بقلم: محمد زاهد جول إلى أين تتجه العلاقات التركية المصرية؟ سؤال أجاب عنه وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بعد يوم واحد من حملة طرد السفراء بين البلدين، حين اعتبر أنها ستبقى علاقات ودية وحسنة إلى الأبد. والسبب في نظر الساسة الأتراك وكل أبناء الشعب التركي أن العلاقات الأخوية بين الشعبين التركي والمصري خصوصا، والعربي عموما، لا يمكن أن تتأثر بأحداث عابرة وزائلة بأقرب فرصة. فالسبب الذي دفع حكومة السيسي لطرد السفير التركي من القاهرة بدايةً هو سبب انتقامي وليس سببا سياسيا كما جرت العادة في سوء العلاقات بين الدول وطرد السفراء. أما السبب التركي فهو عمل بالقوانين الدولية المرعية في هذا الشأن بالمعاملة بالمثل، إذ كان لا بد أن ترد الحكومة التركية على طرد سفيرها بالمثل انطلاقا من عدم اعترافها بالانقلاب العسكري، ومن عدم القناعة بالسبب المصري أيضا. ولا يخفى على أحد أن الانقلاب الذي قام به الفريق السيسي على أول رئيس مصري مدني شرعي يعتبر سببا كافيا حتى تعترض عليه كل دول العالم الحر والديمقراطية، خاصة الدول الإسلامية قبل الغربية. ولا يقال هنا إن ما جرى في مصر كان شأنا داخليا في بُعده الانقلابي، لأن العلاقات بين الدول تقوم بين حكومات معترف بها من شعوبها، سواء كانت حكومات ملكية، أو جمهورية انتخابية. ولو بقي الأمر عند هذا الحد فإنه -على كراهته وعدم قبوله بين الشعوب الشقيقة والصديقة- كان يمكن أن يسير نحو التهدئة والتحسن والحوار السلمي، إلا أن الطريقة التي عالج بها رئيس الانقلاب الفريق أول السيسي احتجاجات الرافضين للانقلاب في ميادين مصر، خاصة ميادين رابعة العدوية والنهضة ورمسيس قطعت كل أمل بالتهدئة والمصالحة، فالعنف والإرهاب اللذان اتخذهما السيسي نحو الشعب المصري فاقا حدود العدوان البشري، وتحولا إلى عدوان وحشي، فقد قتل آلاف المتظاهرين السلميين ودمّر مستشفياتهم وقتل الجرحى منهم وحرق جثتهم وجرفها بالجرافات ونقلها إلى أماكن مجهولة في الصحراء، كما لاحق الفارين والمعتصمين منهم في المساجد، خصوصا في مسجدي الفتح والقائد إبراهيم بالإسكندرية وغيرهما، كل ذلك لا يمكن اعتباره سلوكا عدوانيا يمكن أن يقوم به بشر أصلا. فلو لم تكن تركيا دولة مسلمة، ولو لم تكن مصر دولة مسلمة، لما أمكن للشعب التركي أن يرى هذه الوحشية غير الإنسانية ويبقى ساكتا ويعتبر ذلك شأنا داخليا مصريا، فمستوى الجرائم المرتكبة وبشاعتها يجعلانها من أعظم المجازر البشرية عبر التاريخ. ولم يخطئ من وصف ما وقع يوم 14 أوت الماضي في ميدان رابعة بأنه مجزرة القرن، بل قد تكون مجزرة الإنسانية جمعاء تم تنفيذها بروح انتقامية من السيسي على من أفشلوا انقلابه العسكري وهم أحياء في الميادين أولا، ثم وهم أحياء عند ربهم يرزقون ثانيا، وستبقى أرواحهم وشهادتهم وشعارهم دليلا دامغا على أن السيسي ومن معه كانوا أكثر جرما من فرعون ومن معه في قتلهم المؤمنين بالله، وفي ذبحهم أبناء المستضعفين في الأرض، وفي استحيائهم نساء الأحرار من الشعب المصري، حتى أصبحت إشارة الأصابع الأربعة أشد على السيسي ومن معه من عصا موسى وشقها البحر نصفين. إن إشارة (رابعة) ستكون عصا الحق الذي يزهق الباطل، وستكون قريبا جزءا من العلم المصري بقرار من مجلس الشعب، وستبقى رمزا للحرية التي تلاحق الانقلابيين والسفاحين في مصر وفي كل مكان بالعالم. أما الجيش المصري فلا ينبغي تحميله مسؤولية الجرائم التي وقعت، ولا يمكن لهذا الجيش الذي نبت أبناؤه في أرض مصر أن يقتل أبناء شعبه ووطنه بهذه الطريقة، وإنما المسؤولية على طائفة منبوذة أفضل ما توصف به أنها طائفة السيسيين، سواء كانوا قادة عسكريين أم وزراء أم إعلاميين. أي أن الصراع في مصر الآن هو بين الشعب والطائفة السيسية التي تحاول اختطافه كما اختطفت رئيسه الشرعي، والتحدي الذي ينبغي أن يخوضه الشعب هو مع الطائفة السيسية لا مع العسكر، والهتاف الذي ينبغي رفعه الآن هو (يسقط يسقط حكم السيسي)، وأن يلتف الشعب في شعاره وهدفه ضد الطائفة السيسية بما تمثله من قتل وإرهاب لكل طوائفه الدينية وتياراته السياسية. إن الإنسان المسلم الحر والعالم الإنساني الحر ينبغي أن يتحد ضد المجازر السيسية، وينبغي أن يقف إلى جانب الشعب المصري الحر الذي علم شعوب العالم معنى الثورة والتضحية والشهادة والحرية، وهو القادر على أن يعلم شعوب العالم الصبر والتضحية وحسن الظن بمن بيده مقاليد الأمور وعاقبتها. * كاتب تركي مختص في الشؤون العربية