...وطيلة القرون السبعة الأولى من التاريخ الهجري أو حوالي القرن الثالث عشر ميلادي، فإن المسلمين أنصفوا ما سموه تراث الأوائل ونسبوه إلى أهله من بلاد الصين والهند وفارس واليونان وسريان بلاد الشام، فقد أوردوا على سبيل المثال الأسماء كما تنطق في اللّغة الإغريقيّة القديمة، ونسبوا ما ترجموه إلى أصحابه الأصليين، فنجد في تلك الترجمات من الكندي إلى اٌبن رشد، ومن جاء بعده أسماء مثل المعلّم الأول أرسطاطا ليس (أرسطو) وأفلاطن (أفلاطون) الإلهي، وفيثاغورس وجالينوس وأبوقراط وهرقليطس إلخ...فضلا عن عناوين الآثار العلميّة والأدبيّة التي نقلوها مثل رائعة كليلة ودمنة عن حكمة الهند التي نقلها اٌبن المقفّع إلى العربية، وهو من أعظم المترجمين في كل العصور وربما إلى اليوم، حتى لا يكاد يعرف قرّاء هذه التحفة الأدبيّة أنّ لغة الأم لعبد الله بن المقفّع هي الفارسية M.Lambard: L'islam dans sa première grandeur VII- IX S (97). تناسى السّاسة والأغلبيّة في الغرب الأوروبي الأمريكي إضافات الحضارة العربيّة والإسلامية، وأظهروا في أغلب الأحيان المآخذ والعيوب منذ فجر الرسالة المحمدية وأساءوا حتى إلى شخص الرسول الأكرم من الحروب الصليبيّة إلى شيخوخة الخلافة العثمانية التي سميت بالرجل المريض الذي ينتظر أن تطلق عليه رصاصة الرحمة، وهو ما حدث فعلا بتوزيع أشلاء العالم الإسلامي من شمال القوقاز والمشرق إلى البلقان والمغرب العربي بعد دفن الأستانة مركز الخلافة وقد كانت مجرّد سلطة معنويّة، تعايش في رحابها أصحاب الديانات الثلاثة في سلام وأمان. وكان اليهود من بين أكثر الأطراف خسارة، فقد تعرّضوا للاضطهاد والإقصاء في معظم أوروبا المسيحيّة وانتهى بهم المطاف إلى ما سموه محارق الهولوكوست في عهد النازي، وهو ما لم يحدث مطلقا في أي من بلاد المسلمين. وسوف نشير في مقاربة أخرى إلى حظوة اليهود في الدولة والمجتمعات العربيّة والإسلامية. كيف تحوّل العداء التاريخي بين النصارى من مختلف المذاهب وبين اليهود كعنصر وكعقيدة تلمودية إلى حلف مقدّس ضد المسلمين من كلّ المذاهب؟ كيف نسجت النخبة اليهوديّة شبكتها العنكبوتية حول الفاتيكان ودفعته لتبرئة اليهود من دم المسيح المصلوب وعذاباته (Les passions de christ) في عقيدة التثليث المسيحية؟.