صدرت حديثا عن المركز القومي للترجمة، النسخة العربية من كتاب الكفار.. تاريخ الصراع بين عالم المسيحية وعالم الإسلام من تأليف أندرو هويتكروفت ومن ترجمة قاسم عبده قاسم. يناقش الكتاب قضية مهمة تتعلق بموضوع الساعة في الثقافة الغربية عموما وتتصل بمشكلة علاقة العالم المسلم بالغرب الأوروبي والأميركي بصفة عامة. يتحدث الدكتور قاسم عبده قاسم في مقدمة الكتاب عن مدى التنوع الذي يتميز به هذا الكتاب، ومدى سعة اطلاع مؤلفه، فالكتاب حافل بالتفاصيل الفرعية والمعلومات المفيدة، كما يميزه انتقاله من مسرح جغرافي إلى مسرح آخر، ومن فترة تاريخية إلى فترة تاريخية أخرى سعيًا وراء صورة (الآخر الكافر) كما رسمها المسلمون للأوربيين في العصور الوسطى وفي العصور الحديثة، وكما رسمها الغرب للعالم المسلم منذ العصور الوسطى وتطورها حتى الآن. وينتقل الكتاب بنا من العصور الوسطى إلى اللحظة الراهنة، ومن الفتوح الإسلامية في النصف الأول من القرن السابع الميلادي، ومن أقوال القساوسة والرهبان الذين كتبوا عن المسلمين الأوائل حتى ما قاله جورج بوش والكتاب والصحفيون الغربيون عن الإسلام والمسلمين حاليًا. هذا الكتاب يأخذنا أيضا من شبه الجزيرة العربية حتى بلاد الشام ومصر والمغرب العربي عبر مضيق جبل طارق في إسبانيا ويسافر بنا على البلقان لينهي رحلته في الولاياتالمتحدة الأميركية. ويكشف الكتاب عن سعة علم المؤلف بالموضوعات الكثيرة التي ناقشها الكتاب عبر مسافة زمنية هائلة تمتد من العصور الوسطى حتى الوقت الراهن. ولذلك تنوعت مصادره واكتسبت حيوية أضفت على صفحات الكتاب جاذبية، حيث يغطي مساحة شائعة في الزمان والمكان على السواء، فهو يبدأ في القرن السابع الميلادي ويمتد إلى القرن الحادي والعشرين. وحدوده جنوبالجزائر، وفيينا في الشمال والمحيط الأطلنطي غربًا، وبحر العرب والمحيط الهندي في الشرق. ويخرج أحيانًا عن تلك الحدود، ولكن مركزه عالم البحر المتوسط. يتعرض الكتاب لمشكلة الآخر بكل تفاصيلها وتعقيداتها، ويبدأ من معركة انتصر فيها أسطول الغرب مجتمعًا على الأسطول العثماني في ليبانتو سنة 1517 وهو ما يكشف عن أمرين غاية في الأهمية بالنسبة للمنهج الذي اتبعه المؤلف في هذا الكتاب وهما أن المؤلف لم يحبس نفسه في إطار التتابع الزمني الكرونولوجي وإنما اختار أن يتناول موضوعات متنوعة وإن كانت غير متفرقة. داخل الإطار العام وموضوعه. أما الأمر الثاني فيتعلق أنه اختار نقاط مناقشة موضوعه على أسس تاريخية وجغرافية في آن واحد، فبعد مقدمته الحافلة والممتدة ناقش العلاقات العثمانية الأوروبية في لحظة تاريخية فاصلة؛ محاولا من أن يبين من خلالها كيف كانت تبدو صورة الآخر الكافر في عيون المسلمين وفي عيون المسيحيين في القرن السادس عشر. كما يتناول الكتاب، مسائل الفتوح الإسلامية الباكرة، ثم ما جرى في الأندلس منذ الفتح الإسلامي حتى نهاية الوجود السياسي للمسلمين في شبه جزيرة إيبريا، مصورًا فظاعة التعصب الكاثوليكي، وبشاعة رجال الدين ومحاكم التفتيش وكيفية رسم صورة للآخر تبرر هذه البشاعة وتناسبها. ويناقش قضية الحروب الصليبية؛ ثم مشكلات البلقان، منذ الفتح العثماني، حتى مذابح التطهير العرقي التي شهدتها المنطقة بعد انهيار يوغوسلافيا في السنوات الأخيرة من القرن العشرين، حيث يحسب للمؤلف نقله للصورة بعيدا عن الانحياز والعمى السياسي، كما يواصل مناقشة تأثيرات مشكلات البلقان على منظور كل من المسيحيين والمسلمين في هذه المنطقة من العالم الآخر، وكيف غرست الكراهية في نفوس كل من الجانبين تجاه الآخر والمذابح البشعة التي حدثت هناك. ومؤلف الكتاب أندرو هويت كروفت، هو مؤلف العديد من الكتب في التاريخ الحديث الباكر وفي التاريخ، منها العثمانيون (بنجوين 1995) والهابسبورج بنجوين (1996)، وقد عمل على هذا الكتاب لمدة تزيد على عشر سنوات، وترجمت كتبه السابقة إلى العربية واليونانية والإيطالية والبولندية والبرتغالية والرومانية والإسبانية والتركية. أما مترجم الكتاب الدكتور قاسم عبده قاسم، أستاذ متفرغ بجامعة الزقازيق في تاريخ العصور الوسطى له عدة مؤلفات في تاريخ الحركة الصليبية، وعصر سلاطين المماليك، والفكر التاريخي، والعلاقات بين المسلمين وأوروبا، ترجم عددا كبيرا من أهم الكتب التاريخية، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في العام 1983، وجائزة الدولة للتفوق 2000، وجائزة الدولة التقديرية 2008.