعرون باليتم في غيابه، ويشكون من أمراض لا يجدون شفاء منها، كحالة الضياع السياسي وفقدان التأثير على الساحة الدولية والانقسام الذي أصاب السلطة بعد شيخوخة مبكرة حلت بها وأفقدتها هيبتها ومكانتها وقوتها). ويقول المواطن الثلاثيني أبو المجد (إن الرئيس ياسر عرفات يمثل رمزا للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني على اختلاف انتماءاته السياسية، حيث كان يملك الكريزما القيادية التي لا يملكها أي من قادة هذا العصر ذات التأثير الشديد على كل مكونات الشعب الفلسطيني وفصائله المختلفة الإيديولوجيات حتى الأعداء اللدودين للشهيد أبي عمار كانوا يكنون له كل احترام لقدراته القيادية وتأثيره على كل المستويات المحلية والإقليمية والدولية)، ويضيف أن أبا عمار (قاد الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية منذ انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة حتى استشهاده حاملا هم القضية الفلسطينية، حيث تنقل من بلد إلى آخر ليستمر في قيادة الثورة الفلسطينية التي انطلقت عام 1965 ليحقق التحرير والانتصار للشعب الفلسطيني إلى أن تكمنت اسرائيل من اغتياله). ويرى أبو المجد أن الشعب الفلسطيني وكذلك القضية الفلسطينية تعاني كثيرا بعد استشهاده وعلى كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث كان يمثل الشهيد ياسر عرفات صمام الأمان لكل مكونات الشعب الفلسطيني، وتابع: (وبعد استشهاده تخلى قادة العرب بشكل غير مباشر عن الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وكذلك استغلت حركة حماس استشهاده للقيام بالانقلاب العسكري الذي وقع في قطاع غزة في العام 2007، والذي انعكس بشكل سلبي جدا على مجريات الحياة في القطاع الذي لا زلنا نعاني من آثار هذا الانقلاب، وكذلك استفردت إسرائيل بالقضية الفلسطينية رغم التدخل على خجل من الأطراف الدولية وأمريكا ومواقف الشجب والاستنكار التى لا تتوقف عن الانطلاق من أفواه قادة الدول العربية). توفي عرفات عن 75 عاما في 11 نوفمبر 2004 في مستشفى بيرسي دو كلامار العسكري قرب باريس، حيث نقل في نهاية أكتوبر من مقرّه العام برام اللّه حيث كان يعيش محاصرا من الجيش الإسرائيلي منذ ديسمبر 2001.