التكنولوجيا العالية التي غزت محيطنا ويومياتنا لا تهم الكبار فقط ولكن الصغار أيضا الذين أصبح تعطشهم للتعلم وقدرتهم على استعمال آخر الابتكارات في هذا المجال يتطور بسرعة تثير تخوف الأولياء، سواء تعلق الأمر بألواح أو بهواتف ذكية أو (إي باد) أو(دي أس) أو لوحة الألعاب (وي) فكل هذه الأشياء المنبثقة عن الانتشار السريع لتكنولوجيات الإعلام والاتصال التي تعرف رواجا كبيرا حاليا قد غزت يوميات العائلات لكي تصبح ضرورية تقريبا، وهذا التوجه يكاد يصبح إدمانا ويمس كل الفئات ابتداء من الحاجة التي تخرج هاتفها من تحت (الحايك) في وسط السوق لكي ترد على مكالمة هاتفية إلى أصغر الأطفال الذين يمكنهم قضاء ساعات طويلة مع الأجهزة الأكثر تطورا. أوضح الخبراء أن اهتمام صغار السن بهذه التكنولوجيا الحديثة شيء مكتسب والسبب فيه هو التحول من مجتمع تقليدي نحو مجتمع مرتبط بشكل كبير بالتكنولوجيا. وتكاد تصبح الألواح التي تستعمل باللمس والحواسب وأجهزة التلفزيون عالية التكنولوجيا والهواتف متعددة الوظائف الأصدقاء الجدد للأطفال المولعين بالعالم الافتراضي. وهي حالة الطفلة الصغيرة لميس البالغة من العمر سنتين أمها صحفية وأبوها متخصص في الإشهار. وتؤكد أمها أنها أمام دمية و (إي باد) تختار هذا الأخير دون تردد حيث تقضي ساعات طويلة رفقته. وتستطيع لميس التي لم تتعلم بعد القراءة والكتابة تشغيل الجهاز والدخول في ألعابها المفضلة وتجتاز بعض المراحل المتتابعة التي قد تحتوي على تعليمات باللغة الإنجليزية وهذا دون أن يتدخل والداها في أي مرحلة من المراحل. ريمة وأرسلان وريان وسلمى هم رباعي من الأقارب تتراوح أعمارهم بين 7 و 12 سنة يتواصلون عندما يلتقون بألعابهم الإلكترونية ويحملون ألعابا ويستعملون مصطلحات تقنية غالبا ما تدهش الأمهات. ولا يكتفي الأطفال باللعب ولكنهم يستعملون كنوزا من البراعة والحلول للتقدم في الاستكشاف في هذا المجال. وبالنسبة لجمال (9 سنوات) فقد ذهب بعيدا من خلال تنصيب لوحة مفاتيح صينية على (أي باد) أمه مريم وهي مهندسة في الاتصالات. ومن أجل تبرير هذا السلوك قال لأمه المندهشة إنه لكي يفهم تعليمات لعبة (نينتادو دي أس) نصب لوحة المفاتيح الصينية لكي يسجل ما هو مكتوب ويمر بالتالي بمختلف مراحل اللعبة. والسبب في استعمال هذه الأدوات الرقمية الجديدة من قبل الأطفال الصغار غالبا ما يبادر بها الأولياء بوعي حيث لا يترددون في شراء التطبيقات المتخصصة لتشجيعهم على استعمالها. ويجد الأولياء مصلحتهم في شراء هذه الأجهزة لأطفالهم حيث أصبحت تلعب دور (المربية) وبالتالي يمكنهم هذا من القيام بأشغالهم في (هدوء). وهي حالة رب عائلة يعطي جهاز (إي باد) لابنته سيرين البالغة من العمر 5 سنوات لكي يتمكن من تدريس ابنته الكبرى سوندرين البالغة 7 سنوات من العمر، حيث تبقى البنت الصغرى غارقة مع اللعب لساعات طويلة دون أن تزعجهم. الأنترنت تطمس المواهب اليدوية يعتقد الخبراء أن استعمال هذه التكنولوجيا يجب أن يخضع لمراقبة الأولياء لتجنيب الأطفال الذين ما زالوا غير ناضجين من الدخول في إدمان ولكن الآراء تبقى مختلفة. ويعتبر البعض أن (إقصاء الأطفال من هذه الحداثة معناه حرمانهم من الاتصال وهذا قد يتسبب في تهميشهم في المدرسة وعزلهم من تيار مجتمع يفرض نفسه بحدة. وبالمقابل يعتقد البعض الآخر أن تكنولوجيات الإعلام والاتصال تغير سلوك الشباب أمام المطالعة التي تبقى (تمرينا للذاكرة) ضروريا لتنمية العقل. ويطالع الأطفال بين 6 و 7 سنوات من العمر قبل أن يتناقص هذا الاهتمام عند المراهقة ليتوجه نحو الحواسب (الشبكات الاجتماعية والألعاب والفيديوهات وغيرها). والتواجد الكبير للأجهزة الإلكترونية يمكن أن يعود أيضا بالفائدة بما أن عددا من التلاميذ يصرحون أنهم يقومون بأشغال مدرسية انطلاقا من دعائم إلكترونية. وقد أبرز الباحثون أن تعلم القراءة والكتابة في المسار المدرسي حاسم. فكل النقائص على هذا المستوى قد تتفاقم وتنجر عنها مشاكل تخص الفهم في مجالات أخرى. وبرأي السيدة فاطمة أوصديق أستاذة في علم الاجتماع بجامعة الجزائر وباحثة لدى مركز البحث في الاقتصاد من أجل التنمية فإن الهدف من هذا المسعى يتمثل في احترام حاجة الطفل للعب. وإذا كان الربط على الأنترنيت يوفر له نوعا من الاستمتاع يجب تمكينه من ذلك مع وضع ضوابط. بالنسبة للمختصة النفسانية جاب الله الأداة لا تطرح مشكلا في حد ذاتها ولا الوقت الذي يقضيه الطفل الى جانبها لكن المشكل يكمن في المحتوى الذي تحمله. واعتبرت السيدة جاب الله أن تأطير الوالدين للطفل ضروري حتى ينمو بشكل سليم ويتمكن من التحرك في مجتمع تطغى عليه الحياة العصرية). لكن الجميع يتفقون على ضرورة إبقاء الروابط بين الصغار وواقعهم من خلال تعزيز الميول نحو الأمور البسيطة مثل الإبداع اليدوي أو الحوار في المجتمع.